دار الفنون تحيي الذكرى الواحدة والعشرون لرحيل فواز الساجر

27-05-2009

دار الفنون تحيي الذكرى الواحدة والعشرون لرحيل فواز الساجر

سمعنا عنه وعما قدمه في حياته القصيرة الكثير وشاهدنا بعض الأعمال التي تركها أثراً يوشي به، ورغم أن العدد الكبير منا ليس من جيل عاصر حياته أو تعرف إليه، إلا أنه تحول لذاك المسرحي الذي لابد وأن يترك في داخلنا الحضور العميق الذي لا نجد تفسيراً له،  فمسيرته تتسلل إلى داخلنا ليكون ذاك الطيف الذي نحاول أن نلامسه، فنحن نعرفه حتى ولو لم نلتقِ به في حياتنا، لذلك لم يكن مستغرباً أن يتقاطر جمهور كبير للأمسية التي دعت إليها دار الفنون إحياء للذكرى العشرين لرحيله، حيث كان يعتقد كل واحد منهم أنه جاء ليحيي ذكرى المبدع والإنسان الذي يعرفه جيداً.. إنه فواز الساجر.. وقد تحولت أمسيته لمكان حضن الكثير من محبيه.

يشير المخرج مانويل جيجي وقد كان أول المتحدثين إلى أن الساجر مازال موجوداً في أي عرض مسرحي يقدم، وهو الذي ربى أجيالاً في المسرح، ويؤكد أن المبدع لا يموت، بل يترك دوماً بصمة في الهواء والهواء متنفس ضروري لكل إنسان.
وعن معرفته بالساجر يبين جيجي أن التعارف بينهما كان عام 1972، وكان له الفضل في أن يكون مدرساً في المعهد العالي للفنون المسرحية، ودخول مجلس نقابة الفنانين واشتغاله أول عرض في المسرح الجامعي، وعندما يصفه يقول جيجي: ساعد الكثيرين وكان صادقاً قوي الإرادة والتصميم تربطه علاقة متميزة مع من حوله، وبهذه الصفات يؤكد أن الساجر لم يمت وسيبقى موجوداً في ضمير أي شخص صالح، وهو تعلم وعلم وكان من أوائل المسرحيين الذين غيروا وجه المسرح السوري.

أما الفنان أيمن زيدان والذي بدا متشائماً فقد قال: بقدر ما كان رحيل الساجر مفجعاً بقدر ما ستكون فجيعته أكبر لو أنه مازال حياً للحالة التي وصل إليها المسرح والحياة، وهو الذي من الصعب أن ينتمي للمشهد القائم.. كما أشار في بداية كلامه إلى أنه لن يدعي معرفة الساجر بالمطلق، وهو الذي كان شاباً متحمساً يتابع عروضه باستمرار ليكون بعد ذلك أحد طلابه في أول دفعة تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية، وقد تعلم منه معنى الاصرار على الحلم، ووصف الساجر بأنه من أواخر الحالمين والمحاربين على جميع جبهات الثقافة، فكان مخرجاً ومعلماً وصاحب مشروع في أيام لم تكن وردية، وقد واجهت مشاريعه تحديات كثيرة إلا أنها برأي زيدان أسست للمسرح السوري في مرحلة لم تكن سهلة أبداً.
وعن عرضه الأخير الذي وصفه زيدان بالموجع وفيه نشيج حلم يحتضر، فيراه بتلك النغمة الحزينة التي سادت فيه من خلال إصراره على الدفاع عن آخر صروح المسرح.. ولأنه رجل استثنائي يدرك زيدان يوماً بعد يوم قيمة هذا الرجل، وحض في نهاية كلمته على ضرورة الاحتفاء به وبآخرين، وتمنى «ألا نلتقي يوماً لننعي فيه المسرح».
في حين أورد فؤاد حسن الأستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية في كلمته عدة وقائع في حياة الساجر وصفها بالعادية والبسيطة، ولكنها كانت بالنسبة له ذات مغزى كبير وفي إحداها يقول حسن: إنه رأى طفلة صغيرة السن -10 سنوات- تبكي بعد مسرحيته «سكان الكهف»، وهذا كان برأيه أكبر دليل على نجاح العرض الذي قدمه الساجر لأن الأطفال لا يجاملون وهم صادقون في أحكامهم، كما يصف حسن «الساجر» بعد العرض قائلاً: التفت فرأيت وجهاً وعيوناً كعيون زرقاء اليمامة وملامح كملامح بوذا وشارباً كشارب كونفوشيوس هو ذاك وجه الساجر بعد العرض.

