إصلاح القطاع العام الصناعي تأهيل أم تجميل

27-03-2007

إصلاح القطاع العام الصناعي تأهيل أم تجميل

استكمالاً للحوار حول اصلاح القطاع العام الصناعي على خلفية المشروع الذي اعدته اللجنة التي شكلها السيد رئيس مجلس الوزراء لوضع الاطار التشريعي للاصلاح والتي نتج عنها صيغتان.
د. عصام الزعيم المدير العام للمركز العربي للدراسات الاستراتيجية ورئيس جمعية العلوم الاقتصادية قال : الحقيقة وفي ضوء التطورات التي تمثلت في تشكيل لجنة خاصة لوضع تشريع جديد للقطاع العام الصناعي ان مسألة من اهم المسائل المطروحة على بساط البحث والبت هي مآل المؤسسات العامة الصناعية القائمة لدى اصلاح القطاع العام الصناعي. ولقد اخذت بالخيار الذي اوردته في مشروع اصلاح القطاع العام الذي اعددته عندما كنت وزيرا للصناعة ولم يقر وهذا الخيار تحويل المؤسسات الادارية الى مراكز وظيفتها الاساسية الدعم والارشاد والمساندة والتنسيق دون ان تحمل الثقل البيروقراطي حيث تستعيض عنه بميزة الفعالية وقدرة الدفع باتجاه التطوير والتجديد.‏
ولكن هناك خيارا اخر وهو دمج الشركات دمجا عضويا في المؤسسات العامة التي تتبع حاليا لها وذلك بتحويل هذه المؤسسات الى شركات قابضة وهو خيار مقبول بشرط دمج الشركات واعادة هيكلتها في كل من الفروع الصناعية بما يحقق ترشيدا للانتاج وتعظيما للقيمة المضافة والقدرة على المنافسة وتحسين بنية الصناعة السورية واضاف: على ان الخيار الثاني قد يخفي توجها لجعل مثل هذه الشركات القابضة ادارة ووسيلة لخصخصة الشركات في مرحلة تالية وذلك اقتداء بالتجربة المصرية. واقول هنا والكلام للدكتور الزعيم ان العامل يتعلم من سواه لكن هذا التعليم لا يكون محاكاة لتجربة سابقة وانما يقوم بتحليل هذه التجربة تحليلا نقديا بالاستناد الى واقع سورية الخاص فيلاحظ ما وقعت فيه تلك التجربة من اخطاء ويستشف ما وفقت فيه ونجحت به ان سورية لا تحتاج الى ان تكرر تجارب الغير في الاصلاح الاقتصادي وانما الى الانطلاق في عملية الاستفادة من التجارب الاخرى من حيث وصلت اليه تلك التجارب من حيث تقييمها النقدي ولمس نتائجها والاهم من ذلك توفر مقاربة متماسكة منهجية لدى استشفاف التجارب الاخرى بحيث لا يغيب عن الانتباه حاجات الاصلاح في سورية وليس في غيرها وضرورة الاستفادة الايجابية وتجنب المطبات والعثرات.‏
وبالنسبة للجنة المشكلة في وزارة الصناعة لوضع تشريع قانوني للقطاع العام استغرب الدكتور الزعيم ان تشكل هذه اللجنة قبل ان تشكل لجنة لتبت في خيارات الدولة وسياساتها الاستراتيجية ولاشك بان مهمة اللجنة في تقييم الشركات العامة الصناعية اداريا وتكنولوجيا وماليا يعطي لهذه اللجنة جدية ومصداقية. ولكننا نتساءل عما اذا كان الاطار الذي عملت فيه اللجنة والوقت الزمني الذي اتيح لها كانا كافيين للقيام بمسح وتحليل وتقييم لعوامل التكنولوجيا والعمالة والادارة والمال في الشركات العامة الصناعية في كل من فروع الصناعة التحويلية التابعة للقطاع العام.‏

