الدراما السورية بالكليو غرام

01-04-2008

الدراما السورية بالكليو غرام

«الدراما السورية إذا بقيت على هذا الحال فنهايتنا سيئة»، بهذه العبارة ختم المخرج محمد فردوس الأتاسي حواراً معه بعد خروجه من تجربة يبدو أنها كانت قاسية عليه وهو الذي قضى عمره في العمل التلفزيوني، كان فيه أحد رواد الدراما السورية فمنذ أكثر من شهرين بدأ الأتاسي إرساء دعائم شركة إنتاج للفن التلفزيوني والسينمائي وكانت معنوياته في الذروة ولكن فجأة يموت هذا المشروع ويخرج الأتاسي من الشركة.يقول الأتاسي:
 منذ أكثر من شهرين وأنا أعمل ليل نهار على إنشاء هذه الشركة برغبة من أحد التجار الذين لا علاقة لهم بالإنتاج الدرامي، وقد وضعت أسس وضوابط هذه الشركة وبمساعدة مباشرة من الصديق عبد المسيح عطية وقد أوهمنا «الأستاذ» المنتج أنه مع التوجه الذي كنا نريده لهذه الشركة وهو إنتاج نصوص تلفزيونية ذات مستوى فني عالٍ وعلى هذا الأساس بدأنا العمل، فقرأت أكثر من 35 نصاً تلفزيونياً وبمساعدة أصدقاء هم من كبار الكتاب الذين لهم باع طويل ومهم في تقييم السيناريو التلفزيوني المثالي وبدأنا بغربلة النصوص واستقر الرأي على اقتناء ثلاثة نصوص الأول هو «قلوب صغيرة» للكاتبة ريم فليحان التي تكتب لأول مرة وعادة ما يكون النص الأول لأي كاتب نصاً مهماً وقد ساعدتها الفنانة يارا صبري في كتابة السيناريو والحوار واللعبة الدرامية، والنص الثاني للكاتب يوسف عرعور والثالث للكاتب نهاد سيريس وقررنا إنتاج نص «قلوب صغيرة» أولاً باعتبار أن نص عرعور وسيريس كانا قيد الإعداد النهائي وقد جلست مع ريم ويارا جلسات عمل طويلة لأن النص خطير ومهم وخطورته تكمن في القضايا التي يتناولها مثل عمالة الأطفال في سورية والأطفال الأيتام والمتسولين في الشوارع وتجارة الأعضاء البشرية إضافة إلى الفقر الذي يؤدي إلى التفكك الأسري وهذه مواضيع حساسة تطرح لأول مرة في الدراما السورية. أي إن النص كان مملوءاً بالألغام وكان لابد من تعديله بعض الشيء لكي لا يكون قاسياً وصادماً للمشاهدين.
ويتابع الأتاسي: وقد تم بالفعل دفع سلف مالية للكتاب الثلاثة وإلى الفنانة يارا صبري باعتبارها ستلعب دور البطولة في المسلسل واتفقنا مع أفضل الفنيين في سورية ودفعنا لهم أيضاٍ سلفاً مالية وبعد ذلك بدأت ألمس تبدل وتغير صاحب الشركة وكانت قراراته الارتجالية والانفعالية تربك العمل وكنا نفاجأ بقرارات تخالف ما كنا اتفقنا عليه منذ ساعات فقررت ترك الشركة والانسحاب وخاصة أن «الأستاذ» طلب استرجاع السلف بعد أن شعر أن تكاليف إنتاج أي مسلسل لا يمكن أن تقل عن ثلاثين مليون ليرة وأن دورة عودة المال والربح طويلة ويبدو أنه أعطى أذنه لأناس تجيد الصيد في الماء العكر وبعد مغادرتي الشركة علمت أنه بدأ باسترداد السلف من كل الذين اتفقنا معهم.

