العداوات الأدبية

31-01-2020

العداوات الأدبية

لقد كتب هوغو ذات مرة: "إن الكراهية الحقيقية هي تلك التي تقوم بين الكتّاب". نعم هذا واضح جداً خلال تاريخ الأدب العالمي، "فيرلين" يطلق من مسدسه طلقة تكاد تقتل "رامبو"، "يوسا" يسدد لكمة خطافية لوجه "غارسيا ماركيز"، بينما تبارز "مارسيل بروست" و"جين لوريان" بالمسدسات وأطلقا الرصاص على بعضهما البعض و"عدت على خير"، أما همنغواي الملاكم فقد استخدم قبضته الثقيلة أكثر من مرة في عالم الأدب.

ومن العجيب أن معظم الكتاب الكبار خاضوا في هذا، ففي حين أن تورجينيف اعتبر دستويفسكي "بثرة على أنف الأدب"، نجد أن برنارد شو وصف شكسبير بـ"المبتذل والفارغ"، كما أن فوكنر كان يرى مارك توين كاتباً من الدرجة الرابعة لو كتب في أوروبا.

وكذلك الأمر بين بونين ونابوكوف، وترومان وجاك كيرواك وياسينين ومايكوفسكي. ولعله مع انتشار الأدب وسطوته وتحول الأدباء إلى نجوم كبار بداية القرن التاسع عشر، انتشرت ظاهرة الخصومات والكراهية يين الكتاب، تلك الظاهرة التي بالكاد نجا منها اسمٌ كبير في الأوساط الأدبية. إلا أن تلك العداوات في قراءة أخرى، هي نوع من أنواع التواصل الإنساني، خلفت وراءها الكثير من الأفكار والمؤلفات والرسائل التي كان لا بد لها من أن تخرج للعلن، وهو ما يفسر أن وزارة العدل الفرنسية تعرف المشاجرات بأنها: "نزاع عاطفي" وأعتقد أن هذا يتجلى أكثر ما يتجلى بين الأدباء، فالعشاق غالباً ما يتشاجرون نهاية الأمر!.

في العاشر من تموز 1873، توجه بول فيرلين إلى متجر أسلحة في بروكسل واشترى مسدساً مع خمسين طلقة، ليطلق النار على آرثر رامبو ويصيبه في رسغه لأنه رفض العودة إلى باريس وذلك في غرفة أحد الفنادق في شارع براسور بوجود والدة فيرلين، ليسجن سنتين جراء هذا العمل ويكتب من السجن 32 قصيدةً خالدة. المسدس الـ"لوفوشو" الذي عرض منذ فترة في مزاد كريستز، كان من المقدر له أن يباع بخمسين ألف يورو، إلا أن مشترياً لم يكشف عن هويته اشتراه عبر الهاتف بأكثر من 400 ألف يورو. ليصبح أشهر أداة قتل في عالم الأدب.

في مقهى "دينغو"، بباريس، تقدم همنغواي الكاتب المغمور من الروائي الكبير سكوت فيتزجيرالد وقال له: "سيد فيتزجيرالد، اغفر لي، لكن اسمي إرنست همنغواي، أنا كاتب". وقد ثملا تلك الليلة حتى الفجر وتشاجرا على نفس الطاولة وظلا أصدقاء فترة طويلة رغم الكثير من الخلافات التي كانت تطفو في كل مرةٍ يجتمعان بها إلى أن حدثت القطيعة الكبرى حينما كتب همنغواي عن هشاشة سكوت وضعف تكوينه الجسدي وعلاقته المضطربة بزوجته زيلدا. إلا أن القدر أثبت العكس حيث أن همنغواي هو من انتحر!، همنغواي الصياد والملاكم وعاشق مصارعة الثيران وسائق سيارة الإسعاف والمقاتل في الحرب والصحافي العنيد.

وليام فوكنر بدوره كان يعتبر همنغواي كاتباً شعبياً لن يخلد، فيقول عنه: "لم اقرأ لهمنغواي كلمة قد ترسل قارئًا إلى قاموس!"، بينما يرد همنغواي "فقير فوكنر. هل يعتقد حقًا أن المشاعر الكبيرة تأتي من كلمات كبيرة؟، فوكنر ينتهي ما إن يبدأ، أما شتاينبك فكتاباته شديدة الرطانة، وتوماس وولف أسوأ وأسوأ". فولتير يرى مسرحية هاملت متوحشة وفظة وقليلة الذوق، بينما إميل زولا الذي عدّ ديوان "أزهار الشر" لبودلير ديواناً تافهاً، نال من هوغو أيضاً بقوله: "ماذا بعد؟ لقد صنف الناس هوغو بأنه أكبر مسرحي، وأكبر شاعر، وأكبر روائي، وأكبر مؤرخ، وأكبر ناقد، وأكبر فيلسوف، ماذا تبقى للآخرين؟". بذات الوقت الذي يسأل فيه أندريه جيد ما إن كان هوغو هو أكبر شاعر فرنسي على مر العصور فيطرق رأسه ويجيب: نعم .. للأسف!

 

هاني نديم

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...