تلوّث المياه الجوفية في مدينة دمشق وريفها

29-11-2010

تلوّث المياه الجوفية في مدينة دمشق وريفها

السبب واضح.. وللجميع دور فاعل في التلوث! 
تعدّ الموارد المائية، اليوم، أهم الموارد الطبيعية في سورية؛ لا من حيث أهميتها الحياتية فقط، بل من حيث دورها في الاقتصاد، الذي تشكّل الزراعة المروية عموده الفقري. وما يزيد في أهمية تلك الموارد أنَّ سورية تعتبر بلداً جافاً وشبه جاف يتَّصف بندرة موارده المائية عموماً، وبعدم تجانس توزّعها المكاني.. وبالتالي بعدم انسجامها مع التوزع الإقليمي للسكان؛ ما يعرّض تلك الموارد إلى ضغوط كبيرة كمية ونوعية.
وقد زاد في حدة هذه الضغوط تزايد معدلات النمو السكاني، والتطور الاقتصادي والاجتماعي السريع الذي شهدته سورية في العقود الأخيرة، ولاسيما العاصمة دمشق، وما رافقه من نشاطات بشرية أدَّت إلى الكثير من التغيرات في استعمالات الأراضي؛ الأمر الذي نجم عنه زيادة الطلب على الماء بحدود فاقت، في بعض الأماكن، حجم الموارد المتاحة؛ ما أدّى إلى ظهور نقص إمدادات المياه، وبالتالي عملت الزيادة السكانية للتأثير على طبيعة المياه الجوفية من ناحية ازدياد التلوث. وهذا ما لم تستطع الجهات المعنية، حتى تاريخه، إيجاد الحلّ له؟!..
تقرير تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة (الصادر عن الفريق الفني الاقتصادي في رئاسة مجلس الوزراء) بيَّن أنَّ «هناك عجزاً في الموازنة المائية وصل إلى حدود 1.6 مليار متر مكعب». وأشار التقرير إلى أنَّ هذه الكمية تمثّل، بشكل أساسي، كميات المياه الجوفية التي تمَّ ضخّها، زيادة على الواردات المائية المتجددة المغذية للمخزون الجوفي. وأوضح أيضاً أنَّ العجز ظهر جلياً في حوضي بردى والأعوج.
  
تلوّث بعد عجز
الجانب المهم في القضية أنَّ معدلات المياه السنوية المتجددة في سورية تُقدَّر بـ15.6 مليار مكعب خلال الفترة 1998 - 2007؛ حيث قُدّر العجز المائي في سورية بحدود 3 مليارات متر مكعب وسطياً، خلال الفترة 1998- 2007؛ الأمر الذي يشير إلى الاستخدام الزائد للمياه، بما يقارب 20 % من الموارد المائية الفعلية المتجددة؛ تقول ريـم عبـد ربه (مديرة سلامـة المياه في وزارة البيئة): «سيتراكم العجز المائي في حال تعاقبت سنوات الجفاف، وسيكون التسديد على حساب المياه الجوفية».

 ضعف العرض وزيادة في التلوث 
المعطيات الحالية لا تشير إلى وجود أيّ تقييم كمّي دقيق للمياه المتوافرة للاستعمال في سورية، كما أنَّ المياه المستخرجة لا تخضع للرقابة الكلية؛ ما يعني أنَّ مصادر المياه المتوافرة تستغلّ إلى حدودها القصوى، كما يحدث في مدينة دمشق وريفها. وإن مواجهة الطلب المتزايد على المياه يستلزم تحركاً جيد التخطيط.
ولكن المشكلة تكمن في أنَّ المياه الجوفية في سورية ولاسيما في دمشق وريفها، تتعرَّض للتلوث من عدة مصادر، أهمها تلوث المياه المنزلية في المناطق الريفية، والمياه المنزلية المبتذلة في المناطق المدنية، والتلوث الصناعي بحسب تقرير للبنك الدولي (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي).. فماذا سيكون بانتظار المواطنين مستقبلاً؟!..

