عاصفة تصاريح إلغاء قرض العقاري تذهب بأحلام الشباب

12-11-2006

عاصفة تصاريح إلغاء قرض العقاري تذهب بأحلام الشباب

الجمل ـ حسان عمر القالش:  آلة حاسبة..هذا ما يجب أن يكونه مخ الشعب السوري, ليس كي يتسنّى له – لا سمح الله والحكومة – عدّ نقوده وحساب أرباحه, بل كي يكون ذهنه حاضرا دائما وأبدا, صبحا مساء, صيفا وشتاء, فيحسب ويحسب,الى جانب المصاريف وفواتير العيش, مبالغ التقسيط الأسبوعية والشهرية ومبالغ الفوائد التي سيدفعها في القروض التي "سحبها" والتي يفكر بسحبها.
( حيدر.ع 29سنة) شاب من طرطوس, قرر شراء منزل له عن طريق الاقتراض من الدولة ممثلة بمصرفها العقاري (قرض شراءالسكن), في حينها و"الحكي قبل أشهر قليلة" وبعد أن اختار بيته السعيد واتفق مع "المتعهد" على شرائه, كان في باله وضمن مخططاته القرض الذي سيحصل عليه, لكن وفجأة "تمرّق جرائدنا الرسمية" خبر مقتضب من هنا وآخر مجتزأ من هناك, ساعة عن ايقاف القروض العقارية! وساعة.. نفي هذا التوقف عن منح القروض! وساعة أخرى عن "تغيير" آلية القروض.
مثلا: المصارف "لم" تتوقف عن منح القروض (الثورة 10-11-2005),  العقاري "يعاود" منح القروض بداية العام القادم (الثورة 18-12-2005).
 في النهاية قرر المعنيون بأمورنا الاقتصادية والعاملون على رفع مستوانا المالي أن يتم منح قرض السكن بحسب الوديعة أو "الادخار المسبق" حسب تعبير مصرفيينا.
وبما أن مبلغ القرض أساسا لا يغطّي تكلفة شراء السكن, فقد درجت العادة عند الشراء من المتعهدين أن يدفع المشتري مبلغا معينا شهريا أو عند "الصبّة" أي كلما اكتمل بناء طابق من البناية, الى حين يأتي موعد قبض القرض فيوفيّ "بقيّة" ثمن المنزل. اذا.. المحصلة أنه اذا وافق المصرف على منحك القرض يجب ألا تستريح وتستكين بل أن تؤمّن مبالغ اضافية. هذا قبل "الوديعة".. صديقتنا غير الوديعة على الاطلاق.
وبوجود الوديعة صار واجب عليك أن تؤمن مالا اضافيا غير الذي تحدثنا عنه بالأعلى, فماذا يفعل حيدر وجيل الشباب "الطويل العريض" الحالم بمنزله المستقل المستقر؟ ما يضحك ويبكي هو أن السيد مدير المصرف العقاري ((اعتبر)) هذه الحالة, أي حالة حيدر وجيله بأنها ((تخلق حالة ادخار لدى المواطن السوري – الشرق الأوسط 20 -10-2006)) وما زلنا حتى الساعة لم نفهم معنى هذه النظرية!
بعجالة,وخوفا من أن تصرف النقود التي في اليد, سارع حيدر بعد أن أمّن مبلغ 500 ألف الى العقاري وأودعها فيه كـ"وديعة", لكنه ونتيجة للقرارات والتعليمات التي تتغير من فترة "قصيرة" الى أخرى, أضف اليها كلام الناس والاشاعات,عاش أسير القلق والشك, فقرر الذهاب الى فرع العقاري في طرطوس ليستفسر ويطمئن قلبه, وذهبنا معه على ألا نعرّف عن نفسنا هناك بأننا "صحافة".
