المطاوعون في السعودية

24-07-2007

المطاوعون في السعودية

يطلّ من بعيد بثوبه القصير، مراقباً، لحيته غضة، وفي يده عصا.. هكذا يصوّر «سعودي»، وهو صاحب مدونة بالإنكليزية، «المطاوعين» في بلاده.
في الموقع عشرات القصص التي تنتقد ممارسات المطاوعين، وفيه أيضاً قصص تتحدث عن «نجاة» الكثيرين من براثن الجريمة والإدمان والاتجار بالخمور، على أيدي أعضاء الهيئة، كما يسمونها مجازاً.
فما هي هذه الهيئة المعروفة باسم «الشرطة الدينية» والتي توصف بانها أكثر الهيئات السعودية إثارة للجدل؟
كما يدلّ اسمها أو توصيفها، تعتبر هذه الهيئة، التي تضم نحو 4000 عنصر وآلاف المتطوعين، والتي يفترض أن الملك يشرف عليها مباشرةً، «جهازاً أمنياً (أو شرطة)، منوطاً به التأكد من تطبيق الشريعة»، أي «حفظ الآداب العامة، والفصل بين الرجال والنساء، ومنع المجاهرة بارتكاب المعاصي وفحش القول والبدع والملبس والخرافات والإلحاد والاتجار بالمخدرات والكحول وتعاطيها، وحث الناس على أداء الصلاة والفصل في المنازعات البسيطة التي تقع في الأسواق، والحكم في بعض التعزيزات البسيطة وحل الخلافات العائلية في بعض المناطق والتحفظ على الغلمان المشردين وترحيلهم إلى مدارس الأيتام ومساعدة رجال الأمن في ضبط الخارجين عن الآداب العامة»، حسبما نصت على ذلك مادتان في نظام الهيئة، وفي منشور ملكي صدر في العام .1941 
تأسست هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عهد الملك الراحل عبد العزيز، بموجب مرسوم ملكي صدر في العام ,1930 وهي تابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وتعرف أيضًا باسم «المطاوعة».
ويقول الباحث المتخصص في الشؤون السعودية في «معهد الشؤون العامة» طوني باركنسون أن «تأسيس هذه الهيئة، قبل عدة عقود، جاء بناء على صفقة أبرمها آل سعود مع زعماء القبائل والجماعات الدينية في الصحراء السعودية، يضمنون بموجبها مساندة هؤلاء الزعماء لسلطتهم الملكية المطلقة، لقاء صلاحيات واسعة تمنح للزعماء في إطار الهيئة».
ويستبعد باركنسون، في مقال نشره في ,2004 تحت عنوان «خيارات السعودية الصعبة» أن تختزل الأسرة المالكة من صلاحيات الهيئة «التي تستخدمها كأداة لإخافة الأعداء وقمع الأقليات الشيعية والصوفيين وتقييد أي شكل من أشكال النقاش السياسي».
ويؤيده في ذلك المؤلف جون برادلي، صاحب كتاب «السعودية مكشوفة: داخل مملكة في أزمة» الصادر في ,2005 قائلاً أن «العائلة المالكة السعودية لن تسمح بتاتاً بإلغاء الهيئة لأنها تساند سلطتها»، لكنه أضاف أن «السلطات قد تستخدم المطاوعين لإدخال الإصلاحات، مثلما فعل الملك فيصل في السبعينات من القرن الماضي، عندما سمح بارتياد الفتيات المدارس وشراء التلفزيونات».
من جهته، يقول المحلل المتخصص في الشؤون العربية في هيئة الإذاعة البريطانية مجدي عبد الحق أن «العائلة المالكة تستمد شرعيتها من تصوير نفسها على أنها الوصية على الشريعة، بالتالي فهي لا تريد أن يُنظَر إليها على أنها تقوّض سلطة الشرطة الدينية».
أما المؤلفان بيتر ويلسون ودوغلاس غراهام، صاحبا كتاب «المملكة السعودية: العاصفة الآتية» فيسردان سلسلة أحداث، يدعمان بها النظرية التي تقول بأن «سلطة رجال الدين تتعاظم كلما احتاجت الأسرة المالكة أن تبني مصداقيتها الدينية»، من بينها «أعمال الشغب الإيرانية أثناء الحج في ,1987 وحرب الخليج الثانية، حين أثار تواجد القوات الأجنبية على الأراضي السعودية سخط بعض رجال الدين والمحافظين، ومن أجل إرضائهم ساندت الدولة دور المطاوعين لقمع كل السلوكيات غير الإسلامية».
ويقول المؤلفان «طالما أن المؤسسة الدينية لا تقوم بتغيير قواعد اللعبة فالحكومة تواصل تدليلها، فانتهاك هذا الشرط سيكون قرارا غير حكيم من جهة المطاوعين، وكمثال على ذلك، رد فعل العائلة المالكة على العريضة التي وقعها نحو 400 رجل دين وأستاذ جامعي في ,1991 طالبوا فيها بسيطرة رجال الدين على السياسات الداخلية والخارجية، بما فيها السياسات المتعلقة بإنتاج النفط، أي ببساطة كانت العريضة دعوة لتغيير معادلة السلطة بين العائلة السعودية والمؤسسة الدينية».
