مصير أردوغان بيد المتأثرين بالربيع العربي بالمقلوب

03-06-2013

مصير أردوغان بيد المتأثرين بالربيع العربي بالمقلوب

عندما أعلنت الحكومة التركية بقيادة رئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان، عن خطّة لتطوير ميدان "تقسيم" في وسط إسطنبول، كانت تظنّ أنّ أي حركة إعتراضيّة قد تنشأ، لن تتجاوز تظاهرة صغيرة تقليديّة، لتعود بعدها الأمور إلى طبيعتها. لكن هذا لم يحصل، وكان لافتاً توسّع التظاهرات سريعاً، وزيادة حدّتها وحجم الحشود الشعبيّة المشاركة فيها، وكذلك إنتقال شرارتها من إسطنبول إلى مدن تركيّة عدّة بسرعة. فما هي الأسباب الحقيقيّة وراء ذلك؟
الأكيد أنّ ما حصل ليس حركة إعتراضية من أنصار البيئة، إحتجاجاً على عزم الحكومة على إقتلاع عدد من أشجار حديقة "تقسيم"، ولا رفضاً لإقامة أحد المشاريع التجاريّة الضخمة على حساب أماكن عيش بعض السكّان المحلّيين، ولا حتى نتيجة الإستخدام المفرط للقوّة من قبل قوّات الشرطة ضد أولى التظاهرات المعارضة، بل هو بكل بساطة مواجهة جديدة بين أنصار العلمانية في تركيا، وأنصار الحكومة الإسلاميّة التوجّه.
فمشروع الحكومة التطويري لساحة "تقسيم" يقضي بإعادة بناء قلعة عثمانيّة كانت قائمة في المكان، قبل أن تُهدم في عهد مصطفى كمال أتاتورك، مؤسّس نظام تركيا الحديثة. وإذا كان من شأن المشروع إعادة الرونق التاريخي لاسطنبول، فإنّ المتظاهرين رأوا فيه تهديداً صريحاً ومباشراً للعلمانيّة. وتأتي الخطوة بعد نجاح البرلمان التركي الحالي منذ بضعة أيّام، في إقرار قانون يحظّر على شركات بيع الكحول الترويج لها إعلانياً، ويمنع المتاجر التي تبيعها من عرضها بشكل علني. كما تجرّأ أردوغان على اتخاذ خطوات تحدّ من الدور السياسي للجيش التركي، ونجح في سنّ قوانين لذلك، خاصة التعديلات الدستورية التي جرى التصويت عليها إيجاباً سنة 2010، بحجّة العمل على إزالة العقبات أمام انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي، الأمر الذي لم يرق لعدد كبير من ضباط الجيش. وليس سرّاً أنّ السلطات التركية ألقت القبض على نحو 250 ضابطاً في الجيش التركي في السنوات العشر الماضية من حكم أردوغان (منذ 14 آذار 2003)، بتهمة "التآمر" على النظام والعمل على الإطاحة بالحكومة. وأصلاً الصراع بين الجيش والسلطة في تركيا، كان دائماً عرضة لعمليّة شدّ حبال منذ العام 1960. وللتذكير، قام الجيش على مدى نحو نصف قرن، بإطاحة أكثر من حكومة ومن مسؤول سياسي، غالباً بحجّة تهديد علمانية البلاد.

إشارة إلى أنّه وبسبب سرعة إنتشار التظاهرات في أنحاء مختلفة من تركيا، لم يستبعد مراقبون غربيّون أنّ تكون بعض أجهزة الجيش التركي، لا سيّما منها أجهزة الإستخبارات، محرّكة خفّية لما حدث ويحدث، في محاولة للوقوف بوجه إجراءات حكومة أردوغان لأسلمة البلاد أكثر فأكثر. ومن بين النظريّات المطروحة هو العمل من خلف الكواليس لتحريك كل القوى العلمانيّة في البلاد، ودفعها إلى تعميم الفوضى الدمويّة في تركيا، الأمر الذي سيدفع الجيش للتدخّل لإعادة فرض الأمن بالقوّة، وربّما إعلان حال الطوارئ والسيطرة على البلاد. وإنطلاقاً من هذه الخشية، يتردّد أردوغان في تحريك مناصريه ومناصري التيّارات الإسلاميّة في البلاد، لأنّ سياسة "شارع ضد شارع" قد تؤدّي إلى إنفلات الأمور من كل الضوابط، وتفتح الطريق أمام تدخّل عسكري للجيش. لذلك، فضّل التريّث في بتّ هذا الإجراء، واختار التراجع خطوة إلى الوراء، عبر سحب قوّات الشرطة من ساحة "تقسيم". لكن المعارضة ومن خلفها سارعوا إلى رفع سقف مطالبهم، حيث بدأوا بالمطالبة بإستقالة أردوغان، واصفين إيّاه بالديكتاتور.
إذن، المشكلة الحالية في تركيا ليست بخلفيّة بيئية أو تجاريّة، بل هي عبارة عن صراع متجدّد بين "العلمانيّين" من جهة، و"الإسلاميّين" من جهة أخرى. وهذا ما يفسّر إنحياز القوى العلمانية في الدول العربيّة التي شهدت أخيراً ثورات على الحكّام، إلى جانب المتظاهرين الأتراك، بعكس الحكومات فيه، لأنّ ما تشهده تركيا هو "ثورة" لكن بالمقلوب، أيّ على القوى الإسلاميّة وليس من قبلها! فتركيا تشهد اليوم محاولة لقصّ جناح "التيار الإسلامي" فيها، وهذا الأمر سيناسب بالطبع الحكم في سوريا مثلاً الذي كان من أوّل المسارعين إلى الإستهزاء بأردوغان عبر تحذير السوريّين من خطورة التوجّه إلى تركيا، وعبر مطالبته – كما فعل هو نفسه – بالإستجابة لمطالب الشعب والإستقالة.
وفي الختام، لا يمكن التكهّن من اليوم بالشكل الذي ستأخذه المشاكل الحالية في تركيا في الأيام المقبلة، حيث أنّ الصراع بين "العلمانيّين" و"الإسلاميّين" مفتوح على أكثر من خيار. والأمور ستتضح تبعاً لموقف قيادة الجيش التركي الذي يجب رصده، لأنّه وحده يحدّد بوصلة الأزمة، فإمّا يكون محايداً بشكل جدّي وفعلي، بحيث يسمح لأردوغان بإطفاء الحركة الإعتراضيّة ضدّه خلال أيّام، وإما يكون منحازاً إلى جانب المتظاهرين، فتشهد تركيا عندها تصاعداً لوتيرة الأحداث، وربّما أزمة حادة قد تنتهي بانقلاب عسكري!

ناجي س. البستاني

المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...