عن هزيمة حزيران 1967

02-06-2015

عن هزيمة حزيران 1967

من دون حساب مآسينا الحاضرة، فالخسائر الناجمة عن تلك الهزيمة تكاد لا تعد ولا تحصى. والطرف الذي دفع الثمن الأعظم هو شعب فلسطين. فقد فقدنا، نحن الفلسطينيين، ما تبقى من وطننا، بعدما كنا وُعدنا سنين طوالاً بالتحرير، ومنعنا من ممارسة حقنا في مقاومة العدو المغتصب، بل ومنعنا حتى من أن نكون ناطقين باسم شعبنا؛ لتفاصيل تلك المرحلة ومآسيها اطلعوا على مذكرات الراحل أحمد الشقيري.
فقدنا «قطاع غزة» للمرة الثانية، بعدما سبق أن سقط للاحتلال الصهيوني في أعقاب العدوان الثلاثي، وثمن عودته آنذاك إلى الإدارة المصرية كان غالياً بكل المقاييس، ومن ذلك وقف العمليات الفدائية المنطلقة منه نحو أرضنا المغتصبة، وفتح مصر [خفية] لمضيق تيران أمام سفن العدو بعدما كان محظوراً عليها عقب حرب تقاسم فلسطين عام 1948.

أما الثمن الأعظم الآخر لهزيمة حزيران فكان قبول العرب قرار مجلس الأمن الدولي الذي ليس فقط منح العدو المغتصب شرعية العيش ضمن حدود آمنة ومعترف بها، بل وأيضاً عدّ مسألة فلسطين قضية لاجئين.
بالنظر في مجموع الأدبيات التي صدرت عن تلك الهزيمة الكبرى، نكاد لا نجد أي مصدر يشرح أسبابها. نعم، تحدث كثيرون حيث أعاد جلّهم سبب الهزيمة إلى غياب الديمقراطية! طبعاً هذا الشرح غير مقبول لأن تجارب التاريخ تخبرنا بغير ذلك، فعلى سبيل المثال، ستالين لم يكن ديمقراطياً، وفرانكو كان فاشياً وانتصر في الحرب الأهلية، والأمثلة من التاريخ والحاضر أكثر من ذلك.
ليس لدينا إجابات مبسطة على معضلات غاية في التعقيد، لكن نقطة انطلاقنا هي العِلْم. العدو انتصر علينا لأنه أمسك بالعلم، ووظفه على نحو صحيح. وعندنا أمسكنا بالعلم، وتجربة حزب الله الرائدة في لبنان حية أمام ناظرينا، اندحرت الأسطورة الصهيونية أكثر من مرة. حزب الله، التنظيم الديني بامتياز، استحال أيضاً حداثياً بامتياز، فاستخدم العلوم في المواجهة مع العدو الصهيوني، ومنعه من الانتصار، مع أنه تواضع حقاً وقال: إنه نصر إلهي. أما أنظمة عبادة الفرد فلم تتمكن من تحقيق أي انتصار، مهما كان صغيراً. فقد تخلت عن الحقوق الوطنية واستبدلت الديماغوجية بالاستعداد العلمي الذي يعني ليس فقط المقدرة على الاستفادة القصوى من الوسائل المتوافرة، وإنما أيضاً الاستعانة بالدراسات العلمية عن الذات قبل العدو. بريطانيا لم تحكم العالم بالجنود الإنكليز فقط، بل بقوات الشعوب المقهورة المستعمَرة. وكذلك فرنسا، وهكذا. عندما طلب ستالين من جورجي زكوف قيادة الحرب لدحر الجيوش الألمانية، كان شرط الأخير عدم تدخل الأول في عمله، وكان له ما أراد، وقاد بلاده نحو نصر ساحق توج برفع علم الاتحاد السوفياتي فوق مقر هتلر وإمبراطوريته الزائلة.
المستعمِر وظف معارفه للاستفادة الناجحة مما لديه من وسائط، وعندما فقد مستعمراته تحول إلى قوة عادية غير قادرة على المنافسة عالمياً صناعياً حتى مع مستعمراته السابقة.
ما نحن في حاجة إليه الإعداد العلمي لكل معاركنا بعد الاستفادة من تجارب الماضي والحاضر، الإيجابية منها والسلبية. نعم، ثمة مراكز دراسات استراتيجية هنا وهناك، لكنها أقيمت كأحد أشكال التباهي والقول: لدينا ولدينا ولدينا، مثل أنظمة السير العصرية في بلادنا، لا أحد يلتزمها والمستفيد الوحيد منها شرطي المرور المتلقي للرشى. هي، في أحسن الأحوال، مؤسسات حالة الإنكار وليس فيها من العلم حتى الاسم. أن يكون لدينا مراكز علمية، بالمعنى العميق للمفردة، أمر غاية في الأهمية، لكن الأهم من ذلك بما لا يقاس أن يكون النظام على استعداد للتنسيق مع هذه المؤسسات البحثية، على أسس لا سياسية. عدا ذلك، هراء وطحن الهواء.

زياد منى

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...