مصر: سجال ساخن حول تركيبة لجنة الدستور
شهدت الجلسة الأولى المشتركة بين مجلسي الشعب والشورى في مصر، أول أمس، جدالاً ساخناً بين الأحزاب الممثلة في البرلمان حول تركيبة اللجنة التي ستتولى عملية الإعداد للدستور المصري الجديد، يتوقع أن يستمر خلال الفترة المقبلة، في ظل التعارض الحاد في المواقف بين القوى المدنية والإسلامية من جهة، وبين مكونات التيار الإسلامي نفسه.
في هذا الوقت، انتقد البرلمان المصري قرار السلطات المصرية السماح بسفر الأميركيين المتهمين في قضية «التمويل الأجنبي» للمنظمات الأهلية معتبراً أنه جاء نتيجة لـ«تدخل سافر»، في وقت ذكرت صحيفة «الأهرام» الحكومية أن هذه الخطوة جاءت ضمن إطار صفقة وفرت مساعدات لمصر بمليارات الدولارات.
وعقد البرلمان المصري بمجلسيه الشعب والشورى، أول أمس، جلسة ساخنة مع بدء المناقشات لاختيار مئة عضو ستكون مهمتهم صياغة الدستور الجديد وهي عملية حيوية لمستقبل الديموقراطية في البلاد بعد إطاحة حسني مبارك.
ومن شأن الدستور الجديد تحديد توازن السلطات بين السلطة التنفيذية المدعومة من الجيش، والبرلمان الذي يريد الحد من السلطات الواسعة لرئيس الجمهورية. وقد يصبح الدستور ساحة مواجهات بشأن دور الإسلام في القوانين والمجتمع في مصر. كما يرسم الدستور الجديد الدور السياسي المستقبلي للجيش الذي يحكم مصر منذ سقوط مبارك.
وينص الإعلان الدستوري المؤقت على أن يختار البرلمان بمجلسيه جمعية تأسيسية تضم مئة عضو تصوغ الدستور الجديد الذي يحل محل الدستور الذي مكن مبارك من البقاء في الحكم ثلاثة عقود.
وقال رئيس مجلس الشعب سعد الكتاتني، في بداية الجلسة المشتركة للمجلسين، إن «أهم خطوة على طريق بناء مؤسسات الديموقراطية بعد انتخاب مجلسي الشعب والشورى هي ما نحن بصدد إنجازه اليوم من خلال اجتماعنا المشترك لانتخاب الجمعية التأسيسية».
وأضاف «لم يكن طريق ثورتنا مفروشا بالورود والرياحين، وإنما بذلت فيه التضحيات الغالية، ومرت مصر بعدها بمخاطر ومنعطفات كثيرة داخليا وخارجيا كانت تكفي واحدة منها للإجهاز على مقومات الدولة».
ورفع رئيس مجلس الشعب الجلسة بعد الموافقة على أن يشكل البرلمان لجنة مصغرة لتلقي الاقتراحات بشأن كيفية تشكيل الجمعية التأسيسية. وبعد ذلك سيجتمع البرلمان بمجلسيه مرة أخرى في 17 آذار لبحث المقترحات ووضع معايير الاختيار بشكل نهائي. ثم يصوت الأعضاء على تشكيلة اللجنة في 24 آذار.
وظهرت بوادر الخلاف مبكرا بين أعضاء البرلمان عندما طرحوا رؤاهم المختلفة بشأن تشكيل لجنة الدستور. وقال «حزب الحرية والعدالة» المنبثق من جماعة «الإخوان المسلمين»، والذي يملك اكبر عدد من المقاعد في المجلسين معا، انه يريد أن تضم الجمعية التأسيسية 40 عضوا من أعضاء البرلمان على ان يكون الباقون وعددهم 60 عضوا خبراء قانونيين ودستوريين ونقابيين.
ويتعارض هذا الاقتراح مع رؤية الجماعات الليبرالية في البرلمان، والتي تصر على أن يحصل الشباب والمرأة والمسيحيون على نصيب عادل في تشكيلة الجمعية التأسيسية. ويخشى الليبراليون، فضلا عن السلفيين المنافسين لـ«الإخوان» في البرلمان من أن حزب الحرية والعدالة قد يتمكن من أن يدفع بعدد كبير من نوابه في البرلمان في الجمعية التأسيسية.