الكنج : موقفنا واضح.. ولا مساومة عليه‏

عزت الكنج نائب رئيس اتحاد نقابات العمال امين الشؤون الاقتصادية برر رفع مسودة مشروعي قانونين حول اصلاح القطاع العام الصناعي الى مجلس الوزراء لان البعض لم يوافق على ما تم طرحه من قبل ممثلي العمال في اللجنة المؤلفة من مجموعة من الفنيين والاقتصاديين بعد عدة اجتماعات توصلت اللجنة الى رفع مسودة مشروعي القانونيين وحول نقاط الخلاف يقول: كانت وجهة نظرنا كممثلين للعمال ضد طرح تشكيل شركات قابضة وتوزيع اصول الشركات الى اسهم لطرحها في سوق الاوراق المالية ولم نوافق على مبدأ التشاركية في بعض الشركات تحت عنوان توسيع قاعدة الملكية لان ذلك يعتبر مساسا بالملكية العامة. وكانت الغاية ان نجعل من شركات القطاع الصناعي بعد تطبيق صيغة مشروع القانون رابحة وموقفنا بهذا الخصوص واضح فيما يتعلق بالملكية سواء للشركات الرابحة او الخاسرة ولا مساومة عليه.‏
تركز توجهنا الوحيد مع بعض اعضاء اللجنة للبحث عن صيغة لجعل القطاع العام الصناعي قطاعا رابحا وذا ريعية اقتصادية واذكر هنا ان توجيهات السيد رئيس مجلس الوزراء للجنة كانت واضحة حول عدم المساس بالملكية وحقوق العمال وعدم اخضاع القطاع العام الصناعي لقانون التجارة. ولم يخف كنج تفاؤله بان مشروع القانون سيرى النور وفق ما تم التركيز عليه بالحفاظ على حقوق العمال وعدم المساس بالملكية.‏

سكر: القطاع العام الاقتصادي .. إصلاحه في خصخصته ..!!?‏

الباحث الاقتصادي الدكتور نبيل سكر قال: لدى قراءتي لنتائج أعمال لجنة القطاع العام الصناعي التي تم تكليفها من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء لوضع الإطار التشريعي لإصلاح القطاع العام الصناعي. والتي نتج عنها صيغتان للاصلاح أجد نفسي مع الصيغة الأكثر مرونة والتي تنادي بفصل القطاع العام الصناعي عن وزارة الصناعة وإلحاقه بهيئة تنفيذية تقام لتأهيل القطاع العام, وإخضاع منشآت القطاع العام لقانون التجارة وقانون العمل, وإغلاق الشركات الخاسرة منه فوراً,واضاف :‏
وأجد بنفس الوقت أن الصيغة الأخرى المتشددة التي تكرس ارتباط القطاع العام الصناعي بالهرم البيروقراطي للدولة وإخضاع عماله للقانون الأساسي للعاملين في الدولة, ومعالجة الشركات الخاسرة من خلال الدمج أو تغيير النشاط أو نقل تبعية الشركة إلى إحدى الجهات العامة الأخرى, ما هي إلا صيغة تشكل استمراراً للمحاولات السابقة غير المجدية لإصلاح القطاع العام الاقتصادي التي بدأت في العام 1994 بإحلال المرسوم التشريعي رقم 20 محل المرسوم التشريعي رقم 87 لعام 1974 ثم إحلال القانون رقم 2 لعام 2005 محل المرسوم رقم 20 لعام ,1994 والتي لم تتضمن إلا إصلاحات تجميلية أدخلتنا في دوامات مفرغة على مدى ثلاثة عشر عاماً وأضاعت علينا فرصاً للإصلاح الجدي للقطاع العام ووقف نزيفه المستمر للمال العام, وخسارة عوائد كان يمكن أن تجنى من استثمار هذا القطاع استثماراً جيداً.‏
وبالمقابل - يضيف د.سكر - فإن الصيغة المرنة المقترحة للاصلاح (والتي يمكن وصفها بالانجليزية Corporatization) تحمل معها بعض الأمل, ويمكن أن تنجح في تقليص خسائر القطاع العام واستنزافه للمال العام إذا طبقت بطريقة سليمة, ولكنني مع ذلك غير متأكد من إمكانية قدرتها على جعل القطاع العام ديناميكياً وقادراً على النمو والازدهار وقادراً على إدخال سورية في الأسواق التنافسية العالمية, وذلك للأسباب التالية:‏

