علماء ومفكرون إسلاميون يرحبون بالاعتذار عن الحروب الصليبية

28-11-2007

علماء ومفكرون إسلاميون يرحبون بالاعتذار عن الحروب الصليبية

أشاد علماء ومفكرون اسلاميون بمبادرة عدد كبير من رجال الدين المسيحي وموافقتهم على إجراء الحوار مع الجانب الإسلامي، واعتذارهم للمسلمين عن سنوات الحروب الصليبية ضدهم، وقالوا في الوقت نفسه إن هناك أسسا يجب مراعاتها والأخذ بها حتى يكون حوارا بنّاء ويخدم الإنسانية كلها.

ورحب وكيل الأزهر ورئيس لجنة الحوار الشيخ عمر الديب بالمبادرة،وقال إن موقف الأزهر وشيخه برفض الدعوة لزيارة الفاتيكان التي وجهها له البابا قبل أشهر، وكذا وقف كل لقاءات الحوار من جانب الأزهر، أتت ثمارها بهذه الاستجابة من رجال دين مسيحيين لنداء العقل والحكمة والسلام العالمي.

وأضاف ان الحوار مع الآخرين لا يعني إقناع طرف بأن يترك عقيدته ويعتنق عقيدة الطرف الآخر، بل يجب أن يكون في الأساس الحوار بين الأديان هو التعاون بين أتباع الديانات المختلفة، واحترام كل طرف للآخر في أن يعتنق الدين الذي يريد، وقد أوضح ديننا الحنيف ذلك المفهوم في أكثر من موضع في كتاب الله الكريم حيث يقول الله عز وجل: “لا إكراه في الدين” ويقول أيضا: “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، وأوضح الديب أن من أولويّات الحوار مع الآخر أن نشرح له مبادئ الإسلام السمحة، ونبين له أن الإسلام إنما يعني السلام ونبذ العنف والتطرف والقتل والتدمير، فالله تعالى سمّى نفسه “السلام” وتحية المسلمين في ما بينهم هي “السلام”، بل إن تحية أهل الجنة كذلك هي “السلام”. ودورنا الآن هو أن نوضح للطرف الآخر، أن الإسلام دعوة إلى الإصلاح والحياة السعيدة لجميع بني البشر، حتى انه جعل القتل بغير سبب قتلاً للناس جميعا، فيقول تعالى في كتابه الكريم: “من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.

وشدد وكيل الأزهر على وجوب احترام الطرف الآخر للإسلام عقيدة وشريعة، واحترام نبيه صلى الله عليه وسلم وأتباع الدين الإسلامي، وإلا فلن يكون هذا الحوار مجديا وقد يكون  والكلام للديب  سببا في إحداث تأثيرات سلبية تضر بالعلاقات بين البشر.

ورحب وكيل الأزهر السابق ورئيس لجنة الحوار في الأزهر الشريف سابقا الشيخ فوزي الزفزاف بما انتهى إليه حكماء رجال الدين المسيحي في هذه الاستجابة الطيبة التي تبعث على الأمل، خصوصاً بعد أن أيقنت الشعوب أن الحروب والصراعات لن تحل المشكلات، لأن الحروب لا تنتج إلا الحقد والكراهية وتدعو إلى الأخذ بالثأر، وهذا يعيدنا إلى ساحة الصراع والقتال، ونستمر في هذه الدوامة، وقال: “نحيي هذا التوجه إلى الحوار الذي هو لغة الإسلام، وهو الذي بدأ منذ عهد النبوة، حين استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفدا من نصارى نجران وحاورهم، فالحوار إذن قديم قدم الإسلام، وليس كما يظن بعضهم أنه بدأ في القرن العشرين”.

وأوضح الرئيس السابق لجامعة الأزهر رئيس اللجنة الدينية في مجلس الشعب (البرلمان) المصري الدكتور أحمد عمر هاشم أن هذه الاستجابة بادرة طيبة من رجال الدين المسيحي، وإن تأخرت قرونا، لكن عفا الله عما سلف، ومن الأخلاق الرئيسية التي يدعو إليها الإسلام والمسيحية التسامح والصفح عمن ظلم، والدعاء لله بأن يهدي الظالمين، فضلا عن أن آية كريمة تحسم الخلاف في عداوات الماضي “ولا تزر وازرة وزر أخرى”، ولابد من استغلال روح التسامح في دعوة البشرية إلى السلام ونبذ العنف بكل صوره، والتصدي للظالمين والاحترام المتبادل للمقدسات والعقائد وإدانة أي تطاول عليها، أو على الرسل الذين أرسلهم الله لهداية البشرية، وقد وصف الله رسوله “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.

 ويرى هاشم أنه سيكون من الأفضل لو تمت ترجمة ذلك إلى مواثيق، تجعل من القادة الدينيين في الإسلام والمسيحية يدا واحدة، في مواجهة أي تطاول على الأديان باسم حرية الرأي والتعبير، التي يتشدق بها الغربيون كلما أساؤوا إلى الإسلام.

ويؤكد المفكر الإسلامي عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد عمارة أنه لا مشكلة بين الإسلام والمسيحية، فمنظومة القيم في الإسلام لا تختلف عنها في المسيحية، وأضاف: نريد فقط، وحتى ينجح الحوار في ما بيننا، أن نقف جميعا وتقف جميع الكنائس في الدنيا مع القضايا العادلة ضد جنون من يحلمون بالاستيلاء على ثروات العالم، والذين يسخرون ما يسمى بالمسيحية الصهيونية في هذا المشروع المجنون”.

