محمود درويش من أحمد الزعترإلى خطبة الهندي الأحمرأمام الرجل الأبيض

03-02-2009

محمود درويش من أحمد الزعترإلى خطبة الهندي الأحمرأمام الرجل الأبيض

طريق طويل مشاه الفلسطيني من أتون الحرب الأهلية اللبنانية إلى محاولته العودة إلى أرضه عبر أوسلو , و بينهما وطن ضائع و الكثير الكثير من المجازر , سجل الأديب الفلسطيني رحلة العذاب هذه في انقلابه الجذري من تفاؤل فترة صعود النضال الفلسطيني المسلح مرورا بتشاؤل أميل حبيبي إلى تشاؤم الإحساس بمرارة الهزيمة...من أحمد الزعتر ( 1977 ) إلى خطبة الهندي الأحمر ( 1992 ) تحول هائل , من أحمد الذي كان
كان اغتراب البحر بين رصاصتين
مخيما ينمو , و ينجب زعترا و مقاتلين
إلى الهندي الأحمر الذي يعرف جيدا أن
أننا ننزف اليوم حاضرنا و تدفن أيامنا في رماد الأساطير
ليست أثينا لنا
كان أحمد الزعتر ابن المخيم بعد أن طال سؤاله و رحيله لعشرين عاما كان يمارس اكتشاف الذات , و أخيرا قال
أنا أحمد العربي – قال
أنا الرصاص البرتقال الذكريات
تل الزعتر الخيمة
و أن البلاد و قد أتت
و تقمصتني
وضع ذكرياته وراءه و انتسب إلى الخندق , يذكر درويش الرصاص كثيرا عندما يحدثنا عن أحمد , رصاص برتقالي , كان ما يزال للرصاصة وهجها , كانت تبدو كبيرة و قادرة و ربما كانت أخيرا الطريق , كان درويش ينادي أحمد الزعتر
يا أيها الولد الموزع بين نافذتين
لا تتبادلان رسائلي
قاوم
....
يا أحمد المولود من حجر و زعتر
ستقول : لا
ستقول : لا
كان يومها الأمل بانتصار أحمد الزعتر , أو أحمد العربي , على منفاه و موته ممكن , لكن أحمد الزعتر يصبح هنديا أحمر فقط بعد 15 عاما , يتلو رسالته قبل الأخيرة أمام قاتله الأبيض , تحت سماءه , أمام جواميسه و غزالته , أمام أرض كانت سابقا تؤوي أجداده و آبائه , أصبح لا يملك منها شيئا إلا الأمس , اكتشف الهندي الأحمر أنه لا يملك إلا الحصى في مواجهة حديد أعدائه , فكان عليه أن يقول و قد اكتشف أنه على وشك الرحيل
و نحن نودع نيراننا , لا نرد التحية ... لا تكتبوا علينا وصايا الإله
الجديد , إله الحديد , و لا تطلبوا معاهدة للسلام من الميتين , فلم يبق منهم
أحد
إن كم الموت هائل , لا يصدق , إن المجزرة الاستئصال الموت بحجم يفوق الجحيم , فيسأل الهندي الأحمر الأخير قاتله
ألم تولدوا من نساء ؟
ألم ترضعوا مثلنا حليب الحنان إلى أمهات ؟
...
هنا كان شعبي هنا مات شعبي هنا شجر
الكستناء
يخبئ أرواح شعبي , سيرجع شعبي هواء و ضوءا و ماء
خذوا أرض أمي بالسيف , لكنني لن أوقع باسمي معاهدة الصلح بين
القتيل و قاتله , لن أوقع باسمي
في احتضاره الأخير يختار الهندي الأحمر أن يموت و بيده سلاح , يعرف جيدا أنه يودع آخر شمس , يعرف جيدا أنه يستعد للرحيل إلى رحم أمه من جديد , هذه المرة دون أن يكون أمامه طريق للعودة , يختار أن يموت و بيده سلاح , يختار أن يموت و في فمه لا ,
سنمضي إلى حتفنا , أولا , سندافع عن شجر نرتديه ...
وعن جرس الليل , عن قمر , فوق أكواخنا نشتهيه
وعن طيش غزلاننا سندافع , عن طين فخارنا سندافع
و يسأل قاتله للمرة الأخيرة
إلى أين يا سيد البيض , تأخذ شعبي , ..
و شعبك ؟
إلى أية هاوية يأخذ الأرض هذا الروبوت المدجج بالطائرات
بل قد يطالبه بأن يترك بعض المقاعد للميتين في مؤتمرات السلام , كي يتلو عليها معاهدة ما , لكنه يستعد أخيرا لرحيله النهائي , ليكتفي برؤية أرض أمه من سماء أصبحت تأتمر بسيد جديد , بإله الحديد , يخبرنا درويش ما الذي يجب على الفلسطيني أن يفعله في لحظة الرحيل , هكذا سقط السلاح من يد أحمد الزعتر , هكذا يموت المخيم و يموت الزعتر و يموت الحلم , قد ينظر أحمد الزعتر في عيني قاتله و يسأل فولاذهما البارد لكنه سيحتفظ في يده و هو يلفظ أنفاسه الأخيرة بحجر من تلك الأرض مشرعا في الهواء أمام فولاذ القاتل , هكذا يموت أحمد الزعتر بعيدا عن خيمته و عن أرضه أو أنه بات يدرك مصيره القادم , سينصرف ليصبح ماض , يترك أرضه و ماضيه و غزلانه , يذوي و هو يضم ماضيه و يصبح مجرد اسم , ذكرى , قبر يلاحق منفاه......

 

مازن كم الماز

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...