طقوس وعادات مختلفةوممنوعات تشمل الطعام والشراب والكلام والجنس

22-02-2010

طقوس وعادات مختلفةوممنوعات تشمل الطعام والشراب والكلام والجنس

من بداية الازمنة، صام الانسان ليطهّر نفسه ويهذب حواسه ورغباته ويكفّر عن اعماله ويسمو بذاته... وتنوعت طقوس الصوم وابعاده ما بين حضارة واخرى، وبين ديانة واخرى، وتعددت تقاليده واساليبه، واكثرها شيوعا الصوم عن الطعام والماء والكلام والجنس... البدائيون صاموا، خصوصا عن اللحم الذي احبوه كثيرا. وعند قدامى المكسيك، كان الكاهن يعقل لسانه بقطعة خشب تخترق اللسان وتربطه بالشفتين طوال 160 يوما.
واحتل الصوم ايضا مكانة بارزة لدى عشائر الهنود الحمر والارابيش والازتك والتوتمية والبيبلوس... وتنوع ايضا عند اليونان والرومان، وتفرعت تشريعاته عند الفراعنة والبابليين والاشوريين والكلدان والصابئيين والمجوس... واشتهر الهندوس بالزهادة المفرطة في الصوم، والجانتية في الهند بافراط اكثر: "الصوم هو الخطوة الاولى والاخيرة نحو الموت".

باراواهيرا: صوم عن العشاء
ولدى البوذية، تختلف ممارسات الصوم وفق "مدارسها". في الـ"تيرافادا" (Théravada)، "ليست هناك مهلة محددة للصوم"، يقول رئيس "التجمع البوذي العالمي" المحترم شانداراتانا باراواهيرا لـ"النهار"، مشيرا الى ان "الرهبان البوذيين يُنصَحون بعدم تناول الطعام مساء وبابداله بشراب، لان العشاء قد يعوق التأمل الذي يمارسونه عموما ليلا".
ويقول: "رغم ان هذا الامر ليس مفروضا كواجب، فان كل الرهبان يحترمونه. اما بالنسبة الى العلمانيين، فانه ينصح- ولا يفرض- بالامتناع عن العشاء، خصوصا في الليلة التي يكون فيها القمر بدرا او هلالا او غير مرئي لتسهيل تأملهم". ويشرح ان "اتباع المهايانا والتيبت والزن لا يعتمدون الطريقة نفسها".
 "مناسبات حزن" عند اليهود
في الديانات الموحدة الثلاث، يمارس الصوم وفقا لتقاليد ومواعيد محددة. ويفيد الكاتب الاب سامي حلاق اليسوعي "النهار" ان "اليهود يصومون من الفجر حتّى الغروب: يوم كيبور، أو يوم الغفران (بين أيلول وتشرين الأوّل وفقاً للتقويم اليهوديّ)، صوم العاشر من طيفيت (بين كانون الأوّل وكانون الثاني) حداداً على بداية حصار أورشليم قبل خراب الهيكل، صوم يود زاين بتموز (17 تمّوز) وتقع في تمّوز بداية مدة الحداد على خراب الهيكل، وصوم ذكرى خراب الهيكل 9 آف (تمّوز أو بداية آب-صوم 24 ساعة)". ويلاحظ في بحث له ان "الصوم اليهوديّ يصطبغ بصبغة الحزن، لأنّ المناسبات الّتي يصوم فيها اليهوديّ حزينة".

