ما هو إسلام، وما هو ليس إسلاماً

02-06-2009

ما هو إسلام، وما هو ليس إسلاماً

 ليس من المهم فقط أن نشرح ما هو الإسلام، ولكن من المهم كذلك التمييز بين ما يحتويه الإسلام ويعنيه، وما ربطه الناس به وعزوه له بصورة خاطئة.
ما هي العلاقة بين الإسلام وتصرفات الذين يمارسون العقيدة الإسلامية؟ برأيي أن هناك العديد من الأمور التي لا تمت إلا بصورة بسيطة إلى الإسلام كدين. ولكنها رغم ذلك منسوبة إليه لأن الناس المرتبطون بها تصادف كونهم مسلمين.
لقد جرى ارتكاب أعمال أصولية معينة من قبل أفراد أو مجموعات من المسلمين باسم الإسلام. إلا أن تلك الأعمال لا تدعمها غالبية المسلمين، ولا يوافَق عليها عادة من قبلهم، رغم أن عدم موافقتهم أحياناً هي غير واضحة بشكل كافٍ بحيث تخلق الانطباع أن المسلمين الأصوليين الذين يقومون بها لا يمثلون بأي شكل من الأشكال أية غالبية مسلمة.
ساهم هذا جميعه بسوء الفهم القائم، إن تتعلق العديد من حالات سوء الفهم هذه برؤى زائفة وليس بالواقع الأكاديمي. ورغم أن بالإمكان في الوقت نفسه النقاش بأن الرؤى تصبح وقائع أكاديمية إذا اعتقد الناس أنها حقيقية.
مسؤولية العلماء من المسلمين وغير المسلمين إذن هي تعريض هذه الرؤى لاختبار الواقع، وخاصة إذا كان ذلك يساعد على توفير منبر عالمي يساعد على إيجاد تفاهم متبادل أفضل وصداقات أقوى عبر الثقافات.
يشكّل الإسلام موضوعاً ساخناً في الغرب، وليس هناك فقط وإنما كذلك في العالم الإسلامي نفسه. يتكلم الكثيرون عنه ولكن عدداً قليلاً هم على علم ومعرفة به. إذا أردت تنظيم حلقة دراسية حول "الديمقراطية في جنوب شرق آسيا"، فقد لا يكون من السهولة بمكان جمع الأموال اللازمة لذلك. ولكن إذا أضفت كلمة "الإسلام" وجعلت الموضوع هو دور الديمقراطية والإسلام في جنوب شرق آسيا فإن فرص نجاحك تصبح أكثر بكثير.
قد يكون من الخطأ، بغض النظر، التأكيد على فكرة أي ارتباط بين الإسلام والتطورات في العالم. يتواجد دائماً خطر أن يصبح الإسلام نوعاً من التركيز والترسيخ، بحيث يضيف إلى سوء الفهم بين المسلمين وغير المسلمين أو بين ما يسمى بالدول الإسلامية وغير الإسلامية.
عندما انتشر الإسلام إلى خارج شبه الجزيرة العربية واتصل مع حضارات وثقافات أخرى، كيّف الإسلام نفسه مع هذه الأقاليم من حيث أن مختلف العادات والتقاليد المحلية لم يجرِ تقبّلها فحسب على أنها لا تتعارض مع عادات وتقاليد الإسلام، ولكن جرى تفسيرها أحياناً فيما بعد من قبل السكان المحليين على أنها متناغمة مع الإسلام، إن لم تكن إسلامية. استمر العديد من المسلمين الجدد بجزء من تقاليدهم السابقة، وبدأوا يناقشون بالتدريج بأن هذه التقاليد كانت في الواقع جزءاً من الإسلام.
يستطيع المرء، بشكل أكثر عمومية، القول أن الإسلام في أجزاء واسعة من إندونيسيا كيّف نفسه مع الثقافات والتقاليد المحلية، أو قام بزرع نفسه فيها، بدلاً من التكيّف مع ثقافة الجزيرة العربية وتقاليدها. ويمكن القول أن ظاهرة مماثلة حصلت في مناطق أخرى مما يعتبر اليوم العالم الإسلامي. يفسر الناس في العديد من الأماكن العادات أو التقاليد المحلية على أنها جزء من الإسلام، بينما هي ليست كذلك في الحقيقة. كذلك تتعايش تفسيرات ومظاهر ثقافية ترتكز على خلفيات ثقافية ودينية مختلفة، سلمياً بشكل عام معاً في إندونيسيا.
لدى دول إسلامية أخرى أمثلة خاصة بها فيما يتعلق بالذات بالثقافة المحلية والإسلام اللذان يعيشان جنباً إلى جنب. ويمكن على سبيل المثال، ملاحظة أنه بينما تُمنع النساء من قيادة السيارات في المملكة العربية السعودية، التي تعتبر محافِظة جداً دينياً، إلا أن النساء يسمح لهن بقيادة السيارات في جمهورية إيران الإسلامية. ليس لهذه الاختلافات أية علاقة بالإسلام نفسه، وإنما بثقافات مختلفة موجودة في تلك الدول.
وبالمثل، تشكّل معاملة النساء القاسية من قبل الطالبان في أفغانستان انعكاساً للعادات والمواقف القبلية الإقليمية أكثر مما هي جزء من الإسلام. يُلقى الحامض في وجوه النساء في أجزاء واسعة من آسيا، بما فيها الهند وكمبوديا، ويمكن اعتباره أمراً إجرامياً بحتاً. ومن الأمثلة الأخرى ختان النساء، المنتشر بشكل واسع في إفريقيا وما يسمى بجرائم الشرف.
ولكن ذلك لا يمنع أجزاءاً أوسع من العالم غير المسلم من رؤية هذه الأمور على أنها مرتبطة بالإسلام، الأمر الذي يترك انطباعاً غير جيد بشكل عام على المواقف والتوجهات نحو الإسلام في الغرب.
لدى العلماء من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء مسؤولية ليس فقط لشرح القضايا ذات العلاقة حول الإسلام، وإنما كذلك لإيضاح ما لا يتعلق بالإسلام وإنما بعوامل أخرى مثل السياسة والثقافة والتقاليد المحلية. من خلال ذلك، لا يساهم الأكاديميون بجسر هوة سوء الفهم فحسب وإنما كذلك بإصلاح الرؤى غير الدقيقة.
عند تبادل وجهات النظر ضمن إطار حوار عبر الثقافات أو الأديان، لا يتوجب علينا بالضرورة شرح القضايا الدينية بحد ذاتها. ففي نهاية المطاف، من الشائع بين معظم المؤمنين أن يأخذوا بالاعتبار معتقداتهم الشخصية على أنها الأصح والأفضل. الأهم من ذلك كله بحث القيم والمعتقدات السياسية التي قد تشترك بها الأطراف المختلفة.

* الدكتور نيكولاوس فان دام هو سفير هولندا في جاكرتا. هذا المقال جزء من محاضرة عنوانها "الاتجاهات السياسية العالمية ودور الإسلام: المسؤولية الأكاديمية لعلماء المسلمين"، ألقيت في معهد الدراسات الإسلامية في جاكرتا في 29 نيسان/إبريل 2009.


خدمة Common Ground الإخبارية .

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...