رمضان والصيف والمدارس ترهق المصريّين... الحكومة ترفع الأسعار

29-08-2008

رمضان والصيف والمدارس ترهق المصريّين... الحكومة ترفع الأسعار

«هلال شهر رمضان ظهر على سيارة إسعاف في الصعيد». نكتة انتشرت على أجهزة الهواتف المحمولة في احتفال بقدوم الشهر. وبدا أن خفّة الدم المعروفة لدى المصريين مرهقة هذا العام ومشحونة برموز ورسائل ثقيلة، تطاردها عامل مصري ينقل الخبز في أحد شوارع القاهرةسرعة المفاجآت في سباق عجيب على صنع المفارقات في مصر. فمن يتصوّر مثلاً أن تصدر الحكومة المصرية قرارات بزيادة الأسعار في واحد من أثقل المواسم على غالبية العائلات المصرية، التي ما إن خرجت مديونة من تكاليف المصيف، حتى وجدت نفسها على أعتاب رمضان، تلاحقه مواسم الطوارئ التقليدية، وفي مقدّمها عودة المدارس.
الحكومة رفضت الاستجابة إلى المطلب الشعبي بتأجيل بداية الدراسة و«تخفيف الأعباء» عن العائلات، التي تدبّر احتياجاتها بخطط فصلية (أشهرها المدارس وكسوة الصيف والشتاء والمصاريف). وتلغي بعض العائلات بنوداً كاملة حسب قدراتها المالية (المصيف المرشح الأول عند الغالبية، تليه الكسوة، والبعض يلغي المدارس ويترك أطفاله لمصيدة العمل المبكر أو التسرّب من التعلّم). التقاء المواسم يكشف عورات الوضع الاقتصادي للعائلات التي لا يتعدي دخلها ١٥٠ دولاراً شهرياً.
وتعتمد هذه العائلات على خطط اقتصادية منزلية، أبرزها «الجمعيات»، وهي طريقة في التوفير تقوم على التضامن الاجتماعي بين أصدقاء العمل أو الجيران، والاتفاق على دفع مدّخرات شهرية يقبضها واحد منهم كل شهر. الجمعيات هي الحل الأشهر والأقدم في المجتمع المصري، لكنه يقف عاجزاً هذا العام أمام قفزات في قوائم الطلبات التي لا تأتي فرادى هذا العام.
وهذا سر طلب تأجيل الدراسة، الذي واجهته الحكومة بنظرية زايدت فيها على لسان وزير التعليم، الذي قال «ماذا سيقول الغرب إذا عرف أننا أجّلنا الدراسة بسبب رمضان؟ هل سيقول إن الإسلام يدعو إلى الكسل؟». الوزير بحث عن سند ديني لم يوقف المطالبات. وبدا الهوى السعودي واضحاً وراء المطالبات التي تعوّد أصحابها على الإجازة طوال رمضان أثناء سنوات العمل في المملكة.
الحكومة من ناحيتها قررت اللعب في كل الاتجاهات؛ سارت مع هوى البطالة في رمضان إلى نصف الطريق، وأجّلت الدراسة لتكون العودة قبل نهاية رمضان بعشرة أيام. موعد غريب ضد استقرار الموسم الدراسي المهدد أصلاً بالفوضى بسبب الحرب بين الحكومة والمدرّسين بعد قرار فرض الامتحانات على المعلّمين الذين يريدون الحصول على ترقية مالية خارج نظام الرواتب التقليدي.
الحكومة أجبرت المدرّسين على الامتحانات بعد اعتصامات وتهديد بإضراب مفتوح. الاستسلام لم يكن بسبب تصديق الحكومة في محاولتها رفع مهارة المدرسين، لكنه خضوع «للسلطة الأقوى»، وهو استسلام سيخلق نوعاً إضافياً من ارتباك «منظومة التعليم كلها»، بعدما واجهت واحداً من أسوأ مواسمها العام الماضي عقب فضيحة تسرّب الامتحانات ووسط توقعات بقفزة جنونية في سوق الدروس الخصوصية، أشهر أعباء العائلات المصرية والمنافس الوحيد للمخدرات في حصيلة الاقتصاد الأسود حيث يبلغ حجم الأموال الدوارة في مافيا الدروس ما يقرب من ملياري دولار سنوياً.
ولأن رمضان في مصر احتفال غذائي وليس دينياً فقط، فإن الضربة الموجعة جاءت مع قرار الشركة القابضة للصناعات الغذائية رفع أسعار السكر والزيت واللحوم والأسماك والبقوليات. نسبة الزيادة كبيرة تتجاوز الـ30 في المئة وهي الرابعة خلال عام واحد.
الزيادات هي «هدية الشهر المبارك من مبارك»، على حد تعبيرات ساخرة نافست دعاءً على موقع «فيس بوك» يقول «يا رب، يا منتقم، يا جبار، خفض لنا الأسعار».
وهناك موسم منتظر للأزمات، بدأت بشائره مبكراً أيضاً، عندما لاحت في الأفق علامات الفوضى في رحلات العمرة، وهي إحدى عجائب اهتمام المصريين بالطقوس الدينية. ظهرت خلال السنوات العشر الأخيرة لتنافس الحج (الترويج لها يقول إن عمرة رمضان تساوي حجّة كاملة إن لم تَفُقْها). وهي دعاية رفعت الإقبال إلى حدود غير مسبوقة ومن جميع الشرائح المالية. والزحام في عمرة رمضان انتهى قبل سنتين بمأساة عبّارة السلام لصاحبها ممدوح اسماعيل. وميزانية العمرة تكفي، حسب تقديرات أهل الاقتصاد، في بناء أكثر من 100 مدرسة سنوياً.
وإلى جانب البعد المالي، هناك كوارث منتظرة، وخصوصاً بعد إلغاء تراخيص عبّارتين، إضافة إلى عدم السيطرة على فوضى الرحلات الخاصة.
إنه موسم الأزمات «المباركة» فعلاً، وربما هذا ما يفسّر لماذا ظهر هلال رمضان على سيارة إسعاف في الصعيد.

وائل عبد الفتاح

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...