المطران هزيم: تحرير الرغبة
عند المسيحيين، يكتسب الصوم بعدًا روحيًا واسع المعاني والابعاد. "الصوم، أي الحدّ الإرادي للحاجات، يسمح لنا بأن نحرر الرغبة إلى حد معين، فتستعيد طابعها الأصلي، وهو أن تكون عشقا لله، ومحبة للقريب"، يقول اسقف قارة الوكيل البطريركي للروم الارثوذكس المطران غطاس هزيم لـ"النهار". ويشدد على ان "روح الصوم الذي ينبغي بنا أن نبثه اليوم في حضارتنا المعاصرة هو الانتقال من علاقة مصّ دماء الطبيعة الى علاقة أشبه ما تكون بالافخارستيا".
ويشرح: "في روحية الصوم والمحبة العميقة للطبيعة والأخ (على الصعيد العالمي)، على المسيحيين مواجهة عبثية الوضع الحالي، عندما تقوم الدعاية بمضاعفة الحاجات المميزة لدى الإنسان في قسم من الكرة الأرضية، بينما يموت الإنسان جوعا في القسم الآخر من الأرض نفسها، وعندما توقظ الكيمياء والبيولوجيا حرارة الأرض وتشعلها هنا، بينما تكبر الصحراء في مكان آخر".
تاريخيا، هناك أنواع عدة من الأصوام عند الارثوذكس. "الأربعاء والجمعة على مدار السنة، وهي أقدم الاصوام. ففي الأربعاء، نذكر تسليم الرب يسوع للصلب، والجمعة موته. وهناك الصوم الكبير الذي انتشر في النصف الثاني من القرن الثالث في الشرق، والأرجح في سوريا. وتبنّيه السريع أثبته القانون الخامس للمجمع المسكوني الأول في نيقية (325)، الذي اعتبر ان اسم هذا الصوم ومحتواه صريحان. وقد أُسِّسَ على غرار صوم السيّد 40 يوماً، وأصوام موسى والنبي إيلياس التي كانت كلها رسماً له".
ويفيد انه "في حقبة متأخرة في القرن الثاني عشر، تبنت الكنيسة أصواما أخرى: صوم الميلاد (40 يوما قبل العيد)، صوم السيدة العذراء قبل رقادها (15 يوما)، صوم الرسل (بعد أحد جميع القديسين بعد العنصرة حتى عيد الرسل في نهاية حزيران)، والبرامونات". ويضيف ايضا "صوم نينوى (يونان النبي) الذي فيه إمساك عن الطعام والشراب ثلاثة أيام، ويمارس في بداية الصوم الأربعيني ومنتصفه ونهايته".

الاب حلاق: صفة بيئية للصوم
وتختلف الاصوام التي حددتها الكنيسة الكاثوليكية (في الشرق والغرب) لمؤمنيها ما بين طائفةٍ وأخرى. ويشرح الاب حلاق ان "الصوم الأربعينيّ هو الصوم المشترك الّذي يمارسه كل المسيحيّين. ويليه صوم الميلاد (قبل العيد) الّذي تتفاوت مدّته من 50 يوماً إلى 9 أيّام أو3 وفقاً لنظام كلّ طائفة. وصوم السيّدة (من 1 آب الى 14 منه) مشترك لدى عددٍ من الطوائف الشرقيّة. وتأتي بعد ذلك أصوام الكنائس الخاصّة (صوم سركيس، صوم نينوى أو يونان، صوم الرسل...) وأصوام الأربعاء والجمعة في الأزمنة العاديّة. واللافت أنّ الأصوام تسبق على الدوام احتفال العيد، فيمكننا أن نعتبرها مرحلة تحضيرٍ للأعياد".
وفي رأيه، يتخذ "الصوم معنى جديدا اليوم، أمام الأزمة البيئيّة العالميّة، هو في الواقع أحد المعاني القديمة الّتي طمستها الظروف التاريخيّة الّتي مرّت الكنائس بها. ويقوم هذا المعنى على الامتناع الطعاميّ. لماذا يمتنع المسيحيّون في الصوم عن أكل اللحم؟". يشرح: "كي تدعم الكنيسة الحسّ الأخلاقيّ تجاه البيئة، نادت بالصوم. إنّه فترة اهتداء، فترة مصالحة مع الطبيعة، وفيه يمتنع المسيحيّ عن تناول اللحم. أي لا يلجأ إلى سفك دم حيوانٍ في سبيل أن يأكل. ويمتنع أيضاً عن البياض، خصوصاً في الكنائس البيزنطيّة، أي يترك للبقرة حليبها من أجل عجلها، وللدجاجة بيضها كي تنعم برؤية فراخها. ويعيش نباتيّاً عيشة آدم قبل الخطيئة حيث أعطاه الله عشب الأرض وثمر الشجر مأكلاً. ممارسة الصوم في أيّامنا تتّخذ صفة بيئيّة، إذ يحسن عيشه انطلاقاً من هذه النظرة الإسكاتولوجيّة".

