أحلام الغزاويين الطائرة

25-06-2009

أحلام الغزاويين الطائرة

اليوم باكرا جلست تحت  الشمس في حقل يبعد 700 مترا فقط عن حدود غزة مع إسرائيل ، كنت أصور صغار الغزاويين و هم يطلقون طائراتهم الورقية عاليا فوق الشاحنات الإسرائيلية المصفحة هناك بعيدا عند سياج الأسلاك الشائكة.
و عندما هممت بمغادرة الحقل حاول الشبان الصغار دفعي إلى بيوتهم للقاء والداتهم ، وأعطيت رقم هاتفي الجوال لبعض الأصدقاء الجدد. لم يكن بيننا لغة مشتركة و لكنهم لا يزالون يرسلون إشارات رقمية خارجا نحو الفضاء لكي ترتد ثانية عبر تلك الحدود و منها لهاتفي. لقد بددوا  مبالغا قيمة على هواتفهم النقالة فقط لكي تسمع أصواتهم ، ليشعروا بالتواصل مع أحد ما يعرف العالم الكامن  وراء الأسلاك الشائكة و السفن و الشاحنات و الرصاص و القنابل.
أخبرني صديق بأن الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش قال مرة بأنه كل ليلة قبل الاستسلام للنوم يمشي في خياله عبر شوارع مدينته المسروقة "البروه" ، كل ليلة كان يتذكر أبواب كل المنازل ، كل اللافتات ، كل التفاصيل في حيه المفقود . و أكثر من غزاوي أخبروني بأنهم يعيشون  روتينا ليليا مشابها باستثناء أنهم عندما يغلقون أعينهم يطيرون من أسرتهم عبر النوافذ إلى ما وراء أضواء السفن الإسرائيلية و الشاحنات المدرعة ، عاليا نحو سماء الليل أحرارا يجوبون العالم . يغلق شعب غزة أعينهم ليزوروا مدننا الكبيرة و دائما يحلم الغزاويون بالطيران .
بعد أن غادرت الحدود مشيت على طول الشاطئ قريبا من المنزل الذي كنت أقطن فيه . لقد انتهت الامتحانات اليوم و ازدحم الشاطئ بالعائلات و فوقها نقطت  السماء بطائرات ورقية محلية ، إذ يصنع الفتية الفلسطينيون طائراتهم من الأكياس البلاستيكية المهملة و يخيطون  قصاصات من صفحات الدفاتر المستخدمة لصنع الذيل الطويل و يربطون الأكياس ضمن إطار صنع من العصي . و تحمل تلك الطائرات تفاصيل خاصة و جميلة  فترى الأسطر المكتوبة من الواجبات المدرسية تتراقص مع الذيل و على الأكياس تلصق صورة شيخ أو قائد سياسي محبوب أو نجم مشهور بحيث تطل تلك الوجوه عاليا من السماء على البحر و الشاطئ.
و في كل مكان تذهب ترى هذه الطائرات الورقية ، في كوبا معظم الرسومات  تظهر قواربا كرمز  لنجاة أهل تلك الجزيرة من الحصار القاسي من قبل أميركيا و شركائها .و لكن هنا الماء هو رمز النجاة و عندما يذهب الغزاويون إلى البحر للنجاة ينظرون عاليا نحو السماء إلى ما فوق السفن الإسرائيلية الحاضرة دائما.
في الأمس عبرنا مبنى الخطوط الجوية الفلسطينية المقفل منذ قصف الإسرائيليين لمطار غزة خلال الانتفاضة الثانية عام 2001 .و رغم كونه غير ذي أهمية بالنسبة لشعب غزة منذ حوالي العقد فان لافتته الفخمة  لا تزال باقية .
كل الذين  قابلتهم  ممن فوق الثامنة عشرة يدرسون في الجامعة و لكن و مع وصول نسبة البطالة بسبب الحصار إلى 80 % فان الأمل معدوم بالحصول على عمل هنا. لذا يجلس الناس عند الشاطئ ينظرون إلى السماء فوق البحر و ينتظرون أجنحتهم.
مستعدة أنا لدفع  أي شيء مقابل الحصول على المزيد من الوقت هنا و لكني  لا أعرف إحباط السفر إلى رفح و العودة أدراج الريح، إذ أنني بجواز سفري الأميركي أستطيع العبور حتى و لو احتاج الأمر بضعة أيام .
ومع صوت آذان الصباح  عند تسللي إلى سريري محاطة بجيران يحلمون بالطيران كانت أحلامي و لأول مرة تطير أيضا . حلمت بشرف أن أثبت بطائرة ورقية و أرمى في الهواء لأطوف فوق البحر الأبيض المتوسط تقودني أيدي غزاوية صغيرة تمسك بنهاية خيط طويل جدا.


*كاتبة المقال هي ايميلي راتنير إعلامية تعيش في نيو اوريانز الأميركية و حديثا سافرت إلى غزة مع وفد يضم صحفيين و نقابيين و ناشطين في مجال حقوق الإنسان.

 

ترجمة: رندة القاسم


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...