دخلنا المصرف واتجهنا الى أحد الأقسام , بصوت خفيض ولغة مهذبة توجه حيدر للموظف: هل يمكنكم أن تعطوني "ضمانات" على أن المبلغ الذي أودعته عندكم قبل 17 يوما ستطبق عليه القرارات التي على أساسها تم الايداع؟ ..الا أنه اضطر لاعادة السؤال مرارا وبصياغات مختلفة لأن الموظف امتقع وجهه وأخذ يقاطعه بين الكلمة والأخرى مرددا أن كلام حيدر "استفزازي"! وقال : (أعرف أنك لاتقصد لكن كلامك استفزازي ولم نعتد أن يسألنا أحد هذا النوع من الأسئلة), فقال حيدر:( ألا يحق لي أن أطّلع على "التعليمات والقوانين التي تشمل وديعتي على الأقل؟), فرد الموظف: ( حتى "الأمن" لا يحق له أن يطلب منا ذلك..أنظر الى "اضبارة" المعاملة التي في يدي, رقمها 40973 وأنت الرقم "1" الذي يسأل هذا السؤال!!). ومن هنا لفت هذا المشهد أنظار وأسماع بقية الموظفين الذين بانت على وجوههم ملامح التفاعل لصالح زميلهم و نضحت من عيونهم نظرات "تواطؤ" يعرف جميعنا في أي مصلحة يصب.
وتدخل بعضهم متظاهرا بالحلاسة والملاسة فالمشهد بشكل عام بدا "جريئا" بالنسبة لنا و"مريبا" بالنسبة لهم أي كيف انشقت الأرض  واخرجت هكذا مواطن وقح وحشري يريد أن يعرف أين تذهب دجاجات الحكومة بالبيض الذي تبيضه وما يغيظ فيه كلامه المؤدب. حتى أن أحدهم تدخل هو الآخر لكن لم يحافظ على رباطة جأشه فكان احترامه المصطنع لنا قد ذهب أدراج رياح انفعاله واستهجانه أسئلة وجدها ليست من حق هذا المواطن, فكان أن تدخلنا دون التعريف بنفسنا وقلنا للموظف الأول:( الموضوع بسيط ولا يحتاج لأن يستفزك و"تزعج حالك" أولا وبما أنكم "مصرف" أي بنك وبغض النظر عن كونكم تتبعون للدولة الا أن هذا الشاب هو بحكم "عميل" عند المصرف ويحق له الاطلاع على تعليماته التي تشمله, و"التعامل المصرفي" صار "علم" يدرس بالجامعات, وثانيا لا تستغرب وجود أشخاص مثله يريدون أن "يتنـوّروا" ويعرفوا حقوقهـم فالناس بدأت تعبر عن وعيها).
في ظروف قلّة الحيلة, وخواء جيوب الناس الغفيرة, وأياديهم القصيرة, صار القرض جزءا هاما من الحياة في بلادنا, وما حدث مع حيدر يحدث كل يوم مع أقرانه من الشباب وطبقة الشعب "الفتـيّة" والمنتجة, من حيرة وسياسات اقتصادية زئبقية وتضليل اعلامي, وسينبري البعض بالدفاع "هنا" عما يحدث من لغط وتعقيد للأمور ومماطلة بالقول بأن المصرف يعاني من قلّة في مدخراته بينما يقولون في أحد تصاريحهم الصحفية: (..أن التعديلات المرتقبة على عملية منح القروض – اعتماد الوديعة -  تأتي في إطار أهداف المصرف "زيادة" الادخار و"تخفيف" الطلب المتزايد على القروض..16-2-2006 تشرين).
بينما تقوم مصارف أخرى من مصارف الدولة بمنح القروض يمنة ويسرة وبكل ممنونية وتيسير و"بعشرات" الملايين للتجار ورجال الأعمال, وبدون "وديعة" أو ادخار مسبق, يكفي فقط أن "يرهنوا" عقار من عقاراتهم "المليونية" القيمة ليحصلوا على قرض يعادل "75%" من قيمة هذا العقار, وبالتالي يوسعها الله مع الطبقة الموسرة الثرية بمزيد من الثروات والأرباح, وأيضا تتوسع طبقة السواد الأعظم من الناس ( ما اسمها؟), ونظهر بمظهر الدول التي تساعد أبناءها .. التجار, ونستحق أن نعقد المؤتمرات الدولية المصرفية في بلادنا بعد أن نقترض من شبابنا فتوّتهم وحماستهم...هذه هي بالفعل سياسة "السَّوق" الاجتماعي. بتسكين الواو.
 فهلاّ دققوا قليلا في التصاريح والخبريات الصحافية الرسمية كرمى لعيون الشعب وحسن استخدام الآلات الحاسبة.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...