الشيخ ترمس: إصلاح الإنسان والترقي
المسلمون ايضا يركزون على اهمية الصوم وخصوصيته. "فللعبادات، وفي طليعتها الصيام، ابعاد وفوائد عديدة، تتركز عموما على اصلاح الانسان والترقي به نحو مراتب الكمال الحقيقي، اكان على الصعيد الفردي او الجماعي"، يقول الكاتب والباحث الاسلامي الشيخ امين ترمس لـ"النهار". ويشدد على ان "شهر رمضان في نظر المسلمين فرصة سنوية يعبرون من خلالها الى منازل المتقين، ويعبّرون عن اخلاصهم ووفائهم لخالقهم، فيقلعون عما كان مباحا لهم من طعام وشراب، ويتجنبون المفطرات التي نص عليها الشرع المقدس تقربا الى ربهم. وبذلك تُهَذَّب نفوسهم وتقوى ارادتهم، مما يساعدهم في الوقوف بثبات امام اغراءات الشيطان ووساوسه".
الصوم عند المسلمين هو احد اركان الاسلام الخمسة. وفي اللغة، يعني الامساك عن الطعام والشراب والكلام والنكاح وغيرها. وفي اصطلاح الشرع، يعني الإمساك عن المفطرات يوماً كاملاً مع النية، بالشروط التي ذكرها الفقهاء. وقد ورد في القرآن الصوم شهر كامل وهو شهر رمضان، وهو ما فعله النبي محمد. وقد فرض الصوم في شهر شعبان، من السنة الثانية من هجرة الرسول الى المدينة المنورة.
 وانواع الصوم عديدة: فالى جانب صوم رمضان، هناك صوم القضاء، اي قضاء رمضان من افطر فيه، صوم النذر، صوم الكفارات وغيرها، الصوم المستحب، اي الايام التي كان النبي محمد يصومها ويُرغَّب في صومها: ثلاثة ايام من كل شهر هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وسميت بيضاء لابيضاضها ليلا بالقمر، ستة ايام من شوال، يوم عرفة، يومي الاثنين والخميس، صوم الايام التسعة من ذي الحجة، وايضا ما يستطيعه الانسان من بقية الايام.
وهناك ايضا صوم النافلة، اي لغير وقت ولا سبب وفي غير الايام المحددة للصيام، الصوم المنهي عنه: يوم عيد الفطر وعيد الاضحى وايام التشريق للحجاج... صوم المكروه، كصوم الضيف نافلة من دون اذن مضيفه، وصوم الولد من دون اذن والده او والدته. ومن اركان الصوم عند المسلمين، النية والامساك عن المفطرات، ومن شروطه: الاسلام والبلوغ والعقل والصحة والاقامة (الا يكون مسافرا) والطهارة من دم الحيض والنفاس.
والفروق على صعيد مواعيد الصوم بين السنة والشيعة "قليلة وطبيعية"، يشرح الشيخ ترمس. "ففي وقت أجمع الجميع على وجوب صوم شهر رمضان وصوم القضاء والنذر والكفارات وما شابه، وعلى حرمة صوم العيدين الفطر والاضحى، وايام التشريق لمن كان في الحج، كان الاختلاف بين السنة والشيعة في تحديد دائرة المستحب".
ويفيد انه "ورد عند السنة على سبيل المثال ان صوم يوم عاشوراء مستحب، ولم يثبت هذا عند الشيعة. وهذا الاختلاف بهذا المقدار الطبيعي جدا، فانه يحصل بين فقهاء المذهب الواحد. وبهذا يظهر ان الاختلاف بين السنة والشيعة في بعض مواعيد الصوم غير الواجب لا يؤثر على المسار العام للمسلمين في توحدهم حول هذه العبادة والافادة منها".

