حكومة عربية تتبرأ من رعاياها وقناة ليس لها من اسمها نصيب

28-04-2010

حكومة عربية تتبرأ من رعاياها وقناة ليس لها من اسمها نصيب

لا أدري لماذا أشعر كمواطن عربي، أنني معني بقضية الدكتور محمد البرادعي وترشحه للرئاسة في مصر، ومعني أيضاً بأنصاره الذين رحلوا من الكويت لأنهم تجمعوا لدعمه، فخشي الأشقاء الكويتيون المزهوون بديمقراطيتهم على العلاقة مع الشقيقة مصر... فطردوهم شر طردة، دون أن تهتز شعرة في رأس ديمقراطيتهم هذه!
البرادعي بالنسبة لنا فكرة، أكثر منه شخصاً يسعى إلى سدة الرئاسة في بلده... فكرة تحمل مشروع التغيير وأمل التغيير في انتخابات رئاسية عربية، تتكرر فيها نفس الوجوه حتى يتكفل ملاك الموت عزرائيل بتغيير اسم الرئيس، بقوة قاهرة لا ينفع معها أي (أبد) هي قوة الموت!
وأنصار البرادعي الذين يكثرون داخل مصر وخارجها هم حالة تستحق التأمل أيضاً... فهؤلاء الصامتون والمتلملون والباحثون عن أفق جديد للحياة، قرروا أن يعبروا عن موقفهم، وعن غضبهم وعن قرفهم، ليس حباً بالمعارضة، وليس بحثاً عن دور سياسي، وليس إيماناً بضرورة المشاركة السياسية كمفهوم بات شكلياً وصورياً وانتحاريا في حياتنا العربية، بل هجاء للأوضاع القائمة، وتعبيراً عن السأم من صورة الرئيس ذاته... والمرشح ذاته... والإنجازات التي يتم التفاخر بها ذاتها، فيما الحياة إلى مزيد من الخراب.
وقد كتبت في هذه الزاوية عن محنة أنصار البرادعي بعد ترحيلهم من الكويت قبل فترة... إلا أنني أجد ضرورة في متابعة قضية هؤلاء مجدداً، بعد أن تابعها برنامج 'العاشرة مساء' مشكوراً هذا الأسبوع... فقد أطلق أحد المبعدين المصريين الذين ظهروا في البرنامج نداء قبل أكثر من أسبوعين إلى المسؤولين المصريين بضرورة التدخل لإنصاف المبعدين وتحصيل حقوقهم، وتسوية أوضاعهم عبر الاتصال رسمياً مع الحكومة الكويتية بشكل يكفل لهم ما خلفوه وراءهم بعد أن رحلوا بشكل فوري، وكأنهم دنسوا مقدساً أو ارتكبوا فعلا فاضحاً في مكان عام... لكن أحداً لم يتدخل من الحكومة المصرية التي غالباً ما تطرب لقضايا تحصيل حقوق المصريين في الخارج، كتعويض عن إضاعة حقوق المصريين واستباحتها في الداخل... لم يبادر أحد ولو شكلياً، ولم يتحرك أحد، لا سفير ولا وزير ولا حتى مأمور أو غفير. الجميع التزم الصمت، وكأن هؤلاء مبعدون في قضية شذوذ جنسي أو جريمة سرقة!
يبدو هذا السلوك الحكومي، خير تجسيد لتقاليد الديكتاتورية العربية التي تزداد صلافة اليوم... وللفساد الحكومي العربي الذي يزداد عهراً وقبحاً... فمناصرة مرشح معارضة منافس للرئيس الحاكم، جعل هؤلاء مجردين من حقوق المواطنة... وجعل الحكومة تتبرأ منهم وترمي عليهم يمين الطلاق بالثلاثة... وتتهاون في تحصيل حقوقهم المادية والمعنوية، إلى درجة أنها تسامح فيها عن طيب خاطر... وتصمت عنها بكل رضا.
بهذا السلوك الحكومي المشين... صار أبناء الوطن هم رعايا السيد الرئيس فقط، الذين قرروا أن يصوتوا له في أي انتخابات قادمة مهما مد الله في عمره... هؤلاء فقط من يمكن أن تتحرك الحكومة لتحصيل حقوقهم، وهؤلاء فقط يمكن أن تفتح لهم أبواب السفارات في الخارج، ويمكن أن يخرج هذا المسؤول أو ذاك لاستقبالهم في المطار فيما لو أبعدوا وأعيدوا إلى أرض الوطن، بل وأن يهتفوا لهم في استقبالهم (ادخلوها آمنين... مصر أم المؤمنين... مصر بلد الطيبين) أما أنصار البرادعي... أولئك الذين شقوا عصا الطاعة، فليبحثوا عن حكومة أخرى تحصل لهم حقوقهم، وليبحثوا عن وطن آخر يصوتون فيه للبديل القادم... فبلاد العرب أوطاني لم تعد تحتمل أي بديل... ولم تعد تحتمل أي مشروع تغيير... لأن المقاعد محجوزة سلفاً قبل أي انتخابات... وآخر مثال على ذلك فوز السيد الرئيس عمر البشير في انتخابات الرئاسة السودانية بنسبة 68 بالمئة، والبقاء رئيساً بعد أكثر من عقدين من الزمن... أترى يشعر هؤلاء بلذة الفوز حقاً؟!

