قراءة الكـف والفنجان بيـن الحقيقة والوهم

21-04-2019

قراءة الكـف والفنجان بيـن الحقيقة والوهم

بقوافل تجارية على ظهر علوم زائفة من التبصير والتنجيم يدخلون بضاعتهم المطعمة بحلو الكلام وعلقمه، موادها الأولية قاتلة لمن يدمن عليها ويشتريها، تقدم بالمجان حينا لمن يهوى التسلية ويمتلك الوقت، وبحرية ولا مبالاة يهدره.
ولكن بمكان آخر وبأيد أكثر ذكاء يحولون حاجة الآخر بكلمة تفاؤل إلى دولار وقسم كبير يجمع بين التسلية وجني المال من جيوب عامرة به، وغالبية من تدفع بدل لقمة عيشهم، لقمة لا تسد الرمق.


هو عالم مخيف من الغيبيات وقد وضع خطا وهميا ضمن الحياة الإنسانية ليقسمها إلى عالمين، عالم يبدو طبيعيا متوازنا يعيش حياته اليومية بهدوء، وعالم غامض غير مرئي يسقط الأكثرية تقريبا فيه، متوجهين نحو العفن الذي يرفضه العقل والمنطق.تساهم وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة للأسف بشكل كبير بانتشاره والترويج له، ونتائجه خطيرة إزاء تسطح العقول وجرها إلى الهاوية.


هل يمنحون الأمل أم يمنعونه؟


هي مظاهر وممارسات تفشت بالمجتمع بشكل لافت ومخيف، قديمة قدم الإنسانية، فالتسجيلات الأولى لعلم التنجيم تعود إلى الفترة ما بين 4000 و5000 سنة في الحضارات القديمة، وحديثة أصابها التطور والتكنولوجيا وممتدة إلى المستقبل.هو عالم الغيب الذي يحتاجه الإنسان ليحرر نفسه من المسؤولية المرتبطة بعالم الواقع، وطريقة لتفريغ مشاعر الغضب وخيبة الأمل في ظروف سيئة وقاسية يعيش بها.. عبر تقنيات التنجيم الذي يعتبر من العلوم الزائفة بما يسمى علم الأبراج، وقراءة الفنجان، والكف وورق التاروت، والتنويم المغناطيسي، وضرب الودع، والرمل، وعلم الأرقام، ولغة الجسد، والسحر والشعوذة.


هنا نطرح ظاهرة الاهتمام بعلم التنجيم «الأبراج» وقراءة الفنجان والكف التي تنتشر بين أغلبية أفراد مجتمعنا، بل المجتمعات الإنسانية بشكل عام.. فكيف حال تلك «البضاعة» في مجتمعنا وما الحال بين البائع والشاري؟.


بائعو الأمل الكاذب «عبر وسائل التواصل الاجتماعي»


• السيدة عفراء 50 عاما متعلمة وسيدة منزل حدثتنا عن تجربتها بالعمل في مجال التبصير عبر قراءة الأبراج عن بعد، وقراءة صورة فنجان القهوة قائلة: بدأت بقراءة الفنجان والكف، بهدف التسلية، أقرأ لكل صديقاتي وضيوفي في المنزل، وبالمصادفة علمت أن هناك تطبيقات عبر الإنترنت تطلب موظفين وموظفات يبصرون وينجمون بالفنجان والأبراج.. طبعا مكان العمل أو الشركة غير معروف، ومن المؤكد أنه بإحدى الدول المجاورة، وكل ما أعرفه رقم هاتف دفعني فضولي بالبداية للاتصال بهم، ومن ثم تقدمت بطلب للعمل، فتمت الموافقة شرط وضعي مدة أسبوع تحت الاختبار، أتلقى اتصالات مسجلة عبر «واتس اب» على موبايلي، أرد على المتصل المجهول وأقرأ برجه أو صورة فنجانه التي يرسلها لي.. وبعد الأسبوع نفس المتصلين يضعون تقييما لعملي ومدى رضاهم عنه.


نجحت بأن أصبح موظفة وكل يوم يردني عدة اتصالات وأرد عليها صوتيا، وأتلقى أجري المالي عبر حساب مصرفي لا أعرف بشكل شخصي المديرين أو المشرفين على عملي، يسجلون ملاحظاتهم وإرشاداتهم، وشروط محددة التزم بها، وأتقاضى مقابل ذلك أجرا ماديا يصل 2 بالمئة من المبلغ الذي يدفعه الزبون المتصل، والمتصلون من كافة أرجاء الوطن العربي وبلهجات مختلفة، لكن الأغلبية من دول الخليج والاثرياء منهم، حيث قصصهم مرعبة ومقرفة ولا أخلاقية.. وهكذا تدرجت بالعمل والآن أصبحت قادرة على الاستماع إلى قصصهم وحل مشاكلهم، وتربطني بالبعض منهم علاقات مودة وثقة كبيرة «خارج إطار الفنجان والأبراج»، طبعا ممنوع التعامل مع أي منهم خارج التطبيق، والمشرفون يسمعون ويعلمون بكل شيء، والتعامل «ع الخاص» يفقدني عملي فورا.. 

