الوجه الكاريكاتوري للأنشطة الأهلية

01-08-2009

الوجه الكاريكاتوري للأنشطة الأهلية

احتفى المسرح السوري مؤخراً بولادة فرقة جديدة من فرق القطاع الخاص تحمل اسم «باب للفنون المسرحية»، وأعلنت الفرقة عن انطلاقتها بتقديم عرضها الأول «الجمعية الأدبية» أواخر شهر تموز (يوليو) على مسرح دار الأوبرا في دمشق، عن نص للكاتب الغيني هنري أوفوري، أعدّه عبد الله الكفري وأخرجه رأفت الزاقوت. وكما هو وارد في نشرة العرض فإن الفرقة تضم مجموعة من اختصاصيي المسرح والموسيقى والفنون البصرية، وهي تسعى إلى تقديم أعمال ذات مضمون فني واجتماعي عميق، يلغي الفكرة الشكلانية، ويشدد على روح الإبداع الجماعي، ويعيد النظر في مفاهيم المشغل المسرحي وظروف إنتاجه.لقطة من مسرحية «الجمعية الأدبية».
يحيلنا العنوان على موضوع العرض مباشرة، حيث نتابع على مدار ساعة من الزمن اجتماعا موسّعا تعقده إحدى الجمعيات الأدبية في إحدى ضواحي دمشق البعيدة، ومن خلال ذلك نتعرف بأعضاء هذه الجمعية ومؤهلاتهم العلمية والثقافية، وطبيعة العلاقات التي تقوم في ما بينهم، والإشكالات التي تشغل بالهم، ونوعية الخدمات التي يقدمونها للمحيط الذي يعيشون في إطاره، لترتسم في نهاية المطاف لوحة كاريكاتورية ساخرة عما يمكن تسميته بالأنشطة الأهلية في مجتمعاتنا المتخلفة.
في هذا السياق العام للحبكة كان الإعداد حريصا على إزالة الحواجز ما بين بيئة النص الأصلية وبيئة المتلقي، من حيث تعريب الأسماء واختيار الضاحية الدمشقية النائية كبؤرة مولّدة وحاضنة لشخصيات العرض وإشكالاته. ففي الضواحي العشوائية تنأى مظاهر المدنية، وتكثر نسبة المهاجرين من الأرياف والمدن السورية، وتختلط الخصوصيات البيئية واللهجات والإشكالات الاجتماعية في نسيج سكاني لا يبدو منسجما على الإطلاق، لكنه يتعايش بحكم الضرورة. وكان لاختيار هذه الحاضنة وتوظيف ملامحها بشكل دقيق أثره الإيجابي في إطلاق جملة من المفارقات الكوميدية التي أتت في سياقها الطبيعي، وأكسبت العرض أولى سماته المميزة.
الملمح الثاني الذي ميّز هذه التجربة الحديثة العهد هو العناية الفائقة بالبنية الحوارية من حيث قصر الجمل، وعدم تكرار المفردات، والتسلسل المتنامي للمنطوق اللغوي الذي يقود إلى معنى موازٍ، مع أن وظيفة الكلام في النص كانت تقوم على أن لا ينتج المعنى، بل أن يكون ضربا من السفسطة الكلامية التي تعكس خواء الشخصيات وضآلة مستواها الفكري. أما الملمح الآخر فقد تمرأى في الاهتمام الكبير ببنية الشخصيات بالاعتماد على المرجعية السلوكية للبيئة الاجتماعية التي انحدرت منها، بحيث كان من السهل التمييز بين الانتماءات المذهبية والمناطقية للشخوص، وما يمكن أن يفرزه اللقاء في ما بينها من حزازيات وخصومات في وسط اجتماعي يدّعي التحرر من العصبيات، لكنه منغمس فيها بالكامل.
وأعضاء الجمعية السبعة هم من مدّعي الثقافة والعلم، مع أن أغلبهم لا يحمل الشهادة الثانوية، بما في ذلك الرئيس. وقد بدأت الجلسة المزمعة بابتهال ديني يرجو الله أن يوفق الأعضاء في مسعاهم. بعدها قرأ أمين السر محضر الجلسة السابقة، وهي عبارة عن تلخيص لمحاضرة ألقاها رئيس الجمعية حول الاقتصاد في اليابان والصين، وفيها رأى أن التجربتين متشابهتان لدرجة لا يمكن التمييز بينهما. ثم انتقل النقاش إلى الميزانية ودفع الاشتراكات المستحقة، ومن ثمة إلى التفكير بكيفية زيادة عدد أعضاء الجمعية، وجذب العنصر النسائي إليها. وبند الأنوثة أثار اهتمام الجميع بالطبع وانتهى بمشادة كلامية واشتباك بالأيدي بسبب ذكر الأعراض. ومع فض الاشتباك وعودة الأعضاء المجتمعين إلى حياتهم انتهت تفاصيل المسرحية، لتترك سؤالها المرير حول جدوى تجمّعات كهذه لا دور لها سوى إنتاج المزيد من التخلف والتدليس والثرثرة الفارغة.
اعتمد المخرج أسلوب المسرح الفقير، فاقتصر الديكور على طاولة كبيرة حولها مجموعة من الكراسي، ومصباح يتدلى من الأعلى، كان ينطفئ بين الحين والآخر في إشارة إلى انقطاع التيار الكهربائي. وكان اختيار هذا الأسلوب مناسبا لطبيعة الحالة المقترحة من قضية وهمية وشخصيات فقيرة من الداخل وسجالات عقيمة لا طائل منها.
في مقابل ذلك كان الاهتمام منصبا على كيفية أداء الشخصيات. وكان جهد الممثلين واضحاً ولافتاً في ارتجال وتطوير سمات نفسية وسلوكية نابعة من خصوصية كل شخصية وكان التشخيص مفعما بالحيوية، ومع أنه اعتمد قليلا على مبدأ التحوير، لكنه استطاع أن يجعل من الجلسة المتخيّلة واقعة حقيقية تحدث الآن على خشبة المسرح، وربما لا يكون العرض الحالي واحدا من أفضل العروض وأكثرها جرأة هذا العام، لكنه بالتأكيد كشف عن تجربة طازجة تتلمس خصوصياتها بأناة، وتتطلع إلى آفاق مسرحية تذهب من دون مواربة في اتجاه الحياة والمتلقي.

بطاقة
تأليف: هنري أوفوري، إعداد ودراماتورج: عبد الله الكفري، إخراج رأفت الزاقوت، الموسيقى والمؤثرات: أحمد الأشرم، تعاون فني زكريا الطيان، تمثيل: أحمد ملص، حسام جليلاتي، حسام سكاف، رازميك ديراريان، محمد ملص، وئام اسماعيل.

تهامة الجندي

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...