عيد الأم على شاشة التلفزيون السوري: طوفان الضجر الإعلامي

25-03-2009

عيد الأم على شاشة التلفزيون السوري: طوفان الضجر الإعلامي

لا أدري لماذا تذكرت وأنا أتابع شاشة التلفزيون السوري يوم الحادي والعشرين من شهر آذار (مارس) الجاري، المصادف للاحتفال بعيد الأم العربية، حلقة بعنوان (حملة إعلامية) من مسلسل الفنان دريد لحام (أحلام أبو الهنا) للزميلين الكاتبين حكم البابا وسلمى كركوتلي.
الحلقة المذكورة لا علاقة لها بعيد الأم، أو تضحيات الأم، أو عظمة الأم، بل هي تتحدث عن محاولة بطل المسلسل (أبو الهنا) إبعاد قط منزلي إلى مكان ناءٍ بعد أن كثرت إزعاجاته في المنزل، وأثناء محاولة إخراجه من الكيس، يحاول القط التعلق بأبي الهنا فيدفعه بقدمه كي يتخلص منه... وهنا يلتقط أحد السياح صورة لما يحدث... وتقوم الدنيا ولا تقعد في الإعلام المحلي، عندما تستغل بعض وسائل الإعلام الأجنبية، هذه الصورة للحديث عن سوء معاملة الحيوانات في الدول العربية، فتعلن بريجيت باردو استياءها، ومنظمات الرفق بالحيوان احتجاجها، والإدارة الأمريكية منح القط المضطهد حق اللجوء السياسي، ويتطور الأمر إلى فضيحة عالمية بعنوان: (قط غيت(!
وهنا ينبري الإعلام السوري للرد بحملة إعلامية مضادة، فتظهر مذيعات التلفزيون وهن يحتضن القطط أثناء تقديم البرامج، في أستوديو ملآن بصور ومواء القطط... ويخصص برنامج (التلفزيون والناس) لإجراء مقابلة مع رجل مهووس بتربية القطط، وتحمل الإعلانات التجارية عن أصناف الشامبو والمناديل الورقية أسماء وماركات القطط، ويبدأ الإرسال بأفلام كارتون للقط توم وصديقه اللدود جيري... ويخصص برنامج أرضنا الخضراء لاستضافة مجموعة خبراء في ندوة حول أهمية تربية القطط في الحقول بالنسبة للمزارعين، ويتم اختيار مسلسلات وأفلام تحمل أسماء القطط كمسلسل (القطط السمان) وفيلم (خمارة القط الأسود) المأخوذ بالعنوان نفسه عن رواية لنجيب محفوظ، أو فيلم (قطط شارع الحمراء) ناهيك عن معارض تشكيلية للوحات رسمت للقطط، ونقل خطب من المساجد لأحاديث تحض على الرفق بالحيوان والعناية بالقطط!
تكاد تكون هذه الحلقة، بكل مبالغاتها الكوميدية الكاريكاتورية، أمثولة بليغة تختصر آلية عمل وتفكير التلفزيون السوري في كافة المناسبات... ففي يوم عيد الأم، بدأ التلفزيون منذ الصباح بتخصيص حلقة برنامج (نهار جديد) الصباحي للحديث عن عيد الأم... وفي فترة ما بعد الظهر، عرض لنا فيلما (لا تسألني من أنا) للمطربة المعتزلة شادية، الذي يتحدث عن تضحيات أم تعمل خادمة لإعالة أولادها وللبقاء بجانب ابنتها التي اضطرت لإعطائها لسيدة غنية وعاقر كي تربيها... ثم تلاه برنامج (لكِ) وهو برنامج الاتحاد النسائي، الذي استضاف أسرة فلسطينية للحديث عن صمود الأم التي يستشهد زوجها المقاوم، ثم برنامج (لحن الموسيقى) الذي ظهرت فيه المذيعة لتنقل رسالة مخرجة البرنامج لابنتها في عيد الأم، وهي تحضها على التمسك بكرامتها، ثم لتستقبل اتصالات المشاهدين لتهنئة أمهاتهم بالعيد... فيما خصص برنامج (مجلة التلفزيون) إعلان مسابقته عن عيد الأم أيضاً!
وقد خلت أن الأمر سينتهي عند نشرة الأخبار، لكن التلفزيون السوري بدا مصراً على استكمال احتفاليته المضجرة بلا أي فسحة تنفس، فتابعنا بعد ذلك، سهرة برامجية بعنوان: (أمي الحبيبة) تضمنت لقاءات مع فنانين للحديث عن أمهاتهم وزيارة لدار المسنين لتصوير أمهات مسنات عيونهم ملأى بالرضا والدموع، ثم تمثيلية تلفزيونية بعنوان: (حق الميزان) محورها الأم أيضاً، ثم برنامج (غدا نلتقي) الذي اجتر مقاطع وأغنيات من مسلسلات وأفلام وتمثيليات عن الأم، ولقاءات أرشيفية قديمة تحدث فيها الفنانون عن أمهاتهم... ناهيك عن بث أغنيات عن الأم بين البرامج، وبث شهادات سريعة وموجزة لبعض الفنانين الذين يقدمون تهنئتهم بعيد الأم!
وهكذا شن التلفزيون السوري بقنواته المختلفة، حملة مبرمجة لإجبار المشاهد على الاحتفال بعيد الأم في كل حركاته وسكناته، ولتذكير من ينعمون بدفء أمهاتهم أو من حرموا من حنانهن، بأن هذا اليوم الحادي والعشرين من آذار (مارس) هو يوم الاحتفال بعيد الأم، وهو اليوم الذي علينا أن نجتر فيه كل عبارات التهنئة، وكل الأحاديث المكرورة المعادة، والتمثيليات القديمة والحديثة، والأفلام والأغنيات وأكاذيب الفنانين واستعراضاتهم، من أجل استعراض وقائع هذا العيد المتلفز حتى الثمالة!
لم يستطع التلفزيون السوري، رغم كل النقد القاسي الذي يتعرض له منذ سنوات، أن يتجاوز هذه العقلية الإعلامية التلقينية، التي تجعل من أي مناسبة يحبها المشاهد أو لا يحبها، طوفاناً جارفاً على الشاشة، يكرر ويجتر ويعيد ويزيد، بلا أي ذائقة برامجية، أو رؤية إعلامية تدرك وتعي تأثير المواد المتشابهة على المتلقي، وحجم استيعاب المتلقي لهذا التشابه وحدوده!
طبعاً ليس مطلوباً من التلفزيون السوري أن يتجاهل عيد الأم، أو يتقاعس في إبراز أثره الاجتماعي، وخصوصاً أن هذا العيد الذي غدا منذ سنوات يوم عطلة رسمية في سورية، وهو يفرض نفسه على الأسواق وحركة البيع والشراء، بل وعلى حركة الناس والوجه الاحتفالي للمجتمع بكافة فئاته، لكن المطلوب فقط هو شيء من التوازن، وشيء من الانتقائية المدروسة، وشيء من الاقتداء بالمحطات التلفزيونية المحترمة، التي تحتفل بعيد الأم، لكنها لا تدفع الناس للضجر منه، والتبرؤ من أمهاتهم إذا كان الأمر بر الأمهات في عيدهن سيرتبط بمشاهدة التلفزيون السوري في ذلك اليوم حصراً!!