ويوضح أن علينا أن نؤسس لفقه التعارف والتحاور بتلك الرؤية الكونية، التي تجعل التنوع سنة من سنن الله سبحانه وتعالى “ولا يزالون مختلفين”، من خلال “ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”، وهذا في الرؤية الإسلامية لم يكن مجرد فكر نظري، وإنما وضع في التطبيق في أول احتكاك بين الدولة الإسلامية واليهود في دولة المدينة، فكانوا جزءا من الرعية داخل الدولة، فأصبحت رعية الدولة متعددة الديانات، وكذا في أول احتكاك بين الدولة الإسلامية والنصارى في عهد رسول الله مع نصارى نجران يؤسس لهذا التنوع.

ويرى عمارة أنه إذا كانت هناك تحديات نواجهها، فيجب مواجهتها بالحوار والتعارف والتعايش والاحترام المتبادل، فنحن في الإسلام نصلي ونسلم على كل أنبياء الله ورسله، ونعترف بكل الكتب السماوية، ونقول إن التوراة فيها هدى ونور، وأن الإنجيل فيه هدى ونور، ونصلي ونسلم على عيسى وأمه وموسى وأمه..”، وهذه هي الصورة الإسلامية التي لا توجد عند الطرف الآخر للأسف الشديد، وهذه هي المشكلة الرئيسية من مشكلات الحوار في واقعنا الذي نعيشه.

ويقول أستاذ الشريعة وعضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد الشحات الجندي إن استجابة رجال الدين المسيحي ورسالتهم تلك والدعوة للتحاور مع المسلمين كانت مهمة جدا، خصوصاً في هذا العصر الذي يموج بالصراعات والحروب التي تكاد تدمر البشرية بأكملها، ويضيف أنه إذا كان الوضع العربي والإسلامي اليوم مخزيا ومحزنا ويدعو إلى الأسى، وإن كان بعضهم يشكك ويرفض الحوار فنحن نتساءل: إن لم يكن الحوار فما البديل؟! فالقضية حوار أم صراع.. وهل نحن مستعدون للصراع؟ ويشدد الجندي على أن الحوار أمر ضروري وهو من مبادئ الإسلام وشريعته التي تقوم على التعايش وعدم التصارع، والآيات القرآنية كلها ترسم صور وأساليب الحوار بين الأنبياء وأتباعهم، وحتى بين البشر والخالق سبحانه وتعالى.. فالحوار معلم ثابت من معالم الإسلام، لكن هذا الحوار يجب أن يتم على أسس ثابتة وركائز قوية، منها الاحترام المتبادل وعدم فرض وجهة النظر على الطرف الآخر بالقوة، أو تسفيه معتقداته، ونحن المسلمين والحمد لله نؤمن بالآخر، حتى إن إيمان المسلم لا يكتمل إلا إذا آمن بالرسالات السابقة جميعا.

ويثمن المؤرخ الإسلامي الدكتور عبد الحليم عويس الاعتراف المسيحي بأخطاء الحروب الصليبية، ويعتبره بداية لفتح صفحة جديدة من الحوار بين أتباع ديانتين سماويتين، يعيش أغلب أتباعهما معا في دول العالم، ولا شك أن تنقية النفوس من الأحقاد التاريخية بداية صحيحة للحوار الجاد الهادف، وهو ما يكشف النوايا الحقيقية لكل طرف، حيث تتم ترجمة الأقوال المعسولة إلى أفعال مفيدة، تستفيد منها البشرية جمعاء، وليس المسلمون والمسيحيون فقط.

ودعا عويس إلى اتخاذ خطوات أكثر ايجابية، من مجرد الكلمات إلى تشكيل لجان مشتركة من الطرفين، لتنفيذ توصيات سابقة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو بضرورة تصحيح الأخطاء الموجودة في مناهج التاريخ في المدارس والجامعات في العالم، لتكون أكثر إنصافا ودعوة إلى الحب والتعايش السلمي بين البشر جميعا، لمواجهة دعاة صراع الأديان والحضارات، الذين يريدون أن يشعلوها حروباً تحت نبوءات وأكاذيب تنسب ظلما إلى الأديان، مع أنها جميعا تدعو إلى الحب والسلام بين البشر.

وأعرب الدكتور عبد الصبور شاهين عن إعجابه بمبادرة رجال الدين المسيحي الذين لم ينتظروا رد الفاتيكان الذي تأخر كثيرًا على الرغم من أن الإساءة الأخيرة من بابا الفاتيكان كانت مدعاة لأن يبادر بتلبية دعوة علماء الإسلام للحوار، مع ذلك فنحن مع الحوار الجاد، بشرط أن تكون لذلك آثار ايجابية على ارض الواقع إذا كانت النوايا صادقة وليست مجرد “فرقعة إعلامية”، وخصوصاً أن عشرات اللقاءات عقدت في الحوار الديني ولم نجد لها تأثيرات في التصدي للظالمين، الذين يعيثون فسادا في ارض الإسلام.

مصطفى ياسين- جمال اسماعيل

المصدر: الخليج

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...