السلطة المذهبية: كتاب عن التقليد والتجديد في الفقه الإسلامي

26-12-2007

السلطة المذهبية: كتاب عن التقليد والتجديد في الفقه الإسلامي

تحتاج الثقافة العربية الإسلامية، في الزمن الكوني الراهن، إلى إعادة القراءة، وبمنهجية تاريخية علمية وموضوعية، لتأسيس بنية معرفية معاصرة تحطم الصورة النمطية التي أنتجها الآخرالاستشراق الغربي، وتقديمها للعالم باعتبارها تصويباً لانحرافات الاستشراق، وتجاوزاً لعقم وتخثر التفكير الأصولي المتزمت لدى علماء ومفكرين أخذوا على عاتقهم مهمة الدفاع عن جدارة العرب والمسلمين، متنكرين لكل نقد يمكن أن يطول ميادين الثقافة العربية ـ الإسلامية في القرون الماضية.

المساهمة في حوار الحضارات في عصر العولمة يفترض زعزعة وتقويض الخطاب الاستشراقي ومناهضته بمشروع أكاديمي منفصل بنيوياً عن خطاب الهيمنة الغربي. ولعل الحفر التاريخي سوف يبين أن الشريعة الإسلامية مثل أي منظومة قانونية متكاملة حافظت على منظومة المبادئ التشريعية. ‏

في مسعاه الأكاديمي حرص مؤلف كتاب: السلطة المذهبية(?)، على أن يشكل مادته ولغة خطابه في بحثه بما يجعله موجهاً للجمهور الغربي، والأكاديمي تحديداً في الغرب. 
 يتشبث البحث الاستشراقي الغربي بمقولة إن الشرق ثابت لا يتغير وجوهره لا يمكن أن يواكب التجديد والتطور. وإن الشريعة الإسلامية تعاني الانسداد التام. وظيفة الكتاب هنا، حسب المؤلف، أن يبرهن على خرافية مقولة »الانسداد« وبالتالي خرافية ما يترتب عليها. ‏

ومن ناحية أخرى، يرى المؤلف، أنه من السذاجة بمكان أن نقبل من دون مساءلة وتشكيك ما يقوله مجتمع ما عن مجتمع آخر. فليس لأي علم من العلوم الاجتماعية والإنسانية ميزة تعصمه من الانحياز. ‏

الأسئلة المنهجية التي شق بها المؤلف طريقه إلى البحث، وبفرض تحطيم الأسطورة الاستشراقية، كثفها في ثلاثة: ‏

1ـ إذا كانت الشريعة الإسلامية كما عرفها الفقهاء منذ عصور عديدة قابلة للتأقلم والتغيير، فلم عاث الاحتلال الاستيطاني فيها فساداً ودمر بناها المؤسساتية والمعرفية في بلدان المشرق والمغرب بحجة عدم صلاحيتها؟ ‏

2ـ ثم إن صح القول إن ما من حاجة للتدمير الغربي للشريعة الإسلامية والإتيان مكانها بالقوانين الغربية بعجرها وبجرها، فلم مدت فئة من المسلمين يدها المادية والمعرفية لمعونة الهيمنة الغربية؟ ‏

3ـ وإذا كان التفوق الحضاري والتشريعي الغربي المزعوم ـ بكل مرونته وقدرته على التغيير والتقدم ? قد فشل فشلاً ذريعاً في الماضي والحاضر، فهل سيستمر المسلمون باستهلاك الخطاب الغربي المعرفي؟ وإلى متى؟ ‏

يلاحظ من يتوقف حيال الأسئلة التي سبق ذكرها أن المؤلف ينطلق من فرضيات فكرية وأيديولوجية لا تخلو من ردة فعل شديدة على تاريخ العلاقة بين الشرق والغرب، حيث الأخير سعى باستمرار لجعل العالم على صورته ومثاله وكانت الهيمنة تتويجاً لذلك المسعى. ‏

يكشف الكتاب «السلطة المذهبية» التجديد والتقليد في الفقه الإسلامي، عن معرفة موسوعية متخصصة يملكها المؤلف بما يتعلق في ميدان بحثه. ولعله أيضاً في لغته ومصطلحاته لا يعد موجهاً إلى أي قارئ، إنه كما أشار المؤلف موجه إلى الأكاديميين في الغرب. ‏

في مطالعتنا الكتاب سنجد صعوبة تناول مادته على عجل وبعدد محدود من الصفحات، فهو غني بمراجعه غزير بشواهده، وزاخر بتحليلاته لها وتقديمها في وظيفتها المطلوبة حسب منهج المؤلف وأهدافه من البحث. ‏

في العلاقة بين التقليد والتجديد يذهب المؤلف بعيداً في تاريخ نشوء المذاهب الإسلامية، مبيناً دور الاجتهاد وموقفه في ظهورها. وهو في حرصه على إظهار قابلية الثقافة الإسلامية للتجديد والتطوير، يذهب إلى استعراض مراحل ظهور طبقات الفقهاء، لنجد أن المذاهب الشرعية أخذت شكلها بحلول القرن الرابع/ العاشر الميلادي. ويقصد هنا بالتحديد المذاهب الأربعة لدى المسلمين السنّة. ‏