1- صعوبة فصل المنشآت الإنتاجية عن الهرم البيروقراطي في الدولة وإعطاء هذه المنشآت الاستقلالية التامة في قرارات الشراء والبيع والتوظيف وصعوبة خلق ثقافة المنافسة لدى المديرين و المرؤوسين والتابعين خلال فترة قصيرة من الزمن وصعوبة وقف الفساد والهدر والصفقات الكبرى غير المشروعة في القطاع العام وصعوبة إقامة رقابة فعالة على إدارة هذا القطاع (على غرار رقابة الجمعيات العمومية في شركات القطاع الخاص).‏

2- عدم توفر المال الكافي لدى الدولة لدعم القطاع العام الصناعي حتى يستطيع القيام بالاستثمارات الكبيرة اللازمة لإعادة الهيكلة التقنية بالتلازم مع الهيكلة الإدارية المقترحة, وذلك بسبب تراجع الموارد المالية للدولة مع انحسار الحقبة النفطية, ومتطلبات الاستثمار في رأس المال البشري والإنفاق في مجالات الصحة والتعليم, فضلاً عن متطلبات تجديد البنية التحتية في البلاد, ومتطلبات الأمن القومي.‏

كما أكد القانون المالي الجديد للدولة (الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2006) على إلزام مؤسسات القطاع العام بتمويل استثماراتها بنفسها من خلال فوائضها المالية المحققة, ومن خلال الاقتراض من السوق المالية أو طرح الأسهم للاكتتاب العام, ولا يخفى على أحد صعوبة نجاح القطاع العام بطرح اسهمه أو سنداته للاكتتاب العام.‏
واوضح إن الهدف ليس مجرد إنقاذ القطاع العام ووقف خسائره ونزيفه للمال العام, فهذا هو الحد الأدنى, ولكن الهدف الأكبر هو رفع أداء القطاع العام الصناعي وقدرته التسويقية والتنافسية وتحقيق عائد مرتفع على هذه الكتلة الكبيرة من الأصول الرأسمالية التي تم ضخها في الاقتصاد الوطني من دون أن تحقق ريعية مقبولة , وضرورة انتقال الصناعة السورية من الانغلاق إلى الاندماج في حلقات الإنتاج والتسويق العالمية, وهو هدف لا بد أن تتبناه الصناعة السورية حتى تعيش في زمن العولمة .‏
ويرى الدكتور سكر -على الرغم من تحفظاته هذه- أن يتم تبني البديل المرن المقترح بهدف احتواء الضرر وتخفيف الخسائر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه على أن يشكل القانون المقترح للإصلاح مرحلة انتقال استعداداً لخصخصة القطاع العام الصناعي في مرحلة لاحقة وتحديداً خلال فترة الخطة الخمسية الحادية عشرة, وعلى أن نعد العدة خلال السنوات الأربع القادمة للتحضير للخصخصة. وقال :‏
هذا التحضير يتضمن فيما يتضمن إعداد برامج التدريب والتأهيل وإقامة شبكات الحماية الاجتماعية اللازمة فأنا لا أعتقد أن أي إصلاح سيمكن القطاع العام من أن يصبح قطاعاً ديناميكياً قوياً, كما أني في الحقيقة لا أجد مبرراً للقطاع العام في العملية الإنتاجية على المدى البعيد.‏
