«الجمعية الأدبية».. تكريس للضحك المجانـي

04-08-2009

«الجمعية الأدبية».. تكريس للضحك المجانـي

عندما كتب المسرحي والصحفي الغاني هنري أوفوري مسرحية «الجمعية الأدبية» لم يكن في نيته أن تعرض على خشبة المسرح، إنما كتبها أساساً لتقدم ضمن برامج الإذاعة الغانية التي كانت في أوج تألقها في خمسينيات القرن الماضي، لذلك خلا النص الأصلي -ترجمه الدكتور نايف خرما ونشر ضمن سلسلة المسرح العالمي العدد231 الكويت 1988 من الملاحظات الإخراجية أو الإشارات الواضحة أوالمفصلة لطبيعة المكان المفترض للأحداث أو حتى رسم واضح للشخصيات من الناحية الشكلية، هذا ما وضع فرقة «باب» المسرحية أمام امتحان صعب لسببين رئيسيين، الأول هو تقديم مسرحية قصيرة من ناحية مساحة الحوار بين شخصياتها وأحداثها القليلة نسبياً ما يعطي صناع العرض مساحة عمل حقيقية لإبراز مقدراتهم، والثاني لكون هذا العرض باكورة أعمال فرقة «باب» المسرحية حديثة العهد والتي تضم مجموعة كوادر مسرحية شابة تحاول خوض مغامرة في تقديم نشاط مسرحي من وجهة نظر خاصة -حسب ما جاء في بروشور العمل_ بينما هجره الكثيرون من رواده وتخلى عنه فرسانه في وقتنا الحالي. 

ما يميز النصوص المسرحية التي توصف بالعالمية عن غيرها، هو قدرتها على محاكاة الإنسان أينما وجد في أي مكان وزمان، هذا ما ينطبق على مسرحية «الجمعية الأدبية» التي تعالج مجموعة من نقاط الضعف في النفس البشرية مثل التظاهر والخيلاء والادعاء والسذاجة والجهل وغيرها، جميع ما ذكر من صفات إنسانية يعتبر مادة خاماً ومحفزاً للمواقف الكوميدية التي أغرقت بها المسرحية لدرجة التهريج المجاني في كثير من تفاصيلها ومشاهدها، فمن الواضح أن النص الأصلي خضع لعملية إعداد دراماتورجي ناجحة قام بها عبد الله الكفري مرت بمرحلتين، الأولى هي إعادة قراءة النص وإعداده على الورق ليتناسب مع ظروف عرضه الآن وهنا، لذلك عمل الكفري على إضافة بعض المشاهد والأحداث وإطالة النص الأصلي بعض الشيء، وإلغاء بعض تفاصيله ومشاهده وإضافة أخرى، كذلك إعادة تسمية الشخصيات بأسماء محلية مستخدماً اللهجة المحكية بدلاً من الفصحى، هذه المرحلة كانت ناجحة ومتلائمة تماماً مع ظروف العرض وغايته الأساسية، بعكس المرحلة الثانية التي قوضتها وأفشلتها الحلول الإخراجية الارتجالية التي قدمها مخرج العرض رأفت الزاقوت، حيث بذل الكفري جهده في إعادة قراءة النص بصرياً وتمثيلياً على الخشبة، لكن إفراط المخرج بالكوميديا أفرغ العرض من محتواه الفكري وتحولت مقولته إلى «اضحكوا قدر ما استطعتم دونما سبب يذكر» بدلا من «انظروا إلى خفايا أنفسكم وما تحويه من ابتذال وتصنع» ‏
يحكي العرض تفاصيل اجتماع تعقده مجموعة الرجال يسكنون في بلدة تقع في مكان محدد وكأن المقصود هنا حسب ما سجلته الراوية بصوتها «أدته الإعلامية نهلة السوسو» بالتحديد المبالغ به التعميم وإضفاء طابع الإنساني أينما وجد، تعيش هذه المجموعة بظل حالة من العزلة في المنطقة المفترضة والبعيدة عن الحضارة البشرية وتطوراتها المتسارعة، لذلك تلجأ إلى عقد اجتماعات دورية تسمى «الجمعية الأدبية» لمناقشة آخر التطورات والأحداث الجارية في قريتهم، تضم المجموعة شخصيات مختلفة الطباع والمهن والتوجهات والسويات الفكرية والمعرفية، لذلك دائماً وأبداً لا تخلو اجتماعاتها الدورية من المهاترات والصراعات المجانية التي تحول جلساتهم إلى حلبة للمصارعة والعراك، حتى أن إحدى الشخصيات تطالب دائماً بإحضار قفازات الملاكمة لتتحول الجمعية إلى حلبة للمصارعة والعراك الحقيقي بدلاً من مناقشة الأفكار والقضايا الهامة بنظرهم، وإن كان لهذه الخلافات والمهاترات ما يبررها درامياً ألا وهو إبراز الطباع الحقيقية لمجمل شخصيات الجمعية من تملق وادعاء وتجمل في كثير من الأحيان، لكن اعتماد مخرج العرض على أسلوب الغروتسك الذي يقوم بشكل أساسي على الم بالغة والإفراط في الأداء الكوميدي، تسبب في تشتيت ذهن المشاهد عن الهدف الأساسي للعرض وضياع مقولته، ليتحول بدوره إلى عرض كوميدي شبه مجاني، هذا لا ينفي الأداء المتقن لكثير من شخصيات العمل الذين استفادوا بدورهم من قدراتهم الأدائية من حيث حركة الجسد والصوت والانفعالات وخلق حالة من الانسجام المتبادل فيما بينهم، لكن العرض كان بحاجة إلى عين مخرج تستطيع ضبط عناصر العرض بشكل أكثر موضوعية وحرفية، تحديداً الأداء التمثيلي الذي بدا مرتجلاً وبحاجة إلى مخرج يستطيع ضبطه وهيكلته وتحديد مساره، بغية إبقاء المسافة واضحة بين ما يقدم على الخشبة وبين مقولة العرض الأساسية حتى لا يقع بمطب التهريج الفارغ من قيمة فكرية.
بدوره قدم مصمم السينوغرافيا زكريا الطيان قراءة موضوعية لفضاء العرض، عندما اعتمد على البساطة في توزيع قطع الديكور، مختصراً عناصره على طاولة وبضعة كراسي، كذلك قسم الطيان الخشبة إلى فضاءين مختلفين مستخدماً عناصر الإضاءة، الفضاء الأول يقع في مؤخرة الخشبة ويجسد الطريق المحاذي لمكان اجتماع الجمعية، والذي قدمت به بعض مشاهد العرض، والثاني هو مقر الجمعية الذي يدخله أفرادها عبر باب حقيقي من أصل المسرح، بذلك استفاد الطيان وبذكاء يحسب له من مساحة الخشبة وحتى عناصر الديكور الحقيقة الموجودة دون إضافة زركشات سينوغرافية مجانية. ‏

 

أنس زرزر

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...