عوامل انخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية في الاستطلاعات التركية

19-10-2008

عوامل انخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية في الاستطلاعات التركية

الجمل: حملت استطلاعات الرأي التركية الصادرة اليوم خبراً غير سار للثنائي التركي الصاعد أردوغان – غول ولبقية زعماء وأنصار حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي الحاكم، فقد أكدت المعلومات بأن نسبة التأييد للحزب قد انخفضت في أوساط الرأي العام التركي من 50.9% في شهر أيلول إلى 35% في شهر تشرين الأول 2008م.
* أسباب انخفاض شعبية الحزب:
تعتبر ظاهرة التواتر في انخفاض وارتفاع التأييد أمراً متعارفاً عليه في استطلاعات الرأي التي يتم إجراؤها في سائر أنحاء العام وإذا كانت ظاهرة الانخفاض الكبير في نسبة التأييد ممكنة الحدوث ويمكن أن يتعرض لها أي نظام سياسي في العالم، فإن اللافت للنظر والانتباه يتمثل في أن حزب العدالة والتنمية فقد حوالي 15% من التأييد خلال شهر واحد.
تعتبر عملية فقدان التأييد بهذه النسبة من المؤشرات الدالة على احتمالات أن يتدهور الوضع السياسي بقدر أكبر إضافة إلى إمكانية حدوث تغير دراماتيكي في الشارع التركي. وتشير معطيات خبرة علم الإحصاء التطبيقي والتحليلي، وعلى وجه الخصوص الجانب المتعلق بنظريات تفسير السلاسل الزمنية ودراسة واستقصاء وتحليل التقلبات الدورية والفجائية، بأن انخفاض منحنى التأييد للحزب هو انقلاب فجائي في مسار منحني التأييد له والذي يجب أن يكون متدرج الارتفاع بحيث يرتفع كلما ارتفعت الإنجازات وينخفض كلما انخفضت الإنجازات أو يبقى ثابتاً لفترة محددة إلى حين يحدد الرأي العام توجهاته باتجاه المزيد من التأييد أو المزيد من الانخفاض.
وعلى هذه الخلفية فإن الانخفاض الفجائي الكبير في نسبة تأييد حزب العدالة والتنمية تعتبر في حد ذاتها مؤشر إحصائي للأحداث والوقائع الجارية وعلى وجه الخصوص بدءاً من الفترة التي سبقت بدء الانخفاض مباشرةً. التحليلات الأولية تشير إلى وجدود عاملين أساسيين هما السبب في انخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية وهما:
• تزايد معدلات الفساد المالي والإداري: ظلت الأحزاب التركية ذات التوجهات الإسلامية تركز في برامجها وحملاتها الدعائية والانتخابية على ضرورة محاربة الفساد وتشير معطيات خبرة هذه الأحزاب إلى أن الحزب استطاع أن يوظف جيداً تسويقه السياسي بالتركيز على استخدام الفساد لنقد الأداء السلبي للحكومة السابقة والأحزاب العلمانية عامة، ولهذا السبب بالذات استطاع حزب العدالة والتنمية أن يحصل على الأغلبية الساحقة من أصوات فقراء المدن والأرياف. وستقول التحليلات أنه عندما  صعد حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة توقع الشارع التركي أن يبدأ حملة شعواء ضد الفساد ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث وإنما تزايدت معدلات الفساد وعلى وجه الخصوص بواسطة العديد من رموز الحزب الأمر الذي أدى إلى تزايد مشاعر الإحباط في صفوف الشارع التركي. وحالياً تحاول الأحزاب العلمانية توجيه الانتقادات التي تتهم حزب العدالة والتنمية الحاكم ورموزه بالفساد وبكلمات أخرى، فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم قد أصبح مهدداً حالياً بالشرب من نفس كأس الانتقادات المرة التي أرغم على اجتراعها في الماضي.