فقد أثبتت جميع تجارب دول العالم تفوق القطاع الخاص في العملية الإنتاجية وقدرته على تحقيق عائد أكبر للاستثمار في الاقتصاد الوطني. فلماذا هذا الاصرار من قبل البعض على استمرار القطاع العام في العملية الإنتاجية? وإذا كان المبرر هو السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية فلنسرع بإصدار تشريعات تعزيز المنافسة ومنع الاحتكار وبإقامة شبكات الحماية الاجتماعية كالضمان الصحي وتعويض البطالة وهي التشريعات والمؤسسات الموجودة في جميع أنظمة اقتصاد السوق (الرأسمالية المتوحشة بالنسبة للبعض) منذ عشرات السنين, بدلاً من الاصرار على ملكية الدولة لعوامل الإنتاج.‏
أما إذا كان المبرر هو ضمان الوظيفة فضمان الوظيفة لا يؤدي إلا إلى الخمول والكسل وقتل روح المبادرة والإبداع لدى العامل وسعيه للارتقاء الوظيفي وتطوير الذات, وهي آخر ما يحتاجه اقتصادنا الوطني في زمن العولمة والثورة الرقمية والتنافسية العالمية, و الأفضل أن نعطي الأمان للعامل من خلال برامج الضمان الصحي وتعويض البطالة (فضلاً عن توفير التعليم المجاني وا لصحة المجانية) بدلاً من ضمان الوظيفة.واضاف :‏
لا بل أعتقد أن ريادة القطاع الخاص للعملية الإنتاجية (مع برامج حماية اجتماعية) هو في مصلحة الطبقة العاملة لأن القطاع الخاص الديناميكي يوسع الاستثمارات ويوفر فرص عمل ويمنح أجوراً أعلى.‏
وأعتقد أنه آن الأوان لاتخاذ القرار الجريء بالخصخصة المتدرجة والمنتقاة بعد الإصلاح المقترح أعلاه على أن يتم ذلك بشكل منهجي وبضوابط تبعدنا عن الفساد خلال عملية الخصخصة وتحمينا من سيطرة رأسمال الأجنبي على اقتصادنا الوطني من خلالها. ولنستعد لها من خلال إقامة شبكات الحماية الاجتماعية اللازمة ومراكز التدريب والتأهيل والتعامل مع مشكلة العمالة الفائضة .‏
لقد آن الأوان لحسم قضية العام والخاص في سورية والشراكة بينهما, حتى نستطيع التفرغ لوضع السياسات والاستراتيجيات لتطوير قطاع الصناعة والارتقاء به إلى المستويات العالمية, وكذلك التفرغ لتطوير القطاع الخاص ورفع مستوى مؤسساته, حتى يستطيع ريادة الصناعة والقيام بالاستثمارات الكبيرة اللازمة لإدماج الصناعة السورية في الاقتصاد العالمي.‏
وكم أتمنى أن يأتي اليوم الذي تتحول فيه وزارة الصناعة من وزارة غارقة في حل المشكلات الإنتاجية والإدارية للقطاع العام الصناعي إلى وزارة تلعب دوراً تدخلياً استراتيجياً في كل من: - وضع الاستراتيجيات والسياسات لتطوير قطاع الصناعة. - تحديد فروع الصناعات وفرص الاستثمار الصناعي المتفقة مع الاستراتيجيات أعلاه. - تطوير المهارات الصناعية وتطوير رأس المال البشري في الصناعة. - تعزيز المنافسة ومنع الاحتكار.- تعزيز القدرات التنكولوجية الصناعية ونشاط البحث والتطوير لدى المؤسسات الإنتاجية. - تعزيز استخدام أدوات وأنظمة الICT من قبل الصناعيين. - وإقامة الحاضنات التكنولوجية وتطوير المدن الصناعية

 


حازم شعار- سوسن خليفة

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...