لبنان: استشهاد 10عسكريين في صيدا

24-06-2013

لبنان: استشهاد 10عسكريين في صيدا

هزت الجريمة التي ارتكبت بحق الجيش اللبناني في صيدا، كل اللبنانيين الشرفاء، بمعزل عن طبيعة انتماءاتهم الطائفية والمذهبية والسياسية.
ما تعرض له الجيش في عبرا على أيدي مسلحي الشيخ أحمد الأسير شكل صدمة حقيقية، وضعت هيبة المؤسسة العسكرية ومصير الوطن على محك اختبار صعب، لا يحتمل الحلول الوسط ونتيجة التعادل، لاسيما ان سيناريو الأحداث أظهر انه كانت هناك خطة مدبرة ومعدة سلفا لاستهداف الجيش اللبنانيجنود يتصدون لنيران المسلحين في عبرا ( ا ب ) ، جرى تطبيقها من قبل المسلحين على الارض، ترجمة لـ«بروفة» الأحد الماضي.
هي محاولة اغتيال موصوفة تعرضت لها مدينة صيدا والمؤسسة العسكرية وعبرهما كل لبنان، بواسطة الوكلاء المعتمدين للفتنة، والذين استفادوا من مرحلة انعدام الوزن التي يمر فيها لبنان، شارعا ومؤسسات، ليوجهوا ضربتهم الى الجيش وما يمثله من حماية أخيرة لما بقي واقفا من أعمدة الوحدة الوطنية والاستقرار الداخلي.
وهكذا، وجد الجيش نفسه امام امتحان مصيري، يتوقف الكثير على نتائجه، ولا مبالغة في القول بان خروجه من هذا الامتحان قويا ومصانا هو أمر ضروري ليس له فقط، وإنما للبنان كله، بعدما اصبحت المؤسسة العسكرية خط الدفاع الاخير عن البلاد، في ظل الانهيار الذي اصاب المؤسسات الأخرى بنسب متفاوتة.
ولأن الكلفة التي دفعها الجيش كانت مرتفعة جدا، وبلغت حتى ليل أمس 10 شهداء، فهو اتخذ قراره بالحسم العسكري ضد مجموعات الأسير، على قاعدة ان أي تفاوض مع قتلة ضباطه وجنوده مرفوض، كما أكدت مصادر عسكرية ، مشددة على انه لم يعد هناك مجال امام أي مبادرة سياسية بعد الذي حصل.
وتحت هذا السقف، سارع الجيش الى فرض إيقاعه على مسرح الأحداث، عبر بيان غير مسبوق بلهجته الحاسمة، قافزا فوق حسابات السياسيين الذين طالما اشتهروا بازدواجية مواقفهم واللعب على الحبال، بحيث يقولون في العلن شيئا ويفعلون في السر شيئا آخر.
وعلى قاعدة ان زمن المناورات انتهى وان اللون الرمادي لم يعد مقبولا، وضعت قيادة الجيش الجميع امام مسؤولياتهم رافضة اللغة المزدوجة، ومطالبة قيادات صيدا ومرجعياتها بان تكون إما الى جانب الجيش، وإما إلى جانب مروجي الفتنة وقاتلي العسكريين. وأكدت القيادة ان ما حصل في صيدا فاق كل التوقعات، بعدما استهدف الجيش بدم بارد وبنية مقصودة لإشعال فتيل التفجير في صيدا كما جرى في العام 1975، بغية إدخال لبنان مجددا في دوامة العنف، مشددة على أنها «لن تسكت عما تعرضت إليه سياسيا أو عسكريا».
هذه المرة، انتزع الجيش المبادرة دفاعا عن كرامته وعنفوانه، وهو الذي سبق له ان دفع في أكثر من مكان ثمن الميوعة الرسمية المتمادية في التعاطي مع الظواهر الشاذة التي استفادت من غياب القرار السياسي بمواجهتها والقضاء عليها، فراحت تنمو تدريجيا على ضفاف مستنقعات التحريض الآسنة، واكتسبت حصانة مذهبية، أمنت لها الحماية وشجعتها على استهداف الجيش في وضح النهار.