تقول السيدة عفراء أبيعهم الأمل والكلمات التي ترضيهم وتزيد من إرادتهم، مع الوقت أصبحت متمرسة في عملي، وهو باب رزق لي وباب أمل لهم، فما الضرر والشركة هي المستفيد الأكبر من ذلك, فمن 100 دولار يصلني 2-3 دولارات فقط.. فمن المحتال والمسيء أنا أم هم؟.


«إذا كررت الكذب بما فيه الكفاية فسوف يصدقك الناس»


• هدى فتاة ذكية جميلة عمرها 36 عاما دراستها معهد متوسط، تتحدث عن تجربتها فتقول: أعمل موظفة وأقبض مرتبا شهريا بالدولار في أحد الفنادق خارج سورية، عملي التبصير والتنجيم للنزلاء، والزوار ممن يريد ذلك، يعادل دخلي اليومي أحيانا معاش شهر في وظيفة حكومية عادية، زبائني أناس متخمون من كثرة المال، وقلة الحظ بالحياة الاجتماعية، هم يخافون الفشل وخسارة ما حققوه، وآخرون مرهقون نفسيا، كل ما أقرأه لهم بالفنجان والكف والرمل يصدقونه، تدربت على قراءة أفكارهم وتعابير وجوههم، وبدأت أصدق نفسي وأعجب بإتقاني لعملي، زبائني من الوسط الفني أحيانا، ورجال أعمال وتجار، وسيدات طبقات مخملية، وأحيانا يسألونني عن صفقات بملايين الدولارات عما إذا كانوا يقومون بها أو لا، أناس غريبو الأطوار، شهادات ومال ورفاهية ويغرقون بعالم الغيب ويؤمنون به، وما أقوم به مجرد عمل.. عمل فقط.


• بدأت السيدة لميس ربة منزل العمر 55 عاما متعلمة بقراءة الفن


جان بهدف التسلية فقط، تقول طوال حياتي أحب أن أقرأ فنجان القهوة لصديقاتي ومعارفي، هي جلسة تسلية يومية ومع الوقت ازددت شغفا وفضولا وبدأت أقرأ كتبا بعلم الأبراج في المكتبات وعبر الإنترنت وكل ما يساعدني على التمرس وزيادة قدراتي.. بالمصادفة زارتني سيدة غنية وقرأت لها بالفنجان وأعجبت وأذهلها ما قلته لها، أصرت على تقديم هدية مالية كبيرة وشجعتني أن أتابع وتكون باب رزق لي.. وأنا سيدة بلا عمل، أمام ضغط الحياة وغلاء المعيشة بدأت بالتبصير والتنجيم عبر قراءة الأبراج وتوقعاتها، لكنني أقدم للجميع حالة من السعادة والرضى والأمل بالمستقبل، فكلماتي ترفع معنوياتهم وأنني شددت من إرادتهم بقضبان حديد قوية، وسعادتهم بكلامي يسعدني وأشعر أني قدمت خيرا، لا شرا، ومن زبائني من تعيش ببحبوحة أو ثراء فاحش أحيانا، يقدمن لي أجرا يساعدني بحياتي، فأنا لاأضر أحدا.. بل أبيعهم أملا جميلا وتفاؤل.
من المشتري أو المرحب؟


للبائع «المبصر» رأيه.. فماذا عن المشتري صاحب الفنجان والكف؟

• الصحفي علي سليمان يقول فيما يتعلق بالتبصير والأبراج وغيرها من أشكال الادعاء بعلم الغيب، فهي تلاعب وخداع لفظي وبصري ونفسي، يستغل فضول الإنسان الدائم لمعرفة الغيب، ومع أنني لا أؤمن بها، لكن يجذبني الفضول لمعرفة ما تقوله الأبراج وغيرها، كما أنني لست متابعا يوميا، ولكن بالمصادفة هي رغبة لسماع أي جملة تعطي جرعة تفاؤل وطاقة إيجابية.

• السيدة فاطمة محمد العمر48 عاما حاصلة على التعليم الجامعي.. هي لا تصدق هؤلاء المشعوذين ولا تؤمن بالأبراج حسب قولها.. لتضيف ربما غيري يؤمن بها من باب الفضول ومعرفة المستقبل.. لأن علم الغيب لا يعلم به إلا الله أما ما يخص الماضي فهو معروف وليس بحاجة للتنبؤات.