ويتابع المؤلفان أن «رد العائلة المالكة جاء سريعا وبطريقة قاسية، صودرت جوازات الموقعين، ومنع الأساتذة من مزاولة أعمالهم، وحظر على الأئمة اعتلاء منابر المساجد، كما تم اعتقال الشخصيات الخطيرة من بين الموقعين، ما دفع الهيئة إلى إصدار بيان شجبت فيه العريضة»، مضيفين «في نهاية المطاف، كما قال ابن سعود: الهيئة شريك صغير مع العائلة المالكة، ولن يسمح لها بالإملاء علينا طريقة حكم البلاد».
وفي مقابل كفة الحوادث التي نجح فيها المطاوعون في الوقاية من الجرائم، أكانت متعلقة بالاتجار بالمخدرات أو الفاحشة أو الجنايات، ثمة كفة أخرى مثقلة بالحوادث التي انتقد فيها أسلوب المطاوعين في «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، ولعل أبرزها الحريق الذي اندلع في مدرسة للفتيات في مكة، وهي حادثة تعتبر الأولى التي توجه فيها انتقادات مباشرة وبهذه الحدة الى الهيئة، وأثارت جدلاً بشأن الصلاحيات التي تتمتع بها.
في 11 آذار ,2002 اتهمت الهيئة بالتسبب في وفاة 15 فتاة سعودية في مدرسة في مكة، بعدما قيل أن أفراد الهيئة منعوا رجال الإطفاء من اقتحام المدرسة وإخماد الحريق، وأقفلوا المدرسة بالأغلال من الخارج ليمنعوا مغادرة الفتيات.. لماذا؟ لأن الفتيات لم يكن «محتشمات بشكل كافٍ»، ما تسبب في مقتلهن.
ورغم تأكيد شرطة مكة أن رجال الإنقاذ منعوا من دخول المدرسة، نفى وزير الداخلية السعودي الأمير نايف تورط الهيئة في الحادث.
بعد حادثة مكة، تتالت الأخبار عن انتهاكات ارتكبها المطاوعون أثناء فرضهم «للمعروف»، أحدثها في تبوك في أيار الماضي، حيث اتهم خمسة مطاوعين بالتسبب في مقتل رجل يعمل سائقاً عمومياً بأزمة قلبية، قيل أنه ضرب حتى الموت أثناء استجوابه في قضية اتهم فيها بأنه أقام علاقة غير شرعية بامرأة (قيل أنها عجوز) كانت معه في السيارة.
واعترف مدير الأمر بالمعروف في تبوك أن المواطن السعودي لم يكن في خلوة غير شرعية، وأن عضو الهيئة الذي اعتقلته الحكومة السعودية محكوم عليه بالسجن والجلد ومتهم بالاعتداء على فتاة.
وفي الرياض في الشهر ذاته، اتهم المطاوعون بضرب شاب حتى الموت في مقر الهيئة، للاشتباه بحيازته الكحول.. رغم أن الحكومة كانت أصدرت قرارا في ,2006 يقضي بأن يتوقف أعضاء الهيئة عن استجواب المتهمين، وأن يقوموا بتسليمهم للشرطة العادية.
ونفى وزير الداخلية السعودي ما تناقلته التقارير الإعلامية بشأن عزم الحكومة دمج المطاوعين في القوى الأمنية الأخرى، وجدد دعمه للهيئة، لكنه دعا إلى وقف التجسس، واحترام خصوصية الملتزمين بالقانون، وضرورة الحصول على موافقة حاكم المنطقة قبل القيام بأية مداهمات.
نتيجة لهذه الحادثة وغيرها، أعلن المدير العام للهيئة الشيخ إبراهيم الغيث، في 10 حزيران ,2007 عن تأسيس إدارة قانونية جديدة في الهيئة تسمى إدارة «النظم والتعليمات»، وهي مكلفة بإخضاع المطاوعين لدورات «لتنمية المهارات السلوكية» ومراقبة أعضاء الهيئة ومحاسبة أي مخالف من أعضاء أو مسؤولي الهيئة، خاتماً بالقول أن «الهيئة ليست فوق القانون»، وهو ما يخالف فتوى صدرت قبل 40 عاماً تنص على «عدم جواز محاسبة رجال الحسبة»، أي المطاوعين.
وأوضح الغيث أن هذه الفتوى التي «أصدرها مفتي السعودية الأسبق الشيخ محمد آل إبراهيم، أسيء فهمها، فهي تتعلق بعدم حاجة رجال الهيئة لمن يزكيهم عند شهادتهم ضد المتهمين».
وفي لفتة تشير ربما إلى عزم الحكومة على تحديد صلاحيات الهيئة، رفض مجلس الشورى السعودي في حزيران الماضي اقتراحاً للجنة الشؤون الإسلامية والقضائية وحقوق الإنسان التابعة للمجلس، الذي لا يتمتع بسلطة فعلية، بفتح 20 مركزاً جديداً للهيئة في المملكة كل عام.
وقال عضو مجلس الشورى خليل آل خليل أن «النفوس فيها تساؤلات كثيرة عن تصرفات الهيئة»، داعياً إلى «مساءلتها عما تتهم به من تجاوزات تصل إلى حد العنف والقتل» ملمحاً إلى أن «مستقبل الهيئة يحتاج إلى دراسة».
أظهر استفتاء إلكتروني أجرته قناة «العربية» مؤخراً، وشارك فيه نحو 350 ألف زائر، أن 63 في المئة من المستفتين أيدوا خيار «تجاهل الشكاوى ضد الهيئة لأنها مغرضة»، فيما أيّد 34 في المئة خيار «إلغاء الهيئة والبحث عن بديل لها»، في حين طالب 1.9 في المئة فقط بـ«إعادة النظر في وضعها».

جنان جمعاوي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...