حنا مينه: ما راعنا الدهر بالبلوى وغمرتها

25-06-2011

حنا مينه: ما راعنا الدهر بالبلوى وغمرتها

أما أنا فلي يراع مدمّى

سينقّى ذكري وتنقى دمائي ‏

ستقول الأجيال كان شقياً ‏

فليقدّس في جملة الأشقياء ‏

وماذا يرجو المبدع في هذه الحياة, أو في هذا الوطن العربي خصوصاً؟! وما الجديد ونسبة الأميّة كبيرة, والقوة الشرائية إلى ضعف متزايد, والبطالة تتضخم يوماً بعد يوم!. ‏

إن المؤمن ممتحن, والرب يجرب خائفيه ونحن في المؤمنين وفي الذين جربهم الرب الكريم, وأيوب في صبره, كان من أسلافنا الأنقياء, والمتنبي العظيم كان أيضاً من شعرائنا, لكنه قال: (عيد, بأي حال عدت يا عيد... بما مضى, أم لأمر فيك تجديد) ولما لم يكن ثمة تجديد, أنشد: (كفى بك داء ان ترى الموت شافياً.... وحسب المنايا ان يكن أمانيا) فرد عليه الأخطل الصغير, بعد ألف عام ونيف: طلبت بالشعر دون الشعر منزلة... فشاء ربك ألا يحقق الاربا! ونحن الذين في الصبر كنا على نسب من أيوب, وفي طلب الولاية كان بنا جنف عنها, ولم نأبه للشدائد بل ارتفعنا عليها, ولم ننتحر يأساً من الدنيا على يد فاتك الأسدي, كما فعل المتنبي, إلا أننا لا نستطيع أن نمنع نهر الأسى, من التدفاق في صدورنا, اشفاقاً على الأحبة من إخواننا وهم يتساقطون صرعى برصاص وصواريخ وقنابل نتنياهو في فلسطين المحتلة, وبمثلها أو أشد منها يموت الأعزاء في العراق, الذي غزاه بوش بكل أسلحته الفتاكة. ‏

وقد جاء ليبقى ومعه مرتزقة وهو يتطلع إلى أبعد من العراق إلى الشرق الأوسط كله. ‏

إن المبدعين العرب الصادقين يقاومون بالكلمة, جنباً إلى جنب مع أشقائهم العرب الذين يقاومون بالرصاص وما ملكت أيديهم من سلاح, مدركين أي المبدعون أن هذه الكلمة نافذة كالرصاصة وإن هي الكلمة، من يصوغ وجدانات أولئك الواضعين أقدامهم في أرض الموت قائلين: (من تحت أخمصك الحشر) ثم ينهضون من وقدة الألم جراء كساد بضاعتهم إلى وثبة العلا غلب الواثب أم لم يغلب.
 


تأسيساً على هذا وباليراع المدمى, أو الفرشاة والإزميل والنغم الثائر, وكذلك بامتحان المؤمن وتجربة الرب لخائفيه, نتفهم صبر أيوب, نباركه, لكننا نرفضه ولن نقول للدودة التي تنغر في جراحنا «ارعي يا مباركة» مع كل معرفتنا بالحكمة القائلة: (لا تستعجل الانتصار فتقتله) شريطة ألا تنساه وأن تذكره في الأصباح والأماسي وما بينهما من رنين دقات الساعة التي تهيب بنا (انهض وقاتل عدو الله وعدوك). ‏

لقد قلت وأكرر: إن المهم في هذه الحياة ألا ينشعب القلب، ألا ينكسر المرء من الداخل، ألا يخاف العدو أو العذول، ألا يسقط في الوهم, أن يعرف عصره جيداً ففي هذه المعرفة وحدها يخرج من الظلمة إلى النور, ويثبت قدميه في الأرض, التي من رحمها خرجنا وفي هذا الإثبات كما تقول الأسطورة استعصاء على الانقلاع وقد قال الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت: (أن تنام الآن, لنستيقظ بعد مئة عام, لا يا حبيبي, عصري لا يخيفني, ولست هارباً), وعلينا نحن الذين في الطلقاء، بينما كان ناظم حكمت في المقيدين وراء القضبان، ألا نخاف عصرنا ألا نخاف القرن الحادي والعشرين كما لم نخف القرن العشرين, الماجد في بدايته, السافل في نهايته وألا نخدع أنفسنا فنظن أن النصر قريب, وقد قال المتنبي: ‏

