الكشف عن نشاط مشبوه للسفارة الأمريكية في لبنان

30-10-2006

الكشف عن نشاط مشبوه للسفارة الأمريكية في لبنان

في الثالث من شباط 2006 في الساعة العاشرة والنصف كشفت عناصر الجمارك اللبنانية في مطار بيروت الدولي على طرد “مشبوه” مرسل الى دبلوماسي في السفارة الأميركية في عوكر يدعى مارك سافاجو (MARK SAVAGEAU)، مرسل من بريطانيا عبر شركة “ليبان بوست” يحمل رقم R1616223700GB يحتوي على عتاد حربي يبدو أن جزءاً منه مخصّص لعمليات “كوماندوس”، فوجد عناصر الجمارك اللبناني في الطرد “غطاء بندقية حربية” (عدد ثلاثة) وثلاثة كواتم للصوت من نوعيات مختلفة. وكان الطرد يحتوي أيضاً على مجلة “ديبن” DEBEN وهي مجلة تعنى ببنادق “الخردق” ولكنها أيضاً متخصصة بعتاد متطوّر ميكانيكياً وإلكترونياً ومنه مناظير ليلية حربية وأجهزة اتصال وتمويه عسكرية.
سلمت ادارة الجمارك في المطار الطرد ومحتواه الى المحكمة العسكرية (القضية الجزائية رقم واحد/ط ب/2006) بناءً على إشارة مفوض الحكومة القاضي جان فهد، خمسة أيام بعد الكشف عليها، أي في الثامن من شباط 2006. وتسلمت ادارة الجمرك إشعاراً بتسلم المضبوطات.
وفي الثامن والعشرين من شهر آب الماضي أرسلت ادارة الجمارك كتاباً الى المحكمة العسكرية طالبة إعلامها بالقرار الصادر بخصوص قضية المضبوطات “حتى يبنى على الشيء مقتضاه”. وجواباً على سؤال قال مصدر قضائي رفيع  إن الموضوع بسيط يتعلّق ببنادق “خردق” أي بنادق ضغط (أو ما يعرف أيضاً باللغة العامية بـ“أم حبّة”). وهذا امر مستغرب رغم أن المحضر يقول إن أحد الكواتم من نوع LOGUN SILENCER (وكلمة LOGUN تستخدم عادة لبنادق “الخردق”) لأن أولاً من المستبعد أن يستعمل كاتم صوت لبندقية “خردق” لأن هذه البندقية صوتها مكتوم أصلاً، وثانياً لا يوجد سبب منطقي لاستيراد كواتم صوت لبندقية تستعمل عادة للتسلية والتمرين، وثالثاً لا يوجد سبب منطقي لاستيراد ثلاثة أنواع مختلفة من كواتم صوت، رابعاً توقيت استيراد دبلوماسي في السفارة الاميركية كواتم صوت لبندقية “خردق” يتسلّى بها يدعو الى الشكّ. ففي شباط، الذكرى السنوية لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وهي مناسبة أدّت الى تشنجات بين فريقين من اللبنانيين واتهمت الولايات المتحدة بالانحياز لجهة على حساب أخرى.
ومستغرب أيضاً أن الرسائل التي ارسلتها ادارة الجمارك في المطار الى المحكمة العسكرية لم يكن مدوّناً عليها أن نسخة منها ترسل الى جهاز أمن المطار الذي من المفترض أن يطّلع على شأن كهذا يتعلّق بمضبوطات من هذا النوع.
دوّن في محضر كشف الطرد المشبوه محتواه: “1- غطاء بندقية حربية عدد 3 ماركة Carlonds –Advantage 2- كواتم صوت عدد 3 ماركة PARKER- Hale – LOGUN Silencer والثالث بدون ماركة 3- مجلة باسم DEBEN. 4- قطعة قماش (كلمة غير مفهومة)” . بينما لا يذكر الكتاب الذي ارسلته ادارة الجمارك الى المحكمة العسكرية في 28 آب الماضي “غطاء بندقية حربية عدد 3” كما هو مذكور في محضر كشف الطرد المشبوه بل يذكر “3 كواتم للصوت مع اغلفة عائدة لها” وهذا أمر مستغرب ويدعو الى التساؤل عن سبب اختلاف المعلومات المدونة من المصدر نفسه في مراسلة موجهة الى السلطة القضائية المختصّة.
بالنسبة لغطاء البنادق فهي لبنادق “حربية” كما ذكر محضر الكشف ولا تُعد بندقية “خردق” حربية. ولم يحدّد المحضر تفاصيل يمكن أن تساعد على كشف نوعية وعيار البندقية (أو البنادق) التي يستخدم الغطاءات الثلاثة لتوليفها. أما كواتم الصوت فيذكر المحضر أنها من ثلاثة أنواع وعرف منها اثنان (وهنا السؤال عن سبب عدم معرفة النوع الثالث؟ ألم تدوّن أو تحفر أي اشارة أو عيار على الحديد أو الالمنيوم الذي صنع منه الكاتم كما يحصل عادةً؟) والنوعان اللذان عرفا وذكرا هما PARKER-HALE و LOGUN SILENCER. الأول هو ماركة كواتم للصوت حربية، بينما الثاني هو وصف لكاتم صوت بندقية “خردق” ولم يحدّد نوع الكاتم. وهذا يدعو الى الشكّ. فهل سجّل في المحضر أن الكاتم مخصّص لبندقية “خردق” لتمرير كواتم حربية وعتاد حربي آخر؟