الغضب الإسرائيلي: دروس تؤخذ!

الغضب الإسرائيلي من بعض المظاهر الاحتفالية التي قام بها أفراد وجهات أهلية للمشاركة في إعلان القدس عاصمة للثقافة العربية العام 2009، أكد لنا أهمية النشاط الثقافي في دعم أي حق تاريخي أو معركة سياسية كالمعركة التي تتعرض لها القدس في حملات التهويد وتغيير الهوية!
أعتقد أن الخبر الذي نقلته شاشات المحطات الفضائية يستحق أن يكون درساً.... فبما أن الكثير من أنظمتنا وحكامنا لا يصدقون اليوم شيئاً في العالم كما يصدقون إسرائيل، لأنها إن خططت نفذت، وإن هددت قتلت ودمرت، وإن أصرت على تكريس أمر واقع صادق العالم على ما كرست... نتمنى أن يصدقوا أن دعم العمل الثقافي هو فعل مقاومة، وهو ضرورة ملحة للحاضر والمستقبل، وهو جزء من معركة مصير، وليس فذلكة أو حالة استعراض وتباهٍ كما يصرون أن يروا الثقافة حقاً!

'الشريعة والحياة': برنامج ديني بأفق أوسع!

خصص برنامج (الشريعة والحياة) على قناة (الجزيرة) لهذا الأسبوع، حلقته لمناقشة موضوع: (اللغة العربية وتحديات اليوم) من خلال مناقشة ثقافية وتاريخية وعلميه ثم فقهية مع الدكتور يوسف القرضاوي حول فضل اللغة العربية وأهمية تكريسها، واعتمادها كلغة أولى في البلدان العربية والإسلامية، في زمن يتراجع دور هذه اللغة واحترام أبنائها لها، وخصوصاً في دول الخليج العربي التي تفقد هويتها اللغوية والحضارية شيئاً فشيئاً، أمام حمى الاستهلاك المدفوع بهاجس اللهاث نحو مجاراة عالمية شكلية وجوفاء!
الدكتور القرضاوي أشار إلى دور الإعلام في دعم اللغة العربية، وهاجم دعوات اعتماد اللهجات العامية في الإعلام، وأبرز عمل مجامع اللغة العربية العريقة في بعض البلدان العربية كمصر وسورية، وسخر مما كان ينشر عنها من إشاعات مغرضة بهدف إظهارها بمظهر الجامد والمتحجر، كالقول بأن مجمع اللغة العربية، عرّب (السندويش) بـ (الشاطر والمشطور والكامخ بينهما)!
برنامج (الشريعة والحياة) يحقق ما كنا ننادي به دوماً في هذه الزاوية، بضرورة اهتمام البرامج الدينية بشؤون الدين والدنيا معاً، وبتحولها إلى منبر ثقافي في قضايا الحياة كلها، وبكل ما يتصل بالشريعة من علوم وقضايا حياتية ومعاصرة... وهذه الحلقة خير مثال على الموضوعات التي تحتاج البرامج الدينية أن تهتم بها كي تجدد خطابها ورسائلها.

محمد منصور

المصدر: القدس العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...