وحول نص تلفزيوني كتبه الدكتور رياض نعسان آغا وكانت نفس الشركة بصدد إنتاجه، أكد الأتاسي أن النص «مهم جداً وقصته الدرامية جديدة وهي تتحدث عن رجل همّه أن يجمع المال بأي طريقة ولكنه يصاب في النهاية بمرض خبيث فيقرر أن يمحو أخطاء عقود في عدة أشهر ويتناول العمل فترة تاريخية حرجة بدءاً من الانفصال عن مصر وحتى بداية التسعينيات من القرن الماضي فهو مسلسل اجتماعي بخلفية سياسية ولكن عند دراسته وجدنا أن تكلفة العمل عالية، فقررنا تأجيله».
وحول مصير الأعمال التي اختارها تحدث الأتاسي بمرارة وقال: أشعر أن هذه الأعمال كأولادي فقد تعبت عليها وهي نصوص مهمة أتمنى أن ترى النور وقد علمت من السيدة يارا صبري أنها أعطت نصها لإحدى الشركات الأخرى، بعد أن أرجعت السلفة المالية وسحبت النص من الشركة التي كنت مديرها لمدة شهرين، ولا أخفيك أنني أتمنى أن أُخرج هذا العمل لأهميته ولأنني عملت عليه بحب وشغف مع السيدتين ريم ويارا حيث عدلنا بعض المحاور وأدخلنا خطوطاً جديدة.
وحول آليات الإنتاج في الدراما السورية ودخول رجال الأعمال على هذه الصناعة: قال الأتاسي: أنا أؤمن أن الدراما صناعة وتجارة وأن رأس المال جبان وأن دورة الربح تحتاج أحياناً إلى عدة سنوات ولكن الفن أولاً رسالة وفكر يجب أن يصل إلى الناس ولكن يبدو أن بعض هؤلاء يحصر المسألة كلها بالمال والربح وأنا شخصياً أدعو كل رجال الأعمال لدخول هذا المجال وبقوة ولكن يجب ألا يتدخلوا بتفاصيل العمل الفني، والشركات الناجحة هي التي يبتعد أصحابها عنها ويتركون للمدير الفني، حرية العمل مع المحاسبة بعد عرض المسلسلات فإما أن يكون ناجحاً أو لا يكون وإما أن يستحق الثقة أو لا يستحقها.

-ويؤكد الأتاسي أن أغلبية المنتجين «أميون» لا يعرفون «ألف باء» الفن ويضيف: تعاملت مع أكثر من منتج عربي من الرعيل الأول وكانوا يفهمون الدراما أكثر من الكتاب والمخرجين أحياناً ومنهم رياض العريان رحمه الله الذي كان يفهم بالسيناريو أكثر من كتاب السيناريو أنفسهم، ونادر الأتاسي الذي ناقشنا بشكل مستفيض بمسلسل «جبران خليل جبران» واقترح علينا أكثر من مشهد وكان يعرف عن جبران كما كان يعرف الكاتب، نريد منتجين كهؤلاء يملكون مالاً ويملكون أفقاً معرفياً وفكرياً وهاجساً درامياً وتكون لديهم رغبة بتقديم الجيد للمشاهدين وما أعتقده أن الدراما السورية أصبحت بين يدي منتجين لا يعرفون قيمة ما بين أيديهم، ويقدرونها بالكيلو وليس بشيء آخر.
ويبدو أن المخرج محمد فردوس الأتاسي الذي يوصف بشيخ المخرجين السوريين لديه حرقة مما يسميه «الاستسهال في مجال الإخراج» ويضيف: الإخراج ليس فقط تحريك الكاميرا فلو كان الأمر كذلك فالمصور قادر على ذلك أكثر من المخرج: إنهم لا يعرفون أن الإخراج غوص في أعماق النص وأفكاره والإضافة عليه وإدارة الممثل بشكل يخدم الشخصية كما يراها المخرج، والإخراج هاجس وإبداع، ما يجري اليوم ليس إخراجاً وليس كل من حرك الكاميرا مخرجاً.
وللأسف يلجأ المنتجون إلى أنصاف المخرجين لسبب وحيد وهو الأجر المتدني الذي يرضى به هؤلاء.

محمد أمين

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...