مستقبل الغلاء في 2008

27-01-2008

مستقبل الغلاء في 2008

اعتبر الباحثون الاقتصاديون عام 2007 عام الغلاء بامتياز وذلك على مستوى العالم ككل وقدّر بعضهم استمرار هذه الظاهرة في عام 2008 .

بسبب استمرار ارتفاع أسعار النقط وركود الاقتصاد الأميركي.. وقد لاحظنا على المستوى المحلي ارتفاع الأسعار بشكل كبير عام 2007 لأسباب تتعلق بالاقتصاد العالمي أولاً ولأسباب محلية عديدة ثانياً. ‏

ترى ما رأي الاقتصاديين في ظاهرة ارتفاع الأسعار واستمرارها في عام 2008، هل ستستقر أسعار بعض المنتجات أم ان فورة جديدة من ارتفاع الأسعار سوف نشهدها خلال هذا العام؟! ‏

على مستوى العالم، رأى الدكتور رسلان خضور عميد معهد التخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أن ارتفاع الأسعار سوف يستمر نظراً لاستمرار ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وتأثيرها على تكاليف المنتجات خاصة وأن الطلب العالمي على النفط يزداد بشكل أكبر بكثير من نسبة زيادة الاحتياطيات المكتشفة. كما أن عدم الاستقرار العالمي والسياسة الأميركية وتكاليف الحروب سوف تنعكس على أسعار المنتجات فالمليارات التي تضخ في الحروف سوف تؤثر على تكاليف السلع والخدمات. والعوامل التي أدت الى ارتفاع الأسعار عام 2007 يمكن أن تستمر في هذا العام وإن كان بشكل أبطأ والسبب الرئيسي في ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية عالمياً هو السياسات الزراعية التي تتجه نحو إزالة الدعم بحكم الاتفاقيات الدولية.. ‏

ووجد خضور أن أحد أسباب ارتفاع الأسعار في سورية هو ارتفاع التكاليف وانخفاض الانتاجية حيث لا توجد لدينا شركات كبيرة والتي تعتبر تكاليفها أقل أضف الى ذلك أن مقومات اقتصاد السوق لم تكتمل بعد لذلك ما تزال كثير من المنتجات تخضع للاحتكار ليس من قبل الموزعين الصغار وإنما من قبل المستوردين أو المنتجين وليس لدينا قانون مطبق يمنع الاحتكار. وتوقع الدكتور خضور أن تهدأ الأسعار بالتدريج بعد أن تبدأ مقومات السوق بالاكتمال ، ولكن هذا يتعلق بسياسة الحكومة تجاه الدعم فإذا كانت سياستها مرتجلة وتصوراتها غير واضحة فستكون كارثة على الأسعار.. فليس هناك مشكلة في رفع الدعم فمعظم بلدان العالم ليس لديها دعم والأسعار لديها مستقرة ولكن يجب ايجاد صيغة لتوزيع الأموال التي تنفق على الدعم لتوزيعها على المستهدفين وأشار خضور الى أن أسعار العقارات وخدمات الايجارات يمكن أن تتراجع بسبب كثرة التوظيفات العقارية وتراجع الطلب، أما الأسعار الأخرى فهي تتعلق بالسياسات التي تتبعها الحكومة. ‏

‏ أكد الدكتور عصام خوري الاستاذ في كلية الاقتصاد والتجارة ان عام 2007 تميز بحدوث ارتفاعات في الاسعار وبخاصة في القطاع الانشائي واسعار الاراضي والعقارات. وبدرجة اقل في اسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، وقال الدكتور خوري: «لا اتوقع ان يطرأ تحول جوهري على السياسة الاقتصادية والمالية والظواهر الاقتصادية التي كانت سائدة في العام السابق. فما يزال الاتجاه قائماً في نية الدولة بعدم التدخل في عمليات التسعير والنشاط الاقتصادي في السوق وهناك توجه لترك العوامل الفاعلة في السوق تأخذ ابعادها، وهذا كان له انعكاسات غير ايجابية على المستوى العام للاسعار من جهة وعلى مستوى معيشة العاملين في القطاع العام. ‏

ويجري الحديث عن التوجه لاطلاق الاسعار واكثر من ذلك رفع الدعم ولو بصورة تدريجية دون ان يكون هناك سياسة واضحة لضبط الاسعار واقامة توازن داخلي بين اسعار مختلف المجموعات السلعية في البلاد. ‏

ولا نعلم ان كانت هناك زيادة مناسبة للاجور مقابل ارتفاع الاسعار فالانعكاس السلبي للتضخم على مستويات الدخول سيستمر وربما يكون بدرجة اكثر او اقل. ‏

ورأى خوري ان تخفيض معدل الفائدة في المصارف كان له تأثير واضح في رفع الاسعار حيث ازدادت الكتلة النقدية دون ان تترافق مع ازدياد كمية السلع والخدمات. ‏