نحن أدرى وقد سألنا بنجد ‏

أطويل طريقنا أم يطول ‏

وكثير من السؤال اشتياق ‏

وكثير من رده تعليل ‏

وقبل الأسئلة, وبعدها نعرف ما كنا نعرفه مرة أخرى وهو طول الطريق إلى الظفر وطول النفس في سير الركب عبر هذا الطريق, إلى الظفر لأنه مكتوب أن تحقيق الأماني ليس بالتمني وإنما (تؤخذ الدنيا غلاباً). ‏

قال بدوي الجبل: ‏

ماراعنا الدهر بالبلوى وغمرتها ‏

لكننا بالإباء المرّ رعناه ‏

إن نحمل الحزن لا شكوى ولا ملل ‏

غدر الأحبة حزن ما احتملناه ‏

وماراعنا على عصف الخطوب بنا ‏

هوى حبيب رعيناه ونرعاه ‏

ليت الذين وهبناهم سرائرنا ‏

في زحمة الخطب اغلوا ما وهبناه ‏

وماذا, لو اغلوا أم افاؤوا، يفيدنا الاغلاء أو الفيء نحن الذين في النضال دؤوباً, عنيداً, طويلاً كان نضالنا شرعة حق, في طلاب حق, على اسم المعذبين في الأرض, ولأجلهم؟ وأي ثمن يطلبه المناضل إذا كان نضاله لأجل حرية الوطن وسعادة الشعب, ثم لا خوف ولا وجل, وما قيمة الحياة بغير كفاح في البحر والبر كما قال الطروسي؟ وأي معنى لها إذا ما كان بها جنف عن الحديث الشريف: (من رأى منكم منكراً, فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان). ‏

وأي شيء يبقى للإنسان إذا ما خسر نفسه وربح العالم, كما قال السيد المسيح. ولمن كان اللوح في قدر الأقدار وفيه حض على العمل في سبيل الحق, والخير, وما ينفع الناس, وأية دخلة في النفس لمن كان والانتداب رصاص على صدورنا «يمتص أثداء الدخيل ويرضع» وإيثار العافية على التضحية والسلامة على المفاداة, أليست خسة وجبناً ونذالة, والقعدة الذين يزينون التحكيم, اين هم من رباط الخيل؟ والعجز في الحاكم, عن نصرة المحكوم وارتهان (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون بها عدو الله وعدوكم), كما في منزل التحكيم هل هذه الآية الكريمة لأجل حماية الزعامات أم لأجل الدفاع عن الحدود, أو نصرة الأشقاء؟ ونسأل لأن غاية الأدب طرح الأسئلة رغم أن الأجوبة معروفة سلفاً. ‏

حنا مينه

المصدر: تشرين

التعليقات

تعود إلى ذاكرتي كلمات :بلند الحيدري وطني المسكين ياأنت المائت في الجرح و أنت القاتل في السكين ها أني يا وطني إذ أغرز عينك في عيني أتساءل ماذا يعني : وطن يتوزع ما بين اثنين لكن ..... يا أنت الوهن الموغل في الصمت أيكون لنا أن نولد في عتمة عينينا : وطن ...لا أرضا مقفرة لا طفلا ميتا ... لا كفا جذماء ...لا بلدا من دون سماء لا نهرين بلا ماء ما أتعسنا وطنا لا نكبر في سود لياليه إلا بركة ماء عفن ندفن في دكنتها ظلينا .

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...