إن شركة PARKER-HALE تنتج مجموعة كواتم للصوت منها PARkER HALE ALUMINUM SILENCER من عيار 22 ملم وPARKER HALE STEEL و PARKER HALE UNIVERSAL و PARKER HALE PHANTOM CARBON SILENCER وغيرها من كواتم الصوت لعيارات مختلفة من الطلقات. وتستخدم كواتم الصوت عادة للاغتيالات واعمال “الكوماندوس” والعمليات السرية والمهمات الخاصّة.
أُرسل الطرد المشبوه إلى مارك سافاجو (مواليد 1969 ولاية نورث داكوتا) هو ضابط سابق في الجيش الأميركي برتبة نقيب.أكمل دراسته في مدرسة فارغو الكاثوليكية (FARGO CATHOLIC SCHOOL) ثم التحق بالجيش الأميركي (الوحدة 116) قبل أن يلتحق بالسلك الدبلوماسي الاميركي. ويذكر موقع الكتروني متخصّص بالأسلحة والابتكارات العسكرية أن “سافاجو موظف في الحكومة الاميركية مرسل الى اماكن غير معلنة خارج الولايات المتحدة وبسبب طبيعة عمله ان هويته الحقيقية مكتومة”. ويضيف الموقع أن سافاجو “لديه معرفة معمّقة بالاسلحة والتكتيك، وكان قد خدم في مهام في 20 دولة وهو يتكلّم عدّة لغات ولديه خبرة في مكافحة الارهاب ولديه اتصالات بالعديد من الشخصيات السياسية”. ويدلي الموقع معلومات عن سافاجو لأنه صمّم سلاحاً أبيض يعرف باسم “تناتوس” وهو عبارة عن خنجر خاص لعمليات “الكوماندوس”. (الموقع الالكتروني http://www.szaboinc.com) وكان سافاجو قد حصل عام 1997 على شهادة وميدالية من الجيش تعرف بميدالية “نصنع الفرق” “We Make A Difference” (وكان زميل له في الجيش الاميركي يدعى جورج سمرا قد حصل على الميدالية نفسها لكونه في فريق عمل سافاجو نفسه). (بحسب موقع الكتروني تابع للجيش الاميركي http://www.pica.army.mil/tqm/qualitylink/jun98/diff.htm)
شدّد جوزف الياس شليطا «في اتصال هاتفي» وهو محقق خاص يمثّل مكتب الأمن الدبلوماسي في السفارة الأميركية SPECIAL INVESTIGATOR REPRESENTING THE DIPLOMATIC SECURITY OFFICE على أن “السفارة الأميركية أو أياً من الدبلوماسيين التابعين لها لم يستورد أي قطعة سلاح أو أي عتاد حربي منذ زمن”. ورداً على سؤال عن كواتم الصوت قال: “إن هذه المعلومات غير صحيحة ولم يستورد أي دبلوماسي سلاحاً ولا كواتم صوت”، وأضاف أن السلطات القضائية لم تتصل بالسفارة بهذا الخصوص.
وقال مصدر مطّلع إن القضاء العسكري طلب الاستماع لمارك سافاجو ولكنه لم يحضر وأرسل مكانه جوزف شليطا. لكن شليطا نفى حصول ذلك وقال إن علاقة جيدة تربطه بالقضاء اللبناني ولا علم له بوجود تحقيقات في شأن نقل أسلحة أو عتاد عسكري من أي نوع.
والسؤال الذي يطرح هنا هو لماذا نقلت كواتم الصوت بطرد عبر بريد «ليبان بوست» لا في الحقيبة الديبلوماسية التي لا تخضع بحسب الأصول لتفتيش عناصر الجمارك؟
أولاً، قد يكون مارك سافاجو اشترى كواتم الصوت وغلاف البندقية لاستخدام شخصي لا علاقة للسفارة الاميركية به. وقد يكون الاستخدام الشخصي هو تمارين وتسلية ضمن نطاق السفارة على أسلحة مختلفة، أو استخدام شخصي آخر مخالف للقانون وخارج حدود السفارة في عوكر.
ثانياً، بما أن مصدر الطرد هو المملكة المتحدة والكواتم من صنع بريطاني، فقد يكون إرسالها بالبريد العادي مموّهة بأنها كواتم لبنادق «خردق» مناسباً.
ثالثاً، إن شراء ثلاثة أصناف مختلفة من كواتم الصوت قد يعني أن الشاري يريد أن يجرّبها قبل شراء كمية كبيرة منها. وان عدم وجود علامات على أحد الكواتم الثلاثة (وبسبب ذلك لم تدوّن نوعيته في محضر كشف الطرد المشبوه) قد يدلّ على أن هذا الكاتم ليس لاستخدام في بندقية «خردق» بل في بندقية قنص حربية. ووجود هذا الكاتم بين كواتم «خردقة» يجعل الكاشف عليه يظن أنه من النوع نفسه.
على كل حال، إن استيراد ديبلوماسي أميركي كواتم للصوت الى لبنان ــ حتى لو كانت لبندقية «خردق» ــ عبر المطار في هذه الفترة المتشنجة أمنياً وسياسياً، يدعو إلى الشكّ. وبما أن الموضوع بيد القضاء العسكري، ينتظر المواطنين أن يصدر عنه قرار علني لبت هذه المسألة ومحاكمة ومعاقبة الذين يخالفون القانون ويشكلون تهديداً للأمن والسلامة.

عمر نشابة

المصدر: الأخبار

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...