دوريس ليسينغ الحادي عشر من أنوثة نوبل

26-11-2007

دوريس ليسينغ الحادي عشر من أنوثة نوبل

أول شيء فعلته لدى سماعي باسمها كفائزة بجائزة نوبل الحادية عشرة بين النساء , جلست أمام شاشة الكومبيوتر وفتحت ( الانترنت) وكتبت اسمها باللغة الانكليزية وضغطت :ابحث في الصور .

لم أتفاجأ بصور هذه الكاتبة ( المغمورة عربياً )والمشهورة طبعاً عالمياً . فلا يذكر غير عمل واحد مترجم لها صادر منذ عدة سنوات عن دار الهلال -القاهرة .‏

رغم أن مؤلفاتها تجاوزت الخمسين ورغم كل ماكتب عنها في الصحافة العربية فور إعلان اسمها كفائزة بنوبل الآداب 2007 يصعب أن تحظى برؤية صورة لها وهي شابة لهذا نبشت صورها العتيقة . لآخذ فكرة عن ملامحها الحقيقية التي لايمكن أن نراها بحق إلا في شبابها . وكما توقعت :‏

وجه يلمح فيه التمرد الذي كان من خصالها المتعددة , وإرادتها القوية ومناوأتها للقدر بطريقة فعالة وذكية . هنالك عدة صور لها برفقة القطط ويبدو أن ميزة حب القطط أمر يكاد يكون قاسماً مشتركاً , بين أدباء كثر أذكر منهم :‏

همنغواي , ساغان . مالرو ...‏

يكفي أن نقرأ قليلاً عن حياتها حتى نفهم لماذا كان أول شيء قالته لدى سماعها بنبأ فوزها بنوبل ( إنهم لايحبونني , وإلا لفزت بالجائزة منذ وقت طويل )‏

دوريس ليسينغ الأديبة الانكليزية المولودة في 22 تشرين أول 1919 في كرمان شاه - بإيران والتي ترعرعت في افريقيا في زيمبابوي ( روديسياسابقاً) وذلك بحكم عمل والدها . وحين وصلت بريطانيا أخيراً كانت شابة في الثلاثين تحمل معها مخطوطة عملها الأول ( العشب يغني).‏

طفولتهاكانت من الصعوبة بحيث خصتها بكتاب كان عنوانه ( جرح يمشي على قدمين ).‏

لها نحو خمسين مؤلفاً , واظبت على الكتابة رغم اقترابها من التسعين , لم تتمكن الشيخوخة من ذهنها المتوقد وألمعيتها التي التصقت بها عبر كل مراحل حياتها . تعيش في شقة متواضعة شمال لندن تطل على المقبرة التي دفن فيها فرويد , شغوفة بالحياة لهذا تميزت حياتها بالثراء والتلون ( فقر ,حرمان ,حب ,نجاح ,فشل).‏

رغم انها مؤخراً قبيل استلامها للجائزة كانت قد رفضت الترويج لروايتها الأخيرة ( الشق ) وفضلت البقاء مطمئنة بين قططها , ما زالت تنتقد كل مالايعجبها , تنتقد بلير أو كيسنجر أو السياسة الفرنسية وكل ما يعنيها أن تقول كلمتها , وتمسكها بقناعاتها ظهر بمناسبات عدة لعل أشهرها حين رفضت عرض الملكة يوم أرادت أن تنمحها لقب سيدة الامبراطورية البريطانية . ردت ليسينغ يوم ذلك بأن : (الامبراطورية لم تعد موجودة ) في أيلول الفائت أجرت معها الكاتبة الفرنسية جوزيان سافينيو آخر حوار معها . قبل أن تصبح من أدباء نوبل وصفتها سافينيو بأنها لايمكن أن تكون منضبطة سياسياً إنها تهاجم بلا هوادة ( أولئك الذين تعوزهم الصلابة والعقائد وأولئك الذين يبقون الاكثر غباء).دوريس المتمردة التي هربت من المدرسة وهي في سن الثالثة عشرة وغادرت البيت في سن السادسة عشرة , ثم غرقت في أوروبا ,الستينات والسبعينات عاشت انتماءها الشيوعي ثم انشقاقها عنه , عرفت الحرية وعاصرت زمن صعود الأيديولوجيات وانتهاء الهيبيين والسورياليين والوجوديين كل ذلك دونته بجرأة وجسارة وفضائحية في سيرتها التي أثارت ضجة في بريطانيا حين صدورها بعنوان ( تحت جلدي).‏

كتبت في مجالات متنوعة منها الخيال العلمي لكن أعمالها في هذا المجال لم تلق نجاحاً حقيقياً والناقد الأمريكي الشهير هارولد بلوم يقول عن أعمالها بهذا المجال فاشلة ولاتقرأ ولا ترقى إلى الدرجة الرابعة من روايات الخيال العلمي .‏

وزمنها الافريقي هو الزمن الذي ظل حاضراً بقوة ومستعاداً دائماً في الكثير من أعمالها وقد كتبت عن التمييز العنصري وقصص حب تجمع بين العرقين الأبيض والأسود . يذكر من أعمالها ( مارتا كويست , الزواج النظامي , الصدع , القطرس , رجل وامرأتان , مذكرات ناجية , قصص افريقية , الحلم الألطف , الجدات ) أيضاً ألفت كتاباً عن القطط . وكتبت عن بريطانيا وهي تتخيلها في العصر الجليدي .‏

عرفت التجربة الصوفية وعرفت ابن عربي , ظلت متحررة مستقلة ترفض أي تصنيف أو انتماء رغم أن اليسار مازال يعتبرها من رموزه والحركات النسوية تفتخر بها بسبب كتابها الشهير ( المفكرة الذهبية ) ذلك ورغم تصريحاتها اللاذعة وتعبيرها المباشر لمرات عدة عن احتقارها للحركات النسوية :( تلك النساء اللواتي أصبحن مريعات مع رجالهن )وأكدت أنه إذا كانت النساء يأملن منها تضامناً فقد أخطأن الهدف , وفي مناسبات عدة تحدثت عما يعانيه الرجل في أوروبا من تهميش النساء له .‏

ربما أن يحافظ الانسان على (أناه ) بغض النظر عن كونه ذكراً أو امرأة هذا أمر يشبه صيحة تخترق جدار الزمن , وتحفر اسم صاحبها .‏

لينا هويان الحسن

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...