بين التقليد وضغوط الحياة
سؤال اثير واستوجب ردًا. هل "تقليد" الصوم بعيد قليلا عن الواقع حاليا لجهة صعوبة عيشه في ظل تغير الزمن وتزايد ضغوط الحياة على المؤمنين؟
يلفت الاب حلاق الى ان "الكنيسة، خصوصاً الكاثوليكيّة، ادخلت كثيراً من المرونة على طرائق ممارستها للصوم، لأنّها لم تفقد التمييز ما بين الغاية والوسيلة. فالصوم في نظرها وسيلة، وليس غاية. وتمكن ممارسته أن تّتخذ أشكالاً متنوّعة في سبيل الوصول إلى الغاية نفسها".
ويقول: "مَن يجد أنّ تقليد الكنيسة بعيد من واقع الحياة المعاشة حاليّاً يعاني إحدى المشكلتين: إمّا أنّ معلوماته عن الصوم وفق تعاليم الكنيسة قديمة أو مشوّهة، وليست من مصادرها الرسميّة، وهنا ينبغي عليه أن يفتّش شخصيّاً عمّا تطلبه الكنيسة من مؤمنيها في فترة الصوم، إمّا يعاني صعوبة في أن يقول لا أو أن يضبط نفسه تجاه أيّة شهوةٍ يشعر بها أو أيّ ميلٍ منحرف يميل إليه. وبالتالي يريد من الكنيسة أن تساير ميوله في مسألة الصوم. وبما إنّها لا تفعل ذلك، يتّهمها بالابتعاد عن الواقع، وعدم تفهّم الضغوط الّتي يتعرّض لها المؤمنون".
بالنسبة الى المطران هزيم، "لم تتغير ظروف الكنيسة كثيرا عما مضى، إنما ما تغير هو الإنسان وجديته في علاقته بالله. والكنيسة لا تجبر أحداً، لكنها ترشد وتعلم وتنصح. فعلى الإنسان أن يجاهد ليصل إلى الأفضل. والطالب كي يحصل على الطب، لا يقال له خفف ساعات الدرس، لأن هذا أريح لك، انما يقال له عليك أن تجد وتتعب وتعرق وتسهر لتصل الى القمة. كذلك الامر في القداسة... فالحياة في المسيح جدية ولها نمطها. فإما نعيشها، وإما لا. أما الظروف الخاصة، فتبحث كظرف خاص لا كقاعدة".
ولا يجد الشيخ ترمس "اي مبرر لهذا الرأي ( اي ما اثير في السؤال)". ويقول: "في وقت يعترف الجميع بتزايد ضغوط الحياة على كل الناس يوما بعد يوم، نجد ان المجتمع المسلم لا يعطل حياته خلال شهر الصوم... فالاسلام يدعو الى الاستمرار في شكل طبيعي من حيث العمل والانتاج مع عدم منافاة ذلك مع الواجبات الدينية".

فريضة واجبة... اجباري... مدرسة
ويستتبع السؤال الاول بسؤال آخر: هل الصوم من المتقتضيات الضرورية في عصرنا الحالي؟ يشدد الشيخ ترمس على ان "الصوم فريضة واجبة لا يمكن اي مسلم ان يرفضها او يغيرها. قد لا يصوم الفرد من المسلمين، اما لعذر، أم بغير عذر. لكن ذلك لا يقلل اهمية الصوم ودوره في حياة الافراد والمجتمع".
بدوره، يؤكد المطران هزيم ان "الصوم خبرة العبور من الألم الى الراحة ومن الحزن الى الفرح ومن الموت الى الحياة. فهو مدرسة تعلمنا كيفية مواجهة الصعوبات واقتناء الصبر".
ويرى الاب حلاق أنّ "ما قلته عن الصوم البيئيّ لا يجعل الصوم ضروريّاً فحسب، انما ايضا إجباريّاً كي نحضّر عالماً أفضل (بيئيّاً) للأجيال المقبلة". ويعتبر ان "مشكلة إنسان اليوم هي أنّه يريد كلّ شيءٍ، وحالاً. وبالتالي ألغى المسافة الفاصلة ما بين الشخص والشيء (Sujet et Objet)... والصوم فترة إعادة المسافة بين الاثنين. وبفضل هذه المسافة المستعادة، يستطيع الإنسان أن يلقي نظرةً شاملة وموضوعيّة على حياته وواقعه ومسيرته، ويدرك، بهذه النظرة، ما تنبغي المحافظة عليه وتقويمه، كما يدرك القيمة الحقيقيّة لكلّ ما يسعى إلى تحقيقه أو يعيشه".

هالة حمصي

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...