«فلافل النازحين» رواية سماح إدريس للفتيان: ثمن الوعي

29-01-2011

«فلافل النازحين» رواية سماح إدريس للفتيان: ثمن الوعي

«فلافل النازحين» رواية للفتيان والفتيات كتبها سماح إدريس (صدرت عن دار الآداب) هي أقرب للسيرة الذاتية كونها تعكس جزءا من حياة الكاتب الخاصة ونشاطاته النضالية والحزبية.
تبدأ الرواية بتساؤلات وردة الفتاة الصغيرة التي تعاني من الأرق بسبب خصام والديها ويخلق ذلك لديها قلقا، يغدو الطلاق هاجسها. تسأل والديها باستمرار عن هذا الموضوع، وتحاول أن تصالحهما بعد كل معركة. وبالاضافة الى قلق وردة على أبويها، هي دائمة القلق على أصدقائها تتوجس من غيابهم.
تعرّف الأب عدنان (والد وردة ورامي) الى زوجته جوسلين أثناء حضورها ندوة كان يشترك فيها عن الانتفاضة الأولى في فلسطين، وأعلنت رغبتها في تنظيم ندوات قادمة عن الموضوع. كان عدنان يصرف معظم وقته في الاجتماعات السياسية أو تنظيم ندوات ومسيرات، ولم تقتصر اهتماماته على السياسة، بل تعدتها الى الشؤون الاجتماعية ووضع المرأة خاصة في العالم العربي، وعرّف جوسلين على بعض الكتب التي تتناول حرية المرأة أثناء فترة خطوبتهما .
خاض عدنان معارك مع أهله من أجل الزواج بجوسلين الفتاة المسيحية. لذلك كان من الصعب عليه تقبل فكرة الطلاق الذي طالبته به زوجته في ما بعد. فهو عارض أمه التي رفضت زواجه من امرأة تكبره سنا، اعتقادا منها أن المرأة تظهر عليها ملامح الشيخوخة أسرع من الرجل، وكذلك عارض والده الذي رفض أن يتزوج ابنه زواجا مدنيا في قبرص، مفضلا الزواج الديني ومعارك أخرى بعد الزواج. كل هذه العواصف دفعت عدنان الى التمسك بزواجه أكثر، معتبرا ذلك امتحانا لصلابة مبادئه.
حصول جوسلين على وظيفة في الجامعة زاد تأزم الأمور بين الزوجين. فمن جهة حسّن هذا الأمر حالتهما المادية، ومن جهة أخرى لم تعد جوسلين تولي اهتماما كافيا للأمور المنزلية وتربية الولدين والانتباه للكلب سعيدون، فانتقدها عدنان، لكنها اتهمته بالازدواجية لأنه لا يطبق أفكاره التقدمية في تعامله معها. يجلب لها عدنان خادمة لكنها تصرفها بعدما قرأت تحقيقا عن ابتزاز اللبنانيين للخادمات الأجنبيات. ذلك وغيره من العوامل فاقم المشاكل بينهما... الى أن يتفقا بعد سنوات على حل وسط وهو أن يأتيا بعاملة منزل ثلاث مرات في الأسبوع وأن يتشاركا في ما تبقى من أعمال البيت. اعجاب عدنان بجوسلين وتقديره لها وكذلك خوفه من المجهول كانت تحول أيضا بينه وبين الطلاق.
وكون الرواية بأصوات متعددة، ثمة حكاية عن غرام بين وردة ابنة عدنان والصبي يوسف رفيقها في المدرسة تنضح بالبراءة وتكشف عراقة وبراعة في غوص الكاتب على نفسية الأطفال.
وفي الرواية تطرق الى الصراع الاجتماعي بين المبادئ التقدمية التي يطرحها الكاتب وبين تمسكه بجذوره التفليدية، وتعكس الرواية جوانب من الصراع مع اسرائيل وبعض أحداثها تدور أثناء حرب تموز 2006.
يذهب عدنان وجوسلين مع ولدهما وردة ورامي الى حديقة الصنائع في مدينة بيروت أثناء حرب تموز حيث حماسة الاندفاع الى مساعدة الآخرين تتداخل مع الخوف والحذر. يقوم الأبوان بمساعدة النازحين ويدفعان بولديهما الى التبرع بألعابهم .
تتعرف العائلة هناك الى حوراء، الفتاة الجنوبية التي لا تعرف شيئا عن مصير أمها التي بقيت في الجنوب بعدما نزحت وأباها الى بيروت. ولا تلبث أن تجتمع العائلة الجنوبية (حوراء وأمها وأبوها) في آخر أسبوع من الحرب عندما تقصف منطقة الشياح.
عندما تنتهي الحرب وتلتقي وردة بأصدقائها من جديد في المدرسة، يخبرونها أنهم أمضوا عطلة سعيدة في فرنسا أو أمركا. تخجل من أن تخبرهم أنها أمضت الحرب في الصنائع، تخجل من التكلم عن الوطنية والمسؤولية اللتين علمها اياهما والداها، وتشعر بالغضب ازاء والديها اللذين عرضاها للخطر أثناء الحرب. وتقول لأصدقائها انها أمضت العطلة في أميركا عند ابنة خالتها.
ثم تندم بعد ذلك لكونها تستمتع بمساعدة الآخرين أكثر من استمتاعها بديزني لاند، وتخبرنا أنها بدأت تزور قرى جنوبية بعد انسحاب الاسرائيليين منها وتتشارك هناك تقديم المسرحيات مع الأولاد.
الرواية تارة بصوت الأب وطورا بصوت وردة أو جوسلين أو حتى الكلب سعيدون الذي يدخل في الرواية كفرد من أفراد العائلة يتكلم ويعاني أثناء الحرب لكونه اشتاق لحبيبته ميمي فيلاقيها بعد طول غياب ويتفقد جرحها ويشعر بالغيرة كونها تعرفت الى غيره من الكلاب.
الرواية لا تحترم الترتيب الكرونولوجي، الأحداث تتأرجح على خط الزمن.
صدق وشفافية يطبعان الرواية. تبيّن هذه للشبان الوجه الحقيقي لكثير من التجارب التي يغشاها عادة حجاب الزيف والتهرّب، بأسلوب طليّ سلس متدفّق.

زهرة مرعي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...