سعد الحريري- جنبلاط على طريق إليوت ابراهام وزياد عبد النور

17-08-2006

سعد الحريري- جنبلاط على طريق إليوت ابراهام وزياد عبد النور

الجمل: في منتصف تسعينيات القرن الماضي، قام بنيامين نتانياهو بتكليف ريتشارد بيرل وآخرين من مجموعة المحافظين الجدد، بإعداد دراسة استراتيجية، توضح للإسرائيليين الطريقة المثلى للـ(تملص) من كل الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها مع العرب بما في ذلك اتفاقيات كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة..
تم إعداد الدراسة بوساطة مجموعة معهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية وقدمت في حزيران عام 1996، وحوت الدراسة على المفاصل الرئيسة الآتية:
• التخلي عن مبدأ الأرض مقابل السلام، وانتهاج مبدأ السلام مقابل السلام على أساس اعتبارات السلام عبر القوة.
• تأمين الحدود الشمالية.
• التحرك والانتقال باتجاه استراتيجية توازن القوى التقليدية.
•  تغيير طبيعة العلاقات مع الفلسطينيين.
• استحداث وصياغة علاقة أمريكية- إسرائيلية جديدة.
هذا والنتيجة الرئيسة التي خرجت بها الدراسة تتمثل في ضرورة أن تتخلى و(تتملص) إسرائيل من كل اتفاقياتها مع الأطراف العربية، وأن تتبنى استراتيجية الـ(استباق) بشكل شامل يغطي كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسة والعسكرية.. وأن تتخلى نهائياً عن مبدأ الـ(عقاب) في إدارة الحرب مع العرب.. لأن ذلك وحده هو الذي سوف يعطي إسرائيل القدرة على إعادة تشكيل البنية الاقتصادية.
بمراجعة المفاصل الأساسية، نلاحظ أن الأداء السلوكي الإسرائيلي كان يمضي تماماً وفقاً لمخطط هذه الدراسة، ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي:
• تنكرت إسرائيل بالكامل لاتفاقية أوسلو التي وضعت بنفسها بنودها إلى الحد الذي جعل  إسرائيل تقوم بقصف مباني السلطة الفلسطينية التي قامت بتمويلها وإنشائها وتقوم باعتقال وقتل عناصر السلطة الفلسطينية الذين قامت بدعمهم وتسليحهم.
• طبقت إسرائيل مبدأ الـ(استباق) في علاقتها مع الولايات المتحدة، وذلك بحيث يصدر الكونغرس (مجلس النواب والشيوخ الأمريكيين) القرارات التي تؤمن المطالب والاحتياجات الإسرائيلية.. وذلك قبل أن تقوم إسرائيل بمطالبة الحكومة الأمريكية بها.
• قامت إسرائيل بتغيير طبيعة علاقتها مع الفلسطينيين، على أساس اعتبارات أن جمعيهم إرهابيون، وانهم ليسوا جادين في عملية السلام، وبالتالي سوف تسعى إسرائيل وحدها من أجل السلام، مادام أنه لا يوجد أي طرف فلسطيني يصلح كـ(شريك) في عملية السلام يمكن الركون إليه والوثوق به، وإعطاءه الأرض مقابل السلام، ومن ثم ليس أمام إسرائيل سوى طريق واحد: أن تستخدم القوة من أجل الحصول على السلام، وعندما تحصل عليه يمكنها أن تعطي السلام للآخرين.
أما فيما يتعلق بـ(عملية تأمين) الحدود الشمالية، فقد كان المخطط الإسرائيلي موسعاً بقدر كبير.. وهو يتجاوز (مصطلح الحدود الشمالية)، إلى مصطلح أوسع يتطابق بمقتضاه مصطلح الحدود الشمالية مع مصطلح المنطقة الحدودية الشمالية، والتي تشمل لبنان وسورية.
بدأ المخطط عملياً وميدانياً من نقطة قد تبدو بعيدة جغرافياً، فقد تم تأسيس اللجنة الأمريكية لتحرير لبنان، ومنتدى الشرق الأوسط، ومنطقة الدفاع عن الديمقراطية، وذلك ليضم نخبة من أعضاء اللوبي الإسرائيلي، وصقور المحافظين الجدد، وقد تم وضع اللبناني زياد عبد النور في الواجهة من قبيل الديكور، وتضليل الرأي العام العربي، وكان ذلك بمثابة المحطة الأولى.
