غزة ضحية صراع الأصوليات

03-01-2009

غزة ضحية صراع الأصوليات

الجمل - أيهم ديب: قد يكون موقف الرئيس المصري حسني مبارك لمراقب نيوتن الخارجي موقفاً خيانياً بامتياز و لكن وفق مراقب دالامبير الداخلي فإن الرجل يقف بقوة ضد المد الأصولي الذي يتوعد مصر بنموذج اسلامي وفق قواعد العصر العباسي . لوهلة قد يبدو الرئيس المصري كأحد قلاع العلمانية المصرية مما قد يخدع شخصاً حاز على ثقة الشارع المصري و العربي بوطنيته و افكاره التحريرية مثل النجم عادل إمام.و لكن هل حقاً يدافع مبارك عن العلمانية؟  كثيرون هم الذين يتخوفون من تمدد الحركات الأصولية و من اختلاطات الوراق اللاعبة في تكوين المشهد السياسي العربي و الأقليمي. و لكن الحقيقة هي غير ما تحاول الفئات المثقفة تسويقه على انه صراع بين العلمانية و الأصولية . و قد يكون هذا التوصيف واحد من اكبر الأخطاء الصحفية في تاريخ القرن العشرين و الذي يجب ان يتم تداركه و تقويمه حتى يستقيم منطق العقل و لا يقع في المطب اللغوي. فقد جرت العادة على استعمال مصطلح الأصولية على الدين و اقتراح مفردات اخرى على المظاهر السياسية و الإجتماعية مثل الفاشية و الشوفينية... في الواقع إن الأصولية كآلية تنظير و تعاطي مع الذات و الآخر تمكن قراءتها في مستويات أبعد و ليس أقل كارثية من الدين. فلدينا الأصولية الثقافية و الأصولية الاقتصادية. فعندما تكون البيئة الإقتصادية غير قادرة على إضافة منتج حقيقي الى لائحة الاستهلاك البشري فإنها تقع في فخ التشابه مع الآخر و بالتالي ان تكون عرضة للمنافسة و التي غالباً قد تتسبب بالخسارة . من هذ النقطة تبدا الممارسات الأصولية الأقتصادية و هنا الحديث عن نموذج الدول العربية : حيث ان عدم قدرة هذه الدول –المستثمر السلبي-  على تقديم او تطوير مضمون اقتصادي حقيقي يجعلها تتكيء على الممارسات الشكلية- الشعائر- و تحاول حماية مصالحها من خلال رفض الموديلات الخلافية و التي تشكل زعزة للمشاريع الأقتصادية شديدة التفاهة. هنا تظهر الممارسات السياسية التي تدعم تمجيد الشكل الاقتصادي و تحويله الى موديل غير قابل للنقاش مسبغة عليه لغة اعلامية و خطاب سياسي يحوله الى تابو. عادة هذه البنى الاقتصادية تكون مملوكة من السياسي نفسه. و لهذا فإن موقف مبارك ليس دفاع عن العلمانية و إنما دفاع عن مصالح طغمة مالية.
من الناحية الثقافية الأمر مشابه تماماً. فاستاذ الجامعة الذي تعرض لضغوط مهينة حتى يمارس منصبه العلمي في الحقيقة تحول الى منظر داجن او مخصي مما يفقده القدرة على الانتاج و الابداع مما يخلق لديه موقفاُ شديد العنف من الطالب (الأكثر شباباً و المنفتح- مازال- على الآخر ) الحر حتى اللحظة من تبعات النضج الاجتماعي و التي هي نفسها اودت بثقافة المعلم. هذا ينساق على الفن و على العلوم الانسانية و التطبيقات الحياتية لها: صحافة و أدب ,,,,
إن ما يتم الدفاع عنه اليوم ليس علمانية المجتمع العربي و ما يتم الدفاع عنه في الضفة المقابلة ليس نصرة الاسلام. إننا كمجتمع نقع في حقل نيران مختلف المعسكرات الأصولية: أصولية سياسية اقتصادية, اصولية دينية , اصولية ثقافية, تختبئ كلها اليوم تحت قبعة العسكري الاسرائلي.
و حيث ان الموديل الاقتصادي لدينا لا يزال وفق بنية اقطاعية فإن التصور السائد هو أن على الجميع ان يتسابق ليقتطع جزءاً من الوطن و لحم المواطن. و هذا يحول العلاقة الاجتماعية الى علاقة ضحيةّ-جلاد . و الشكل الصحي للتفكير الاقتصادي هو التحرر من مفهوم قطعة الكعك باتجاه مفهوم الاقتصاد الانتاجي او الحلزوني و هو النموذج التمددي و هو النموذج الغربي حيث يعمل المجتمع على إضافة حلقات انتاجية جديدة- التطور التقاني و العلمي و الطبي و المعماري..-
إن هذا النموذج يفرض على المجتمع اتحاده و تكافله لأن العمل الجماعي يؤمن مردود اعلى. و لهذ يظهر الفرق جلياً في التأثير على حركة المجتمعات تاريخياً حيث ينكفئ المجتمع العربي على الكعكة و يزداد انقساماً و انطواءاً في حين يحول الشكل الحلزوني المجتمعات الغربية الى مجتمعات توسعية تحاول التمدد خارج المركز. و لهذا ينخدع المستثمرون العرب -الفرحون بنظريات السيطرة على المستهلك و حرب الشركات- بما يخيل لهم أنهم باتوا اقتصاديات معاصرة. في الحقيقة إن البنية الحلزونية للإقتصاد الغربي كما فرضته أمريكا-نموذجاً – سيتكفل بتدفق الخيرات عبر القناة الحلزونية باتجاه المركز. مما يجعل من المستثمر العربي مجرد علقة ملونة. 
إن ما يخيف اسرائيل هو وصول الأصولية الدينية العربية للقرار السياسي لأن هذا سيسبب قطيعة معرفية معها مما قد يؤدي لنتائج كارثية و لكن اسرائيل ستسمح بالاستفادة من وجود الأصوليات الدينية العربية :لتبرير وجودها على المستوى الداخلي الاسرائيلي و العالمي.  مبقية الدول العربية في حال من التشرذم في صراع أصولياتها المتعددة و المتداخلة. و يبقى القرارالنهائي في تشكيل الدولة العربية  المعاصرة للمستثمر الخارجي الذي يملك مفاتيح الانتاج.


للتاريخ :
إن تطور العلم و تزايد تعداد سكان العالم سيفرض على السياسات الدولية المزيد من الطروحات الفاشستية وحيث أن السياسي العربي غير معني إلا بمصلحته الشخصية فإنه يتعاطى مع هذه الحقيقة على اعتبارها حتمية تبرر له سرقة ما يمكن سرقته و الهروب حين تدول الدول. و لهذا فإن وعي الشباب العربي لخطورة ما ينتظرهم يفرض عليهم مراجعة براغماتية لمصالحهم كمجموعة بشرية و ليس كأفراد أو أحزاب أو نوادي .
 
حكمة السلم:
الفلاح الذي يحلب البقرة يداويها عندما تمرض
شعار الحرب :
إن المستثمر الذي يحصد الأموال في فترات السلم عليه ان يدفع فواتير الوطن في الحرب.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...