'الحرة'... والتجربة المرة!
بعد سنوات على افتتاحها، وبعد عدة تغييرات طالت هويتها، فاستبدلت حتى الشعار الذي انطلقت به، ما تزال قناة 'الحرة' الأمريكية، قناة عديمة الجدوى والطعم واللون... وإن كانت رائحتها في تغطية الكثير من الأحداث والقضايا تزكم الضمائر والأنوف!
مشكلة قناة 'الحرة' التي انطلق بثها في الرابع عشر من شباط (فبراير) عام 2004 أنها اختارت اسماً لم يكن لها منه نصيب... صحيح أنها استمدت اسمها من رغبتها في نشر أفكار الحرية والديمقراطية في العالم العربي كما قالت لدى انطلاقتها... لكن دعم أمريكا للأنظمة الديكتاتورية العربية والسكوت عن بقائها وجرائمها على أرض الواقع، جعل القناة فاقدة المصداقية... فهي مقيدة في النهاية بأجندة أمريكية تتعامل مع المشاهد العربي باعتباره كائناً ينقصه الكثير من التلقين والتدجين... مع أن وسائل الإعلام الرسمية العربية في زمن ما قبل الفضائيات لم تترك فرصة لإغراق هذا المشاهد المسكين في طوفان التلقين المضجر أو التدجين القسري إلا واستنفدتها.
ومشكلة 'الحرة'هي في بلادتها المهنية... فهي غير قادرة على أن تكون على قدم المنافسة مع القنوات العربية الأخرى... وحتى تلك التي تشترك معها في الأجندة والهوى والأهواء... فتبدو: رب شقيق لم تلده لك أمك!
ومشكلة 'الحرة' أخيراً، أنها تريد أن تكسب في صف أمريكا، جمهوراً طالما عادت أمريكا قضاياه واستفزت مشاعره... وهكذا كلما حاولت 'الحرة' الاقتراب من هذا الجمهور خطوة، أبعدتها سياسات أمريكا عنه أميالاً!
في أمريكا، حين لا يمكن تزوير الفشل، وتبييض صفحة إعلام متعثر كما يحدث في كثير من الدول العربية... يجب أن تتم دراسة الجدوى من هذه 'الحرة' والإنفاق عليها... وأعتقد أن أفضل دعاية لـ 'الحرة' أن تبث من على شاشتها نتائج مثل هذه الدراسة... واستبيان الرأي في العالم العربي حول مدى تأثيرها... علنا نصدق أنها يمكن أن تكون 'حرة' حتى في تقرير مصيرها الشخصي على الأقل!

معجزة... لا مسيرة!
المسيرة العلمانية التي قام بها بعض شباب لبنان، والتي طالبت بإلغاء الطائفية السياسية من النظام اللبناني... وهي الأولى من نوعها منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية... هي مؤشر على شباب يتحرك من أجل تحديد مصيره ومستقبله.
لكن هذا التفاؤل لا يبدو قابلا للتحقيق بسهولة، فلبنان الغارق في الطائفية في كل شيء... والمؤسس على الطائفية في كل شيء... لن يستطيع إلغاء هذه الطائفية الكريهة بمسيرة أو اعتصام... وحتى لو قال بعض المتفائلين إن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة... فإن هذه الخطوة لا تعدو كونها تحركاً إعلامياً، يصلح لخبر في نشرة أخبار... أو مانشيت في صحيفة، أو غلاف في مجلة... ذلك أن لبنان الطائفي يحتاج إلى زلزال حقيقي لا يبقي حجرا على حجر... ولكن لأننا نخشى على لبنان (يا قطعة سما... ع الأرض ثاني ما إلا) من الدمار، ولأننا نخشى على فرادة لبنان التي يراها بعضهم (في تنوعه الطائفي والمذهبي)... فإننا نأمل أن تصنع المسيرات والاعتصامات معجزة ما... تبقي على تنوع لبنان، وتخلصه من طائفيته!

محمد منصور

المصدر: القدس العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...