الانحياز القاطع للاجتهاد يعادل لدى المؤلف انحيازاً آخر إلى التجديد، إلا أنه لا يرى في التقليد قبولاً تسليمياً بمواقف سابقة، لأنه أيضاً يعد نشاطاً فقهياً من الطراز الأول، والحديث يجري هنا عن مرحلة نشوء وتكون المذاهب باعتبارها سلطات مرجعية. ‏

يؤسس المؤلف لفكرته عن طبقات الفقهاء ودورهم في نشوء المذاهب الإسلامية، اعتماداً على الفقيه والفيلسوف العربي الأندلسي أبو الوليد محمد بن رشد المتوفي عام 595 هجري /1198م. ‏

قبل عام من وفاته، دعى الفقيه القرطبي ابن رشد ليجيب على ثلاث مسائل، الأولى، ما هي مؤهلات المفتي حسب مذهب الإمام مالك؟ الثانية، ما هي مكانة حكم القاضي إذا كان مقلداً في المذهب المالكي، وإذا لم يكن بالإمكان إيجاد أي مجتهد في منطقته، هل يفترض أن نقبل أحكامه قبولاً مطلقاً أم نقبل قبولاً مشروطاً فقط؟ والثالثة، هل يفترض بالحاكم ? الذي يعتبر القضاة مجرد مقلدين أن يقبل أم يرفض قراراتهم؟ ‏

في استعراض المؤلف لإجابات ابن رشد تجد تقسيماً لطبقات الفقهاء، منها ما يضع حداً للاجتهاد وآخر يرى بأن المذهب المالكي لم يكتمل ولازال أمام الفقهاء ما يقدمونه حتى يصلوا إلى درجة الإفتاء. ‏

بيد أن الأهم في ما جاء به المؤلف على صفحات كتابه هو تبيان النقاش الفقهي الواسع والتفصيلي حول قضايا الأحكام والشريعة والقضاء، وربطها بالاجتهاد الذي كان حاضنة تطور الفقه وتجديد النظر إلى الأحكام في الإسلام. ‏

لم نطالع في الكتاب، رغم الجهد الواضح المبذول من المؤلف، أية آراء أو تحليلات تظهر موقع المذاهب الشيعية في المسائل التي تناولها الكاتب، وسوف يكون الخلل واضحاً في أي بحث أو دراسة تتعلَق بالفقه والاجتهاد والتجديد في الإسلام، إذا جرى تجاهل، أو لم يتم تناول، آراء علماء المذهب الشيعي بخصوص القضايا التي تتصل بتاريخ الفكر الإسلامي، وفي التباينات الفقهية من مذهب إلى سواه . ‏

من جانبنا إذ نشير إلى هذا الخلل، فإن الخلفية هي الحاجة التي يؤكد عليها دائماً علماء ونخب المجتمعات الإسلامية، إلى تجديد العلاقات بين المذاهب الإسلامية، وتجاوز ما أصاب الشعوب الإسلامية، ولقرون طويلة، من تفكك ووهن أديّا ما يمكن وصفه بالانسحاب من الحضور على المسرح الكوني، بل والارتداد عن إنجازات تاريخية سابقة ساهمت في حينه بتقديم فضائل للأمم الأخرى. ‏

ابن رشد حاضر دائماً في المداولات الفقهية التي سردها المؤلف. والمعروف أن ابن رشد يعد لدى النخبة من علماء الدين وفقهائه بعيداً عن الأصول الإسلامية، متعمقاً في الفلسفيات الوصفية ومتأثراً بالمدرسة اليونانية وغيرها. وهنا يمكننا القول: إن كل محاولة جادة لتطوير النظرة الإسلامية للعالم والإيمان والإنسان تجد اعتراضات شديدة من طبقات الفقهاء الذين كفوا عن مواكبة الاجتهاد وشق طريق التجديد الفكري. ‏

أما وأن المؤلف أخذ على كاهله مهمة دحض النظرة الاستشراقية «للشرق» والمسلمين، فهو التقى معهم في نقطة بارزة وهامة وإيجابية حين اعتمد كثيراً على ابن رشد وهو الشخصية التي يبرزها الأدب الغربي باهتمام كبير. فضلاً عن غياب الفوارق لدى المستشرقين حسب المؤلف مع العلم أن مدارس الاستشراق متعددة وأغراض أصحابها مختلفة، واستنتاجاتهم لم تكن متطابقة حول نظرتهم إلى الشعوب الإسلامية والإسلام. وبما أن الكتاب موجه حسب مؤلفه إلى القارئ الأكاديمي في بلدان الغرب، يفترض بمؤلفه أن يشير ولو بصفحات قليلة إلى تعددية الاستشراق وتنوع اتجاهاته وأغراضه، مع علمنا أن مادة الكتاب غير مخصصة في البحث عن الاستشراق ومشكلاته. ‏

الكتاب: السلطة المذهبية ـ التقليد والتجديد في الفقه الإسلامي ‏

دكتور وائل حلاق ـ ترجمة عباس عباس ـ دار المدار الإسلامي 2007 ‏

مصطفى الولي

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...