من سيئ إلى أسوأ
تقريرٌ حمل عنوان «تقييم إمكانية حركة المياه الجوفية والملوثات لحويضة دمشق المائية» مقدَّمٌ إلى وزارة الإسكان والتعمير في العام 2007، من قبل الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، أفاد بأنَّ شبكات الصرف الصحي ومحطات المعالجة هي العمود الفقري لوقف تلوث المياه الجوفية في مدينة دمشق. كما يوضح التقرير أنواع الملوثات التي تتعرّض لها المياه الجوفية، والمناطق التي تصدر عنها تلك الملوثات؛ حيث يذكر التقرير: «تراكيز شاردة النترات تزداد، بدءاً من خانق الربوة على طول مسار الصرف، حتى الخروج من المدينة وبدء الأراضي الزراعية، لتصبح هذه التراكيز أعلى من الحدود المسموح بها بالنسبة إلى المياه الصالحة للشرب. التسريبات محملة بشاردة الأمونيا من المجاري الفرعية لشبكة الصرف الصحي تحت المدينة، وتتحول، ضمن دورة الآزوت، إلى شاردة النترات، خلال مرورها عبر آفاق التربة».
ويشير التقرير أيضاً إلى تقنيات الري ودورها في تلوث المياه الجوفية: «إعادة استخدام المياه المعالجة في ريّ أراضي الغوطة، له دور رئيس في رفع تراكيز هذه الشاردة إلى حدود القيم فيها. وتنخفض تراكيز شاردة النترات اعتباراً من حدود منطقة المرج باتجاه المصرف العام، دون الحدود القصوى المسموح بها لتراكيز هذه الشاردة في مياه الشرب».
وهناك عوامل أخرى أوضحها التقرير لتلوث المياه الجوفية، منها: «تداخل كل من عوامل تربية الأبقار، ووجود حديقة الحيوان، والتحول من زراعة الفصة (التي تعتبر مستهلكاً كبيراً للنترات) إلى زراعة الخضار والمشاتل. وبالتالي الاستخدام المكثف للأسمدة الذوّابة، كمؤثرات في زيادة تراكيز الشاردة المدروسة في المياه الجوفية. إضافة إلى الرشح من شبكات الصرف الصحي والمنزلي في المناطق المحيطة بمنطقة أبو جرش، لاسيما أنَّ المياه المتسرّبة تحت منطقتي ركن الدين والشيخ خالد تنتهي إلى مساري نهري يزيد وتورا، اللذين يسهمان في تغذية المياه الجوفية في هذه المنطقة».
وفي ضوء ذلك، يحذّر الخبراء المختصون من كارثة قادمة لا محالة؛ يقول الدكتور معن داود (خبير في شؤون المياه ومن معدي التقرير الآنف الذكر): «إنَّ وضع المياه الجوفية في دمشق كارثي، والضرر الذي يصيب المياه الجوفية في المدينة سيكون له انعكاسات خطرة في المستقبل القريب جداً، إن لم يتمّ التحرك وإيجاد حلول سريعة لهذا الوضع».
 
