1100 وباء في القرن الحادي والعشرين والعرب في منطقة الخطر

23-11-2007

1100 وباء في القرن الحادي والعشرين والعرب في منطقة الخطر

يتوقع تقرير نشرته «منظمة الصحة العالمية» أخيراً تحت عنوان: «مستقبل أكثر أمناً: أمن الصحة العمومية في القرن الحادي والعشرين» أن تشهد السنوات المقبلة من القرن الحالي موجات من الأمراض والأوبئة تتعدى بكثير تلك التي شهدتها قرون طويلة ماضية. وفي سابقة تاريخية، يطلق التقرير إنذاراً يحض فيه الحكومات والدول والمنظمات المعنية بالصحة العامة، على اتخاذ الاجراءات الوقائية والعلاجية كافة للحيلولة دون انتقال عدوى هذه الأمراض، وخصوصاً الأوبئة الحديثة النشأة (مثل الإيدز وسارس وانفلونزا الطيور) التي تنتشر بوتيرة غير مسبوقة وتعبر من بلد إلى آخر ومن قارة إلى اخرى.

يؤكد التقرير «أن لا شيء يشير إلى ان الحالة الصحية الراهنة للناس على كوكب الأرض تبعث على الاطمئنان». فخلال السنوات الماضية من هذا القرن ظهرت بين الحين والآخر أمراض لا عهد للبشرية بها من قبل، ولم تتمكن الدفاعات التقليدية من توفير العلاجات الشافية لها. وأحصت «منظمة الصحة العالمية» نحو 40 مرضاً ووباء منها ما ينتقل مباشرة من شخص إلى آخر كفيروس الايدز ومنها بطريقة العدوى غير المباشرة كفيروس الالتهاب الرئوي الحاد الذي أصاب أكثر من بليوني شخص أثناء تنقلاتهم وأسفارهم.

ويشير التقرير إلى ان الكثير من الأمراض والأوبئة الموروثة من قرون خلت لا تزال منتشرة، وأن مخاطرها تتفاقم عاماً بعد عام، والى أن مقاومتها لم تكن مجدية؛ وخصوصاً على الأقل في بلدان العالم الثالث. ومن الأمثلة على تلك الأوبئة القديمة الكوليرا والطاعون والحمى الراجعة والجدري والتيفوس والحمى الصفراء وغيرها. أما القرن الحادي والعشرون فقد شهد أكثر من 1100 وباء خلال السنوات الست الماضية وبمعدل مرض مُعد جديد كل عام تقريباً. وتذكر «منظمة الصحة العالمية» ان مجموعة من تلك الأمراض غير المعروفة سابقاً انبثقت بأثر من التغيرات المناخية وتقلّباتها المفاجئة والتلوث البيئي والصناعي والتنقل والسكن والنمو الديموغرافي واستيطان مناطق كانت غير مأهولة سابقاً واستثمار الزراعة المكثفة والتدهور البيئي وانبعاث الاشعاعات الذرية والمواد السامة واساءة استخدام مضادات الميكروبات وازدياد الاعتماد على المواد الكيماوية وتصنيع الاغذية وتلوث بعض مكوناتها الأساسية وعولمة التسويق والتوزيع وغيرها. كما تورد أن هذه الأمراض تهدد ملايين البشر، كما تقدر على إحداث «موجة من الذعر العالمي لدى الشعوب والدول والمنظمات العالمية؛ إضافة إلى أن أصداءها المأسوية لم تكن اقل سوءاً من الكوارث الاقتصادية والطبيعية وأن تداعيات الأمن الصحي تنسحب أيضاً على الأمن السياسي والتجاري والسياحي والغذائي»، على حد تعبير مارغريت تشان المديرة العامة لـ «منظمة الصحة العالمية».