• العامل الثاني: تزايد عمليات حزب العمال الكردستاني: استطاع حزب العمال خلال الشهرين الماضيين أن ينقل عملياته العسكرية إلى وسط وشمال تركيا على النحو الذي هدد خطوط أنابيب نقل النفط عبر الأراضي التركية وتحديداً أنابيب باكو – تبليسي – جيهان إضافة إلى تنفيذ المزيد من العمليات الجريئة في المدن التركية الرئيسية مثل اسطنبول – العاصمة التجارية – وأنقرة العاصمة السياسية. الرأي العام التركي بطبيعة الحال لا يقبل التسامح أو تقديم التنازلات في المسألة الكردية، وقد استطاعت الحكومات التركية المتعاقبة أن تحصل على تأييد الرأي العام التركي على الحملات العسكرية التركية ضد الحركات الكردية. وتقود علاقة حزب العدالة والتنمية بالملف الكردي إلى الآتي:
- تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب المجتمع الديمقراطي التركي الذي يمثل بالأساس حزباً كردياً ويعمل كذراع سياسي لأكراد تركيا داخل البرلمان ومن المعروف أن قيادة هذا الحزب كردية والدوائر التي يفوز فيها مرشحوه هي المناطق الكردية.
- التفاهم بين حزب العدالة والتنمية وحزب المجتمع الديمقراطي أدى إلى دفع الحزب باتجاه تبني بعض الحلول السلمية وتخفيف الحملات العسكرية ضد الأكراد وعدم الاستمرار في الحملة العسكرية ضد شمال العراق.
- اللجوء للتفاهم والتعاون مع تحالف أربيل الكردي.
- التعامل مع حكومة كردستان الإقليمية العراقية باعتبارها أمراً واقعاً.
وعلى هذه الخلفية، أصبح الرأي العام التركي المتشدد ضد الحركات الكردية ينظر إلى حزب العدالة والتنمية باعتباره يتعامل معها بتساهل ويقدم التنازلات للحركات الانفصالية إضافة إلى الأحزاب التركية العلمانية بقيادة حزب الشعب الجمهوري التركي ما تزال توجه انتقاداتها الشديدة لحزب العدالة والتنمية وتتهمه بالتواطؤ مع حزب المجتمع الديمقراطي وحالياً، تقول بعض التسريبات التركية بأن المدعي العام التركي يقوم حالياً بإعداد ملف اتهام سيطالب فيه المحكمة الدستورية التركية العليا بحل حزب المجتمع الديمقراطي وحظر زعمائه من العمل السياسي بتهمة العمل من أجل تقويض وحدة تركيا ودعم الحركات الانفصالية الكردية المحظورة.
* إشكالية تدني شعبية حزب العدالة والتنمية: إلى أبن؟
من المعروف، أن الأزمات أي أزمات تتطلب مواجهتها إما بالوسائل الوقائية أو بالوسائل العلاجية ومن الواضح أن حزب العدالة والتنمية لم يلجأ لاستخدام الوسائل الوقائية التي يتم استخدامها حصراً قبل وقوع الأزمة:
• لم يلجأ الحزب لشن حملة ضد الفساد علماً أن الحزب خلال حملته الانتخابية كان ملتزماً وأكثر تشدداً قس المطالبة بمحاربة الفساد.
• لجأ الحزب للتفاهم مع الحركات الكردية وبعد مواجهته بالضغوط من قبل الرأي العام التركي والمؤسسة العسكرية التركية لجأ إلى العملية العسكرية في الشمال العراقي، وفجأة وبلا مقدمات أوقفت العملية وسحبت القوات وقد أدى ذلك إلى معارضة الرأي العام وتزايد الشكوك في مصداقية حزب العدالة والتنمية في القيام بحسم الحركات الانفصالية الكردية.
الآن، ما تزال الفرصة سانحة أمام حكومة حزب العدالة والتنمية للخروج من الأزمة واستعادة تأييد الرأي العام التركي وتقول التوقعات بأن الحزب لو استطاع شن حملته التي وعد بها الناخبين ضد الفساد فإنه سيحصل على شعبية وتأييد أكبر مما كان يملك، وتقول بعض التقديرات الأولية بأن قيام الحزب بتنفيذ هذه الحملة سيرفع من شعبيته إلى ما بين 65% إلى 70%. أما بالنسبة لملف الأزمة الكردية، فإنه سيرفع شعبيته ولكن بقدر أقل لأن التوصل إلى حل سلمي سيعزز من شعبية الحزب في مناطق جنوب وشرق تركيا العالية الكثافة السكانية والتي تتميز بأغلبية كردية.
يقول المراقبون أن حزب العدالة والتنمية ليس أمامه سوى العمل على وجه السرعة من أجل رفع شعبيته لأن هذه الشعبية هي التي منعت المؤسسة العسكرية من الانقضاض عليه في الماضي وهي التي ردعت المحكمة الدستورية العليا من إصدار قرارها بحله وحظر زعماءه.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...