وفي هذا العام. سوف يستمر توجه المواطنين للحصول على قروض اكثر لاغراض شراء العقارات او الاراضي او السيارات (في القطاع الانشائي) وهذا سيحرم الزراعة والصناعة من قطاعات التمويل. وقد تصل اسعار المنتجات الانشائية في عام 2008 الى مستوى مرتفع اكثر من اللازم وبالتالي سنعاني من تباطؤ في هذا الارتفاع ومراوحة الاسعار في مكانها وثباتها على الاقل خلال هذا العام. ‏

واردف خوري ان عاملاً مهماً ساهم في ارتفاع الاسعار ويدفع لاستمراريته هو ارتفاع اسعار النفط مما ادى لارتفاع التكاليف. كما ان غياب دور اساسي ومؤثر للحكومة في ضبط ظاهرة ارتفاع الاسعار قد يزداد في الاعوام القادمة ويؤدي الى ارتفاعات اكبر من الازم في الاسعار والى سوء في توزيع الدخل القومي بين الفئات الاجتماعية المختلفة مما ينعكس على حركة التنمية بدرجة او بأخرى. ‏

ولاحظ خوري ان ما نتحدث عنه من حجم الاستثمارات الخارجية يتجاوز الحقيقة فالاستثمارات الاجنبية قليلة ومحدودة كما ان هذه الاستثمارات لها طبيعة تضخمية وتتوجه نحو قطاعات ريعية لتحقيق ارباح سريعة وليس لتحقيق التنمية الاقتصادية في سورية بتطوير القاعدة المادية التحتية في البلاد. ‏

ورأى ان الدولة لم تنجح في ادارة التضخم النقدي او ابطائه وهذا يتناقض مع شعار اقتصاد السوق الاجتماعي والتنمية المستدامة. كما ان الحديث عن رفع الدعم اصبح سيفا مسلطاً يخشاه الناس فهم يعانون ما يكفي من ظاهرة التضخم. ومن الضروري ان يكون لدينا نظرة لتصنيع منتجاتنا محلياً بدلاً من تصدير الخامات واستيراد المشتقات التي فيها قيمة مضافة اكبر. ‏

‏ اما الدكتور مطانيوس حبيب الاستاذ في كلية الاقتصاد فقد اشار الى ان الآراء تضاربت حول ارتفاع الاسعار في عام 2007 فمنهم من يرى ان غياب الحكومة عن ضبط الاسعار كان فرصة للتجار للتصرف في الاسعار كما يشاؤون وهناك تأثير وجود العراقيين كما ان بعض التجار العراقيين استفاد من عطش السوق العراقية للمنتجات السورية من اجل شرائها باسعار مرتفعة وبيعها باسعار مرتفعة. كما ان سوء الاحوال الجوية كانت سبباً في نقص الانتاج وضعف العرض وارتفاع سعر اليورو قياساً بالليرة 23% قياساً بالدولار في عام 2007 ادى الى تضخم التكلفة لمستوردات المواد الاولية. ‏

ورأى حبيب ان تراجع الغلاء في هذا العام لو انه سيحصل فسوف يتراجع قليلاً فقد عودتنا السوق السورية انه عندما يرتفع اي سعر لاي سبب كان لن يعود كما كان عليه في السابق. وفي عام 2008 في ضوء الظروف المناخية الحالية وتأثيرها على الانتاج الزراعي لا اتصور ان تنخفض الاسعار. وقال انه على الحكومة ان تدرس اجراءات تلطيفية لتأثير ارتفاع الاسعار على ذوي الدخل المحدود والمواطن الضعيف اقتصادياً. فقد ارتفعت الاسعار دون رفع الدعم وسيكون رفع الدعم ذريعة لرفع الاسعار وهذا امر طبيعي فرفع الطاقة سوف يرفع الاسعار. وبصرف النظر عن الجانب الاجتماعي فان الدعم هو تشويه لعمل السوق ولا بد من رفعه لكن من الضروري رسم خريطة طريق لتلطيف آثار رفع الدعم السلبية. ورفع الدعم ضرورة لابد منها اقتصاديا لكننا اخترنا نظام اقتصاد السوق وأضفنا عليه «اجتماعي» التزاماً من الحكومة والسلطة السياسية بعدم ترك الضعفاء اقتصادياً لمصيرهم المحتوم في ظل اقتصاد السوق. ‏

وعلى الصعيد العالمي، رأى الدكتور حبيب أن مشكلة الركود في الاقتصاد الأميركي وارتفاع أسعار النفط يهدّد الاقتصاد العالمي بركود شبه مؤكد إذا لم يتمّ معالجة الموضوع مع المصارف المركزية العالمية وصندوق النقد الدولي. ‏

مهما تكن الآراء مختلفة أو متشابهة حول الغلاء وارتفاع الأسعار في عام 2008 فإن تحذيرات كثيرة من تضخم مرتفع على مستوى العالم والمستوى المحلي أطلقت وما زالت تطلق.. لكن من الضروري ايجاد اجراءات مناسبة لحماية الطبقات الضعيفة اقتصادياً من آثار هذا التضخم خاصة في حال أزيل الدعم عن المواد التي تدعمها الحكومة ومنها المشتقات النفطية. ‏

رنا حج إبراهيم

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...