 أمراض بالجملة
تلوّث يعني انتشاراً لمختلف الأمراض. ولكن، هل يمكن إحصاء هذه الأرقام؟!.. الجواب، بالتأكيد، صعبٌ للغاية، لاسيما أنَّ أطراف دمشق تعاني من جريان وديان للصرف الصحي، والجهات المسؤولة تصمّ أذنها عن سماع هموم المواطن.
الدكتور فاروق العادلي (خبير في مجال  الصحة العامة والبيئة)، قال: «يعتبر تلوث المياه أكبر خطر على حياة الإنسان بالعموم. والتلوث بالمواد الكيميائية، وتحديداً مادة النترات، يؤدي إلى حدوث سرطانات في جسم الإنسان».
وأشار الدكتور العادلي إلى التقرير الذي قدَّمته وزارة الصحة في هذا الصدد: «في بعض المناطق، نجد تسرّب بعض المعادن إلى المياه الجوفية؛ من الحديد والمنغنيز، إلى جانب المبيدات الحشرية المستخدمة في الأراضي الزراعية. ويؤدي هذا إلى انتشار الكثير من الأمراض، ولاسيما المعوية، مثل الكوليرا والتيفوئيد والدوسنتاريا، بكافة أنواعها، والالتهاب الكبدي الوبائي والملاريا والبلهارسيا وأمراض الكبد، وحالات تسمم». ويوضح تقرير وزارة الصحة، بشكل أدق، تأثير التلوث بالنترات على صحة الإنسان: «تأتي النترات، عادة، من الأغذية النباتية، وتدخل الجهاز الهضمي للإنسان لتختلط مع اللعاب وسوائل المعدة؛ حيث يتحوّل النترات إلى نتريت، ثم تمتصّ لتصل إلى الدم، بعد بضع ساعات من استهلاكها. مع أنّ القسم الأعظم يطرح من الجسم مع البول والتعرق (جهاز الإطراح).. إلا أنّ الكميات، التي تبقى داخل الدم، تسبّب تأثيراً سمياً عند تحولها إلى النتريت».
الدكتور العدلي يؤكد أنه «آن الأوان لوضع استراتيجية متكاملة، يقوم على تنفيذها كافة الجهات المختصة، من مختلف الوزارات، لمنع التلوث الحاصل للمياه، والكفّ عن الإجراءات الاعتباطية والفردية التي تزيد الأوضاع سوءاً».
 
أزمة في إدارة الأزمة
بالعودة إلى واقع أغلب مناطق مدينة دمشق وريفها، يلاحظ أنَّ السكان يقومون بشراء المياه المعبأة، خوفاً من انتقال أيّ مرض إليهم عن طريق المياه الواصلة إلى منازلهم. وبالتالي يضطر هنا المواطن إلى شراء المياه مرتين. هشام العاص (رئيس بلدية يلدا سابقاً)، قال: «إنَّ بلدية يلدا، وأغلب بلديات الريف الجنوبي، لم تنشئ أيّ مشروع للصرف الصحي منذ أربع سنوات، بناءً على توجيهات من المحافظة. والحجة في ذلك، أنه سوف يتمّ بناء محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي مقدَّمة من وكالة أجنبية. وإلى الآن، لم تحدّد المحافظة موقع هذه المحطة. ومنذ ذلك الحين، البلديات لم تقم بأيّ مشروع للصرف الصحي، لعدم معرفتها في أي اتجاه ينبغي مدّ خطوط شبكة الصرف. والبلديات تعتمد الطرق التقليدية بالتخلص من مياه الصرف الصحي، بالإضافة إلى أنَّ الفلاحين يستثمرون تلك المياه لسقاية أراضيهم».
وزارة الإسكان والتعمير تحدَّثت، في أكثر من مناسبة، عن عشرات المحطات لمعالجة الصرف الصحي، في عدة مناطق من ريف دمشق. ولكن، ما يلاحظ أنَّ هناك تلكؤاً واضحاً في تنفيذها. وهذا يترك مجالاً واسعاً إلى رشح المياه الملوثة إلى المياه الجوفية.. ومن ثم ماذا يتوقع أن يحصل؟!.. الدكتور داود، أكّد أنَّ «كافة الجهات المعنية (وزارة الإسكان، والمحافظة، ووزارة البيئة) على اطلاع كامل بحالة المياه الجوفية والسطحية في مدينة دمشق وريفها. والجميع (الدولة والمواطنون) يتحمّلون مسؤولية التلوث الحاصل للبنية المائية السطحية والجوفية».

همام حداد

المصدر: بلدنا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...