المحطة الثانية للمخطط الإسرائيلي كانت مؤتمر المانحين بباريس، والذي تم فيه إيهام القادة اللبنانيين بأن أموال العالم الغربي سوف تنهمر على لبنان،وكما يقول المثل الشهير (المؤمن صديق)، فقد صدق الزعماء اللبنانيين بـ(البشارة) التي حملها مؤتمر المانحين بباريس.
المحطة الثالثة تمثلت بتطبيق شروط المانحين.. وذلك حتى تبدأ التدفقات المالية وأمطار الدولار واليورو انهمارها،، وأمام إغراء المال الغربي الذي كان يقابله من الجهة الأخرى عطش الـ(نخب) السياسية اللبنانية، خاصة وأن تفاقم معدلات الدين العام اللبناني كانت بلغت آنذاك حوالي ثلاثة مليارات قد جعلت كل كيلومتر مربع من مساحة لبنان مديناً بحوالي 300ألف دولار، وكل مواطن لبناني مديناً بحوالي 3 آلاف دولار.
كانت الشروط الإسرائيلية –عفواً نقصد شروط المانحين- تتمثل في إخراج القوات السورية، ونزع سلاح حزب الله.
المحطة الرابعة بدأت بعملية الاغتيالات والتي قام بها الموساد –ولا ندري إن كان ذلك تحت علم وسمع وبصر المانحين أم من وراء ظهورهم- وذلك لتحفيز الرأي العام، والذي كان المخطط الأمريكي- الإسرائيلي قد أكمل كل تجهيزات تعبئته.
المحطة الخامسة: صدر القرار الدولي، وخرجت سورية، ولما كان المخطط الإسرائيلي- الأمريكي يعتمد على استراتيجية استباقية بدلاً من العقاب والقصاص، كان من الطبيعي ألا يهدف القرار 1559 إلى إخراج سورية من لنبان. كإجراء عقابي لسورية، وإنما هدف إلى إجراء (استباقي) يهدف إلى تأمين (حدود إسرائيل الشمالية)’ وذلك عندما أشار القرار إلى عملية (نزع سلاح الميليشيات)، والمقصود بالطبع هنا هو حزب الله، وليس مليشيات الكتائب أو القوات اللبنانية التي تكللت جهود (المانحين) بالنجاح في إطلاق سراح زعميها وقائدها الـ(مدان) قضائياً بالقتل العمد سمير جعجع، وذلك عندما وافق (النواب) اللبنانيون على منحه العفو العام، أملاً في أن يؤدي ذلك إلى وصول (أموال المانحين) التي طال ظمأهم وانتظارهم لها.
المحطة السادسة: بدأت بالمحقق ميليس، والذي انتهت مهمته بفضيحة أخجلت كل نقابات القضاء والمحامين وكليات القانون في ألمانيا، بشكل جعل بعضهم يطالب بسحب ترخيص ديتليف ميليس من مزاولة الأنشطة القانونية في ألمانيا.
وبفشل مهمة ميليس، ويأس اللبنانيين من قدوم خير (المانحين)، لم يكن أمام الثنائي سعد الحريري- جنبلاط سوى المزيد من الحديث وإطلاق التصريحات، وذلك وفقاً لأطروحات نظرية المؤامرة، التي تضمنتها الخطة الإسرائيلية.
العداء لسورية والسوريين هو التجارة الرابحة، أمام هذا الثنائي، وذلك من أجل الحصول على الدعم الأمريكي، والبحث عن دور في الساحة السياسية اللبنانية.
آخر المحطات كان العدوان الإسرائيلي ضد لبنان، وبمجرد أن وقع العدوان، كان الجميع يتوقعون أن سعد الحريري (زعيم الأغلبية) سوف يكون أول الواقفين في خطوط وقف إطلاق النار الأمامية ضد إسرائيل، ويقف معه جنبلاط، الذي ظل يتشدق في كل أجهزة الإعلام عن مدى حبه ووفائه لأرض لبنان.. ولكن، خرج الحريري ولم يترك عاصمة إلا وذهب إليها، ولم يعد إلا بعد أن قام رجال حزب الله بصد العدوان الإسرائيلي وإذلال الترسانة العسكرية الأمريكية- الإسرائيلية، وعادت الكهرباء إلى لبنان، وخرج الزعيمان، يتحدثان عن الـ(نصر) والـ(انتصار)، والبحث عن دور جديد يخدم المخطط السياسي الأمريكي، وذلك باللجوء لنفس الاستثمار القديم، الهجوم على سورية، والتلميح بضرورة نزع سلاح حزب الله، وذلك على النحو الذي يجعل لبنان عارياً تماماً أمام اغتصاب القوات الإسرائيلية القادم، من أجل تأمين الحدود الشمالية.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...