• الطالب الجامعي محمد الحناوي 22 عاما فهو يتابع توقعات رأس السنة والأبراج وقراءة الفنجان ويعتبرها نوعا من الفكاهة التي تستدعي الضحك.. أما آنسة الفيزياء ميرفت قطان 26 عاما فتجدها خزعبلات وضحكا على العقول.


تجربة شخصية


• السيدة ثناء أحمد إجازة جامعية تقول عن تجربتها الشخصية مع هؤلاء المنجمين بأنهم كاذبون ولو صدقوا.. وتقول إن أحدهم توقع لي أن أتزوج من خارج بلدي سورية.. وأنني سأسافر معه.. والمنجم كان مغربيا، ولم يكن له أن سبق ورأني.. وآخر أخبرني أن فراقا سيتم بيني وبين زوجي «من دولة عربية»، ولم أصدقه حينها، وقد حصل فعلا طلاق مرتين وعدنا.. وأعتقد أن التنجيم وعلم الفلك مرتبطان بتاريخ ميلاد الإنسان وساعة ولادته، والأبراج والمجرات الكونية، وهذا مذكور في القرآن الكريم.

وتضيف ثناء كان لي تجربة ثالثة مع سيدة سمعت عنها بأنها تبصر ومشهود لها بصدق كلامها، حيث ذهبت إليها مع أحد زملائي في العمل ليعرف مستقبله مع الفتاة التي يحبها، وقالت له حرفيا هي ليست من نصيبك وسوف تتزوج بشخص آخر وتسافر خارج سورية وهذا ما حصل بالفعل لاحقا هي الآن في ألمانيا.وتتابع ثناء أولادي في سن العشرين ولا فضول عندهم لمعرفة المستقبل ولا يحاولون الذهاب لأحد ليبصر لهم وبرأيهم هؤلاء المبصرون والمنجمون كاذبون، هم يخدعون الناس بغية جني المال.. أما زوجي فرأيه أن هذا حرام ويستند على أحاديث الرسول محمد عليه الصلاة والسلام والقرآن الكريم.. ويعترف أحيانا بصدق توقعات المنجمين.

• السيدة نور متعلمة العمر 30 عاما لم أكن أؤمن بالتبصير ولكن بالمصادفة قرأت سيدة لي فنجاني وهي لا تعرفني وكل ما قالته لي صحيح، فقد أصابني الذهول وبدأت أغير قناعاتي، فربما هؤلاء فعلا يمتلكون قدرات خارقة، أما بالنسبة للأبراج فالبرج الذي يعجبني ويسعدني اعتمده, في كل مرة يتسنى لي الوقت بالاطلاع على الأبراج في الجريدة أو التلفاز أفعل وهي مصادفة وليست عادة دائمة.

• السيد طلال تاجر ألبسة العمر48 عاما يروي ما حصل معه في أحد الأيام فيقول: دخلت سيدة المحل للشراء وجلست تحدق بي، وسألتني هل تحب أن أقرأ لك الكف، بالحقيقة أن لا أؤمن بأن البعض له قدرات ومعرفة طالعي في خطوط الكف.. وافقت وقدمت لي معلومات دقيقة عن شخص وما أمر به من قلق وكانت صادقة «وهنا ازدادت قناعتي» بالتبصير والتنجيم.

• ناهد طالبة جامعية العمر 20 عاما قالت: إذا أردت أن أفكر بعقلي فقط فأنا أعرف أن كل ذلك خزعبلات، ولكن أتمنى معرفة ما يقوله برجي، وفي أي جلسة ومناسبة أتمنى أن أعرف ما يحمله لي الفنجان من معلومات مستقبلية خصوصا إذا كانت إيجابية فهذا شيء يسعدني.

• السيدة ليلى 37 عاما ربة منزل تقول: أؤمن بالحسد والعين فهي مذكورة بالقرآن، ولأنها أمور حصلت معي فعلا، ومن باب التسلية أقرأ الأبراج واستمع لهؤلاء ممن يظهرون على شاشة التلفاز بالمصادفة ولا أتابعهم بشكل خاص.من خلال استطلاع عدد من الآراء ومن مختلف الشرائح، وجدت ما يدعو للتفاؤل فعلا، فأغلبية الأعمار تحت سن العشرين لا يؤمنون بالتنجيم والتبصير ولا يهتمون ولا يصدقون أولئك المدعين.

يدخل الناس لعالم الخرافة من باب التسلية ولكنهم يقعون في فخ التصديق، وقد يصلون حد الإدمان.. يدفع فضول الإنسان وحب معرفة


علينا تأهيل عقول الأشخاص الذين يمتهنون الخرافات أيا كان السبب.

 

 


تحقيق: صبا أحمد يوسف - صحيفة الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...