معانا حليب معانا بطانيات

07-12-2012

معانا حليب معانا بطانيات

«بدنا نضحك لعشر سنين لقدّام... أو عشرين سنة». الرقم تقريبي إذاً. الجمل العفويّة التي لم يتمّ التدرّب عليها في البروفات، تقول إجمالاً كلّ شيء. في زمن البكاء والعويل، في زمن الدموع والحداد، التشرّد والخوف والموت الجماعي، ها هو الصحافي السابق، وممثّل الشعب في البرلمان اللبناني، يعدنا بالضحك المديد. في الحقيقة لم يكن يضحك ظهر أمس، لم ينجح في ذلك تماماً، رغم الجهد الذي بذله للتحكّم بعضلات الوجه المتشنّجة. لكنّه نجح في كل ما تبقّى. الرقص والشتم والزعبرة ولوي ذراع الحقيقة، وأبدع في استعمال تقنيّة الفجور السياسي. بوسع الشيخ أحمد الأسير أن يعود إلى جامعه الآن مطمئنّاً. لقد خرج النائب صقر عن صمته، نكاية بكلّ «الخصيان»، بعد تردّد وتلعثم داما أيّاماً قال خلالها الشيء ونقيضه. لحظة، ذلك تكتيك يا أغبياء: فعل ذلك كي يوقع بخصومه الأغبياء معانا حليب معانا بطانياتمثلكم (يا ملعون، يا عقاب، منّك هيّن!). ذلك تقليد جديد في الحياة الديموقراطيّة لما بعد «الثورة». من الآن فصاعداً أعزّائي المواطنين، عليكم بوعيكم النقدي أن تميّزوا بين التصاريح الخُلّبية والتصاريح المصيريّة. أخيراً، قرّر عقاب الذي «يقف مع الثورة السوريّة من أجل لبنان»، أن يثبت للرأي العام براءته ونزاهته ووطنيّته وشهامته، كاشفاً الستر عن هؤلاء الأشرار: كبير السحرة، وحامل الصليب المزيّف، وسائر المتآمرين على سمعة الجندي الطيّب، المخططين لمؤامرات دمويّة باتت معروفة لدى القاصي والداني. هذه مسرحيّة غوطيّة، إذا جاز التعبير، بطلها نائب الأمّة «الضاحك» من منفاه التركي. «يضحك» من خصومه «المخادعين الأغبياء الجهلة القتلة» الذين انفضحت خططهم السخيفة بسهولة. لقد انتصر عليهم، «انتهينا منهم» قال. هذا أمر واقع، ألم تسمعوا «التسجيلات الكاملة»؟ الشيخ سعد لا يريد أن يعرف شيئاً عن السلاح والذخيرة، مساعدات «انسانيّة» فقط. لقد أُغرقت سوريا، على فكرة، بالمساعدات الانسانيّة. وبطلنا القومي لن يغمض له جفن قبل أن يعود زوّار أبو ابراهيم إلى ذويهم: البطانيّات مقابل المخطوفين إذاً. سلّم على أبو النعمان. قوى الشر حاولت أن تزيّف نضاله الانساني، لكن الحقيقة بانت، ألم تسمعوا «التسجيلات الكاملة»؟ الآن فقط صار بوسعه أن ينعي وسام الحسن. انتصر الحق على الباطل، الباقي لا يهمّ. الأحزان يمكن أن تنتظر، والانتصارات المقبلة، والاستحقاقات الصعبة أيضاً. لنضحك إذاً، عشر سنوات… عشرين سنة.
لكن، ما دام الشاب الوسيم منتصراً، فلماذا كل هذه الهستيريا؟ في صالة الفندق المتوسّطة بضعة صحافيين وصحافيّات، ومهندس الصوت الذي أرسلته «الجديد» ممتاز، فما باله يجعّر هكذا؟ مثل شخصيّة هتلر كما أدّاها شارلي شابلن في فيلم «الديكتاتور». لماذا يترقوص ويرفع سبابته اليمين باستمرار إلى الأعلى، قبل أن يلوي ذراعه هبوطاً في حركة شبه صوفيّة. هل تكون تأثيرات «المولويّة» في المنفى التركي؟ لماذا التفريغ بالصراخ والشتم والقذف، في ايقاع متكرّر، تصاعدي، حتّى النيرفانا؟ ما الذي يجعل عقاب غاضباً إلى هذا الحدّ؟ كيف يمكنه أن يكون غاضباً وسعيداً في آن معاً؟ «سعادة» النائب، قلبه على لبنان ولعلّه ـــ «أنا وسعد» ـــ السد الأخير في وجه الفتنة: أي مراقب دقيق للمشهد يعرف ذلك! قلبه على المخطوفين اللبنانيين: أي متابع فطن للحياة السياسيّة اللبنانيّة لاحظ ذلك. يتمنّى «السعد» للشعب السوري. حاملاً له البطانيات والبقول والحليب. منذ ظهر الأمس، بعد متابعة وقائع مؤتمره الصحافي على التلفزيون، بتنا جميعاً نعرف ذلك. وهو يردّ لهذا الشعب بعض جميله لأنّه احتضن اللبنانيين خلال عدوان تمّوز. موقف وطني لا يفاجئ أحداً بطبيعة الحال. ما بيخلّي عليه شي الجندي شفايك. شفايك الطيّب والوفي والشجاع الذي يختزن الحكمة الشعبية، ويفضح المكائد رغم بساطته وطيبته. وعقاب لمن لا يعرفه يحب «المقاومة» ويكره إسرائيل: من قال عكس ذلك؟ فاعل الخير لا يروّج لنفسه عادةً، لكنّ أخينا «الأم تيريزا» اضطرّ إلى الخروج من الظلّ هذه المرّة، دفاعاً عن كرامته وشرفه: سمسار سلاح الأستاذ عقاب؟ فشرتم! معاذ الله يا رجل، هل تصدّق «الدمى السوريّة»؟ عقاب يتذوّق مسرح الدمى، في تركيا أعاد اكتشاف خيال الظل: تذكرون كركوز وعيواظ؟ مهلاً، الآن فهمنا لماذا كان يترقوص هكذا. وعقاب يتقن التمثيل الاذاعي، لكن المشكلة في السيناريو والاخراج، و«الراكورات» الخاطئة. عقاب يجيد اللغة العربيّة أيضاً، لكن الحق على التوتّر العالي: «أيها المجرمون» ثم يصحّح: «أيها المجرمين». مراراً يقول الكلمة الصحيحة ثم يستدرك بالكلمة «الخطأ». ثمّة تأنيب ضمير ـــ لغوي على الأرجح ـــ عند هذا الجندي الشجاع والشهم. يعرف سلفاً أنّه مذنب، يخشى دائماً من ارتكاب الخطأ، فيرتكبه. يا أخي طيب، راحت البطانيّات، فأين المخطوفون؟ عفواً «المخطوفين».
أخيراً الأستاذ عقاب يحترم استقلاليّة القضاء، ولم يتصل بصديقه مدّعي عام التمييز عندما قرّر فتح دعوى ضدّه. لكنّه الآن سيقاضي الجميع و«كل الانترنت». وعقاب يحترم زملاءه السابقين في الاعلام، إلا «المرتزقة» منهم والـ «بلا شرف» وفراس حاطوم. لحظة، ممكن تعيدها هيدي أستاذ عقاب. «مرتزقة وبلا شرف»؟ آه، أوكي! ويحترم الذين لديهم وجهة نظر أخرى لروايته: «اللي ما بيقتنع، إما مجرم وإما حمار». بس مش إنت أستاذ فراس! عقاب لديه فكرة راقية جدّاً عن المواطنين والرأي العام (بدليل كل ما يقوله ويفعله منذ سنوات): المشكلة أن هؤلاء «الأغبياء» يصدّقون! لكن من أين جاء بالأسخريوطي، وبكل الأدبيّات الشيعيّة دفعة واحدة؟ من أين جاء بابن الرومي، وما وظيفة «أنف بن حرب» في السياق؟ أسرار كثيرة ستكشف عنها الأيّام المقبلة. الآن يمكنكم العودة إلى «الجديد» للاستماع إلى «التسجيلات الكاملة»… ألم يحذّركم مارتن لوثر صقر: حذار من الوقوف على الحياد في زمن «المعارك الأخلاقيّة الكبرى».

بيار أبي صعب

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...