وبرغم العدد الكبير من الشهداء والجرحى الذين سقطوا في صفوف الجيش بفعل اعتداءات أنصار الاسير، إلا ان الميوعة في احتضانه وتأمين التغطية اللازمة له، بقيت ملازمة لأداء المسؤولين والعديد من الشخصيات السياسية، وليس أدل على ذلك من البرودة التي اتسم بها التحرك الرسمي في مواجهة التطورات الساخنة في صيدا، كما يتبين من الدعوة الى عقد اجتماع وزاري ــــ أمني اليوم، في حين ان خطورة الاعتداء على الجيش كانت تستوجب تحركا فوريا على كل المستويات لمواكبته ودعمه في مهمة الاقتصاص من قتلة ضباطه وعناصره.
والغريب، ان بعض البيانات والتصريحات التي صدرت عن أطراف سياسية مؤثرة لجأت الى توجيه ضربة على الحافر وضربة على المسمار، فاتسمت بقدر من الالتباس والغموض لا يتناسب مع حجم ما تعرض له الجيش، وكان من النافر في هذا الإطار محاولة المساواة بين الجيش والمعتدين عليه عبر الدعوة الفضفاضة الى وقف إطلاق النار، وكأن المطلوب اعطاء انطباع بوجود طرفين متساويين يتقاتلان، وتجاهل حقيقة ان هناك مجموعات مسلحة غير شرعية اعتدت على الجيش.
وليست فقط هيبة الجيش هي التي تستوجب معالجة جذرية للظاهرة الشاذة في صيدا، بل ان المدينة بحد ذاتها، والمعروفة بعراقتها في المقاومة والعيش المشترك، لم تعد تحتمل تلك «الحمولة الزائدة» التي تثقل كاهلها وتهدد نسيج العلاقات بين مكوناتها، وبالتالي فان عاصمة الجنوب أحوج ما تكون الى الحفاظ على هويتها الأصلية ونفض الغبار عنها.
والأكيد ان صيدا المرادفة للعروبة والتنوع والمقاومة والانفتاح هي أكبر من أن يأسرها أحد في قمقم مشاريعه المشبوهة وهي لا يمكن ان تكون إلا مع الجيش الذي يشبهها في تركيبته وتوجهاتها، ويبقى فقط ان يكف السياسيون شرهم عن الجيش، وأن يتركوه يؤدي مهمته من دون ضغوط او مداخلات لاحتواء رد فعله.
وفي انتظار ان تستعيد عاصمة الجنوب استقرارها، أمضى عدد كبير من سكانها يومهم أمس في الملاجئ والطوابق السفلى، هربا من المعارك التي ألحقت أضرارا فادحة بالممتلكات، فيما حوصر عدد من المواطنين في أماكن تحاصرها الاشتباكات ورصاص القنص، ما دفعهم الى توجيه نداءات استغاثة عبر وسائل الاعلام.
وفي محاولة لتخفيف الضغط على الأسير، دخلت مجموعات مسلحة في مخيم عين الحلوة، وتحديدا من «جند الشام»، على خط اشتباكات صيدا وأطلقت النار على مواقع للجيش في محيط حي التعمير لاستدراجه الى معركة جانبية، ما استدعى تحركا سريعا من فصائل فلسطينية سعيا الى ضبط الوضع في المخيم، رافضة الانزلاق الى أي مواجهة مع الجيش اللبناني.
وبالتزامن، قام شبان متضامنون مع الاسير بقطع العديد من الطرقات في الشمال والبقاع وبيروت وبالاعتداء على مواطنين في منطقة الناعمة.
وفيما قال الرئيس نبيه بري ان الاعتداء على صيدا كان يراد منه اطلاق الفتنة، معتبرا انه لم يعد من الجائز استمرار الوضع على حاله، أجرى كل من الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة اتصالا ببري الذي اكد لهما ان عناصر حركة «أمل» و«حزب الله» لا تشارك في الاشتباكات، برغم كل الاستفزازات.
وشدد النائب وليد جنبلاط على ضرورة أن «ننأى بأنفسنا عن استيراد الفتنة»، لافتا الانتباه الى أن «صيدا يجب أن تكون عاصمة المقاومة كما كانت أيام مصطفى سعد ورفيق الحريري»، ومؤكدا أنه «لا يمكن أن نطلب من الجيش أن يفاوض من قتلوا ضباطه وعناصره».

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...