ويرى التقرير عينه أن ابرز التهديدات الصحية في هذا العصر تتمثل في ثلاث موجات فتاكة. يأتي في طليعتها الارهاب البيولوجي الذي برزت دلائله مع ظهور الحالات الأولى لـ «الجمرة الخبيثة» («أنثراكس» Anthrax) عام 2001 في الولايات المتحدة الاميركية عبر رسائل بريدية احتوت على تلك المادة القاتلة. ويحل في المرتبة الثانية ظهور مرض «سارس» عام 2003 الذي يحدث صعوبة بالغة في التنفس وتنتشر عدواه عبر حركة السفر العالمية وما يرافقها من تنقل الأفراد بين مناطق جغرافية متباعدة. وأخيراً، ظهور نفايات عام 2006 قدرت بنحو 500 طن في ساحل العاج، أسفرت عن بعض الوفيات عند نقلها عبر السفن التجارية غير الشرعية. وتضاف الى تلك القائمة أشياء مثل الخوف من احتمال هجوم بيولوجي بواسطة فيروس الجدري. وفي تعليقه على تلك التهديدات، يلمّح التقرير المُشار إليه آنفاً إلى أن «ليس هناك من بلد سواء كان غنياً ام متقدماً، يمكنه وحده ان يتدخل او يحد او يقاوم مجموع هذه التهديدات التي ترخي بظلالها على الصحة العامة... إن اي وباء من هذه الأوبئة الثلاثة قد يحصل في دولة فينتشر بسرعة في دول أخرى ويصبح بالتالي وباء عالمياً في غضون ساعات او أيام معدودة».

ينطلق التقرير من الحرص على «العناية القصوى بمسألة الحفاظ على الأمن الصحي العالمي الذي لا يمكن تحقيقه الا بالتعاون والتضامن الدوليين». ويوضح أن «منظمة الصحة العالمية» تُطلق صفارة الإنذار لمواجهة الأوبئة المحتملة، وكذلك لـ «مراجعة النظم الصحية العالمية وتطويرها عبر صوغ استراتيجية صحية عالمية جديدة تقضي باتخاذ سلسلة من التدابير والإجراءات الوقائية والعلاجية وتبادل المعلومات بين الدول الأعضاء واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة؛ وتشكيل لجنة طوارئ جاهزة للانعقاد عند ظهور اي تهديد جدي للصحة في اي دولة». كما يدعو الى إنشاء مخزون صحي احتياطي لمساعدة الدول الفقيرة ومراجعة الكثير من القوانين التي لا تزال تبيح استعمال بعض الأدوية الفاسدة وسحبها من التداول اليومي. وينهي التقرير توصياته بفقرة تؤكد أهمية «تأهيل الكوادر الصحية، والقيام بالمزيد من الابحاث الطبية والعلمية وتحسين وسائل المراقبة والتدخل السريع في الحالات الطارئة»، مشيراً إلى «ان أي عمل لا يؤمّن سلامة الصحة العالمية سيمنى بالفشل، وان اللقاحات والعلاجات والتجهيزات وتشخيص الأمراض تبقى من دون أي فائدة اذا لم تكن متوافرة للجميع . فهناك الكثير من الحالات المميتة كان يمكن تجنبها لو توافر الحد الادنى من التضامن الدولي».

يشير التقرير أيضاً إلى ان المنطقة العربية ليست بمنأى عن هذه التهديدات والمخاطر. إذ تُشكل الأمراض المعدية فيها السبب الرئيس للوفيات بمعدل 32 في المئة. ومن أهمها مرض الايدز الذي يقدر عدد المصابين به بحوالى 700 ألف شخص، لذا يدعو الى معالجة فيروس الايدز، خصوصاً ان بعض الدول العربية دخل ما يسمى «مرحلة الوباء» مثل جيبوتي والسودان. وكذلك يلفت التقرير إلى انتشار بعض الأوبئة القديمة التي لا تزال تفتقر إلى العلاج الشافي، مثل السل والملاريا وشلل الاطفال. وتشير الإحصاءات إلى ان مرض السل يضرب المنطقة العربية بنحو 600 الف إصابة سنوياً، والملاريا بنحو 15 مليون إصابة. إضافة الى أمراض الطفولة المتنوعة التي تؤدي إلى وفاة نحو 250 ألف طفل سنوياً في الدول العربية، وهو معدل مرتفع وفق المقاييس الدولية. ويخلص التقرير إلى ان الأمن الصحي العربي ما زال دون المستوى المطلوب عالمياً على رغم توافر سبل الوقاية واللقاحات والعلاجات إلى حد كبير.

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...