من صناعة الرئيس إلى صناعة الفراغ: قصر بعبدا في مواجهة حرب الظل

26-07-2008

من صناعة الرئيس إلى صناعة الفراغ: قصر بعبدا في مواجهة حرب الظل

الجمل: تزايدت المصاعب والعراقيل أمام الرئيس اللبناني ميشيل سليمان وعلى ما يبدو فإن قصر بعبدا سيواجه ما يمكن أن يوصف بعملية سحب البساط المنظمة التي بدأت تقوم بها بعض القوى السياسية اللبنانية.
* قصر بعبدا في مواجهة "حرب الظل":
يتكون البناء المؤسسي لأي دولة من وجود ثلاثة هياكل مؤسسية تتمثل في السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وينسجم أداء الدولة كلما انسجمت العلاقة بين هذه المكونات الثلاثة ومن المعروف أن الأزمة اللبنانية قد نشطت مفاعيلها على خلفية عدم انسجام هذه المكونات على النحو الذي ترتب عليه نشوء التعاون المؤدي للتوافق وتكامل المصالح.
عجزت الدولة اللبنانية المعاصرة عن القيام بعملية نشر السلطة بما ترتب عليه نشوء فراغ القوة والسلطة، والذي في الحالة اللبنانية شكل السبب الرئيسي وراء ما نشهده الآن، ويمكن تفكيك الفراغ اللبناني إلى جملة من المكونات الفرعية والتي تتضمن الآتي:
• فراغ السلة التشريعية الذي نشأ بفعل لجوء القوى السياسية اللبنانية إلى بناء تكتلات الظل خارج الأطر المؤسسية ثم التحرك بعد ذلك لتوجيه السلطة التشريعية، ولا تمثل الأحزاب السياسية اللبنانية استثناءاً من ذلك طالما أن بعض النخب وجماعات المصالح تسيطر وتوجه هذه الأحزاب من الداخل.
• فراغ السلطة التنفيذية الذي نشأ بفعل ارتباط عناصر هذه السلطة بالكتل السياسية وجماعات المصالح وما شابه ذلك، على النحو الذي أدى إلى تقليل فعالية صنع القرار التنفيذي.
• فراغ السلطة القضائية الذي نشأ بفعل عدم وجود محكمة دستورية عليا، الأمر الذي أدى إلى جعل القضاء اللبناني يشبه حالة الجسد المقطوع الرأس، وكما هو معروف فإن النخب السياسية اللبنانية قد عمدت إلى عرقلة ملف تكوين المحكمة الدستورية العليا والهدف من ذلك هو عدم السماح بوجود مرجعية دستورية، يمكن أن تتدخل لفض الخلافات وهو الأمر الذي لا ترغب فيه هذه النخب وجماعات المصالح التي أكدت الوقائع والدلائل على مدى استفادتها من الخلافات والنزاعات.
* من "صناعة الرئيس" إلى "صناعة الفراغ":
من المعروف أن الرئيس اللبناني يتم اختياره على خلفية المشاورات والتفاهمات بين الكتل السياسية وقد أدى ذلك، إلى بروز ما يعرف بالقوى التي تقوم بصناعة الرئيس بما ترتب عليه صعود نفوذ هذه القوى ليس في عملية صناعة الرئيس وحسب، وإنما على أداء وسلطة الرئيس وصلاحياته كذلك، وقد برعت النخب اللبنانية في ممارسة الضغوط على الرؤساء اللبنانيين إلا الرئيس إميل لحود الذي استقل برأيه وأعلن تمرده على "قوى الموالاة" عندما أدرك أن توجهاتها سوف لن تؤدي إلا على تآكل السيادة الوطنية اللبنانية وإدخال لبنان ضمن دائرة أجندة المشروعات الدولية.
اتفقت القوى السياسية اللبنانية على الرئيس اللبناني الجديد وتمت بعد توقيع اتفاق الدوحة عملية صنع الرئيس الجديد، ولكن بعد ذلك سرعان ما بدت الموالاة تنفيذ خطة برمجة سلطات الرئيس سليمان بما يؤدي لفرض المزيد من القيود على حرية قصر بعبدا وعملية صنع واتخاذ القرار.
المشروطيات والقيود المتشددة التي تحاول قوى 14 آذار (الموالاة) فرضها على برنامج الحكومة اللبنانية والسلطة التنفيذية، وإذا نظرنا إلى هذه المشروطيات والقيود على خلفية سيطرة قوى 14 آذار على مجلس النواب (السلطة التشريعية) فإنه يتبين لنا أن الأهداف الرئيسية غير المعلنة لهذه القوى تتمثل في الآتي:
• وضع سلطة قصر بعبدا (الرئيس اللبناني) بين مطرقة السلطة التشريعية (مجلس النواب) وسندان السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء).
• إبطال مفعول الثلث الضامن الذي حصلت عليه المعارضة وبكلمات أخرى، تسعى قوى الموالاة إلى تنفيذ عملية استباقية يترتب عليها إدماج توجهات قوى 14 آذار ضمن برنامج الحكومة الجديدة بحيث لا تجد المعارضة أي فرصة لاستخدام حق الثلث الضامن، طالما أن القضايا الخلافية قد تم حلها مسبقاً بإدراجها ضمن برنامج الحكومة الذي سيكون ملزماً للجميع.
• الدفع باتجاه تمهيد المسرح اللبناني لمواجهة بين قصر بعبدا (الرئيس) والمعارضة اللبنانية (حزب الله وحركة أمل وبقية فصائل المقاومة).
• القضاء على استقلالية قصر بعبدا (الرئيس) عن طريق إلزامه إما بالمضي في مسار تنفيذ أجندة قوى 14 آذار بما يؤدي إلى توتير العلاقات مع سوريا والمواجهة مع حزب الله، أو الاستقلالية.
تصعيد قوى 14 آذار لحملتها المتشددة هو أمر يهدف إلى بناء سيناريو وجود رئيس لبناني يجلس على الفراغ، وبكلمات أخرى، الهدف هو:
• إمساك زعماء قوى 14 آذار بزمام المبادرة والسيطرة في كل ما يتعلق بعملية صنع واتخاذ القرار في السياستين الداخلية والخارجية.
• "قصقصة" أجنحة الرئيس الجديد بحيث يفقد أي قدرة على الحركة والتحليق صوب فضاء بناء العلاقات والروابط السورية – اللبنانية.
• تسيير الرئيس الجديد وفق خارطة طريق قوى 14 آذار.
إن نشوء ظاهرة الرئيس اللبناني الذي يجلس على الفراغ ستترتب عليها المزيد من التفاعلات الخطيرة وذلك لأن السلطة الفعلية تكون في يد "جماعات الظل" التي سيعاني منها اللبنانيون كثيراً إن تركوها تستفحل وتفرض سيطرتها على عملية صنع واتخاذ القرارات السيادية التي قد تتجاوز تداعياتها حدود الدولة اللبنانية.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...