أما الكاتب والصحفي حسن م. يوسف فقد رأى أن الساجر رجل يشبه الحياة لا الموت ووصف نظرته بالمركبة تجمع ألوان قوس قزح كلها وتزاوج ما بين الخبث والطيبة والحنان، كما قرأ ما جاء في تلك الورقة التي وجدت في حقيبة الساجر بعد رحيله وفيها يقول: إن عصرنا هذا عصر الضيق، افتحوا الأبواب والنوافذ، افسحوا الأرض والسماء، الضيقُ سيقتلنا.

وتحدثت الفنانة ندى الحمصي عن الساجر الذي عملت معه- كممثلة- قائلة: هو المخرج الذي بدأ معه تاريخ إخراج مسرحي جديد، وإبداع جديد للنص ومعه انتهى أسلوب التنفيذ، وهو المخرج صاحب الرؤية الإبداعية الهامة، والذي أرسى قواعد جديدة ومبتكرة لتدريب الممثل بحيث يتخطى حدود طاقاته، فقدم بذلك منهجاً جديداً ذكّر فيه الممثلين بأجسادهم التي علاها الصدأ، والمؤسف كما تقول الحمصي: ما كان من الجهلة إلا أن يصفوا ما يقدمه بـ «الأكروبات»، وهنا قالت: ما أفجع أن يحاصر الجهلة عمل المبدعين.

وباتجاه مختلف تحدث المخرج ثائر موسى مشيراً إلى أنه لم يتعرف كثيراً على الساجر، وقد التقاه يوماً صدفة تطوع فيها الساجر لمرافقته بجولة في مكتبات دمشق عندما علم أنه ينوي اختيار بعض الكتب ليحملها معه، حيث كان يدرس الإخراج في بولونيا، ومن ثم حضر موسى كما يقول بعض بروفات مسرحية «سكان الكهف»، وبالتالي يوضح  أنه لم يعرف الكثير عن الساجر، ورغم ذلك كان رحيله محرضاً قوياً لأن يكتب سيناريو فيلم يتحدث عنه بعد رحيله بعدة أيام قصيرة جداً، وهو لا يجد تفسيراً لذلك إلا أن الساجر لا يمكن إلا وأن يترك في نفس من يلتقيه ولو لمرة واحدة ذاك الأثر العميق، وأسف جداً في نهاية حديثه على أن الفيلم المنجز من قبله بصيغة مبدئية لعرضه يوم أربعينه واجهته صعوبات كثيرة أدت إلى منع عرضه فلم يعرض حتى الآن، وقد حمل عنوان «فواز الساجر»: حياة رغم موت الآخرين، وقد تم عرضه كاملاً في هذه الأمسية وفيه سلط الضوء على مسيرة الساجر الإبداعية، وقدم شهادات من مبدعين أمثال الراحل سعد الله ونوس وفيه تحدث عن المشاريع المشتركة بينهما، والتي كان من المفترض أن ترى النور، ولكن القدر كان أسبق فكان الرحيل المبكر.

وأنهت رفيف الساجر الحديث عنه في هذه الأمسية بكلمة مختصرة تحدثت عن الحب الذي يجب أن يجمع ما بين الناس كما جمع حب الساجر كل ذلك الجمهور الذي حضر، ودعت للبوح به لأنه لولا الحب لما كان هذا اللقاء لمحبي الساجر بعد مرور 20 سنة على رحيله، ورأت أن هذا أكبر دليل على أن الإنسان يعيش بالحب لا بالذكرى ولا بالموت.

أمينة عباس

المصدر: البعث

إقرأ أيضاً:

تكريم فواز الساجر في الذكرى الـ21 لغيابه: حياة رغم موت الآخرين

فواز الساجر إلى الذاكرة بعد 21 سنة من التغييب

المسرحي فواز الساجر «آخر الحالمين» و«حياة رغم موت الآخرين»

دارالفنون تحتفي بالمسرحي فوازالساجر..حضور آثر رغم كل هذا الغياب!

فواز الساجر... بصمة في الهواء يتنفسها المسرحيون

حقيقتان و«لو»..عن فواز الساجر في ذكرى رحيله

في ذكرى فواز الساجر: المبدع لا يموت بصمته كبصمة الهواء في حياتنا

اول احتفال على نطاق واسع في ذكرى رحيل المخرج السوري فواز الساجر

دار الفنون تعيد الحياة لفواز الساجر

eSyria: "الساجر".... في دار الفنون بعد 21 عاماً

العرب أون لاين: أصدقاء فواز الساجر ينعون المسرح السوري في ذكراه

جواد الأسدي: دمشق بيوت حنين لا يعود

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...