وللتصدي لهذه المخاوف دعا «حزب النور» السلفي إلى أن تضم الجمعية عددا من نواب البرلمان أكبر مما دعا إليه «حزب الحرية والعدالة».
وبمجرد تشكيل الجمعية التأسيسية سيكون أمامها ستة أشهر لصياغة الدستور الذي سيطرح بعد ذلك للاستفتاء العام. لكن الجدل الحاد الذي دار أول أمس بشأن اختيار أعضاء الجمعية ربما يكون مقدمة للصعوبات التي ستنشأ مع بدء صياغة الدستور نفسه.
وقال النائب عمرو حمزاوي إن عملية صياغة دستور جديد لمصر لن تكون سهلة حيث يريد المصريون نقاشا حقيقيا بشأن دستورهم. واعتبر بعض النواب في بداية عملية تشكيل الجمعية التأسيسية أن الخبرة لا الانتماءات الحزبية هي العامل الأساسي في اختيار أعضاء الجمعية. وقال عصام سلطان الذي ينتمي إلى «حزب الوسط» الإسلامي المعتدل في البرلمان إن «ما يحكمنا هو معايير الكفاءة لا العددية، والاهتمام بالمضامين لا بالشكليات، وكيفية التأسيس لدولة مدنية مرجعيتها إسلامية تقوم على الحق والعدل والمساواة».
من جهة ثانية، انتقد الكتاتني «التدخل السافر» وراء قرار القاهرة برفع الحظر عن سفر الناشطين الأميركيين. وتعهد الكتاتني بمحاسبة كل المسؤولين عن هذا القرار. وأوضح أن لجنة تحقيق برلمانية ستستدعي رئيس الوزراء ومسؤولين حكوميين آخرين في 11 آذار للتحقيق في الملابسات التي تحيط بالقرار.
وشدد الكتاتني على أنه لا يمكن القبول بأي نوع من أنواع التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية المصرية تحت اي مبرر او المساس بسلامة واستقلال القرار المصري في جميع الشؤون الداخلية والخارجية».
وفي هذا الإطار، كشفت صحيفة «الأهرام» نقلاً عن «مصدر مسؤول» عن صفقة تمت بين المجلس العسكري المصري وبين الإدارة الأميركية، للسماح بسفر الأميركيين المتهمين في قضية التمويل الأجنبي.
وأوضح المصدر أن هذه الصفقة تمثلت في منح مصر مساعدات تصل إلى أكثر من 50 مليار جنيه مصري، وهي عبارة عن 3.5 مليارات دولار من السعودية، و4 مليارات من قطر، و3 مليارات من الإمارات، إضافة إلى 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية أميركية، وتسريع منح مصر قروضا ميسرة من صندوق النقد الدولي بنحو 3.4 مليارات دولار، ومليار من البنك الدولي، ونصف مليار من بنك التنمية الأفريقي.
وأشار المصدر إلى أن الإدارة الأميركية مارست ضغوطا على الدول العربية لسرعة منح مصر المساعدات التي وعدت بها الحكومات العربية بالإضافة إلى بحث منح أكثر من 20 مليار دولار من الدول الثماني الكبرى والتي وعدت بها في قمة «دوفيل» الفرنسية ضمن مساعدات تقدمها لدول الربيع العربي.
ونفى المصدر أن تكون لحكومة كمال الجنزوري يد من قريب أو بعيد في هذا الشأن، مشيراً إلى أن ما تم كان بمعرفة المجلس العسكري وحده.
وأكدت الولايات المتحدة دعمها لسعي مصر للحصول على قرض بقيمة 3.2 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند «تواصل الولايات المتحدة دعمها لجهود صندوق النقد الدولي الرامية إلى التوصل إلى برنامج للاصلاح الاقتصادي وتحقيق استقرار مع مصر وما زالت على اتصال وثيق مع المانحين الآخرين من اجل دعم الاقتصاد المصري». وأضافت «بالرغم من الضغوط الاخيرة والخلافات في قضايا معينة ما زالت أسس هذه العلاقة الاستراتيجية (مع مصر) قوية ... والولايات المتحدة ملتزمة ايضا بضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي في مصر».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد