حكومتا الأمر الواقع

25-09-2007

حكومتا الأمر الواقع

مسكين الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. كل مرة يحلم فيها بأن يكون جزءاً من دولة فلسطينية أو من دولة عربية يضطره مديرو شأنه، من العرب أو الفلسطينيين، للعودة إلى الوراء، إلى «حكومة غزة».
وهذه حال حركة حماس بعد سيطرتها على القطاع، وإصرارها على أنها لم تنقلب على السلطة الفلسطينية، وأنها نفذت مقتضيات الشرعية.
ورغم أن حماس لم تعلن أنه ليس من حق الرئيس الفلسطيني محمود عباس إقالة الحكومة، التي كانت قائمة عند الانقلاب، إلا أنها ركزت على أن شرعية الحكومة مستمدة من كونها، «بموجب القانون»، حكومة تسيير أعمال.
وفي الوقائع، فإن حكومة الوحدة الوطنية التي تمخضت عن اتفاق مكة، والتي ترأسها إسماعيل هنية، أقيلت رسمياً وتشكلت بدلا منها حكومة برئاسة سلام فياض يمكن أن يقال الكثير في انعدام شرعيتها.
ولكن انعدام شرعية حكومة فياض لا تكمن في مبدأ وجودها، وإنما في كونها لم تعرض نفسها على أي برلمان ولم تنل أي تأييد تمثيلي، وبالتالي أصبحت مع الوقت «حكومة أمرٍ واقع».
ولكن بقدر ما كانت حكومة فياض «حكومة أمر واقع» بقوة السلطة في الضفة الغربية، فإن حكومة هنية هي أيضاً «حكومة أمر واقع» بسلطة القوة في قطاع غزة.
ولا شيء يثير الغضب أكثر من قيام مؤيدي الحكومتين بإخفاء حقيقة القوة والارتجال الكامنة في بقائهما، باستخدام تعابير قانونية ودستورية.
فالحكومة في غزة تصور نفسها على أنها تعمل وفق الدستور، في حين أن أكثر من نصف أعضائها، من غير صفوف حماس، قدموا استقالاتهم، فيما لم يبقَ من أعضاء حماس سوى أربعة.
ومن الجائز أن حكومة هنية، التي تحوّلت من حكومة وحدة إلى حكومة حماس، صارت طوعا أو اضطرارا، حكومة غزة. وليس هناك ما يستدعي القول بأنه ليس هناك قانون في العالم يسمح لحكومة مقالة بتوسيع صفوفها، خاصة إذا كان من بقي منها لا يتجاوز خمس أعضائها الأصليين.
وعمدت حكومة الأمر الواقع في غزة إلى استعادة وزراء حماس في الحكومة السابقة، وكلّفتهم إدارة شؤون وزارات حيوية كالداخلية والخارجية.
ويؤكد الكثير من الفلسطينيين أن وزير الداخلية الأسبق سعيد صيام عاد لإدارة شؤون وزارة الداخلية وقوتها التنفيذية، كما يعمل على إعادة تشكيل قوة أمنية جديدة، في حين أن وزير الخارجية الأسبق الدكتور محمود الزهار يداوم في مقر وزارة الخارجية في غزة ويدير شؤونها، إذا كان قد بقي لها شؤون.
ولا يجد بعض هؤلاء الوزراء السابقين حرجاً في إرسال كتب رسمية إلى جهات دولية تحمل توقيعهم كوزراء سابقين حول قضايا راهنة.
وما لا يقل أهمية عن ذلك، هو توزيع الوزارات الأخرى «الشاغرة» في هذه الحكومة على الوزراء القلة الباقين، حتى أن تحميل وزير شاب عبء خمس وزارات دفع البعض إلى تسميته بـ»الطفل المعجزة».
وعندما لا يتوفر وزير حالي أو سابق لحمل أعباء أي من الوزارات الأخرى، فلا ضير من ترفيع وكيل الوزارة (حتى ولو كان مفصولا بقرار رئاسي) ليغدو وزيراً فعليا.. وكل ذلك وأكثر يتم «وفق القانون» في مواجهة مغتصبي السلطة في الضفة الغربية.
والأدهى أن حكومة غزة، وهي في أقصى شرعيتها سلطة تنفيذية، عمدت مؤخرا إلى امتلاك سلطات صنع القانون. فأعلنت عن تشكيل «مجلس العدل الأعلى» الذي سيختص بتحديد الشواغر القضائية، وتنسيب القضاة وترقيتهم أو إنهاء خدمتهم.
واعتبرت حكومة غزة أن تشكيل هذا المجلس يهدف إلى إعادة الهيبة للقضاء والقانون، بعد فشل كل المحاولات لوقف استنكاف القضاة والمحاكم عن العمل في قطاع غزة، وبعد تعطيل عمل مجلس القضاء الأعلى في قطاع غزة.
ويكفي في ذلك، ما قاله رئيس المحكمة العليا، رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي عيسى أبو شرار من أن القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية لا يجيزان لوزارة العدل أو لمجلس الوزراء اتخاذ أي قرار يتعلق بالسلطة القضائية.
كما أن وزير العدل، وكذلك السلطة التنفيذية بكل مكوناتها، لا تملك أية صلاحية بتعيين وترقية القضاة، أو إنهاء خدمتهم، وهذه الصلاحيات يختص بها مجلس القضاء الأعلى، وتتم المصادقة عليها من قبل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس.
ليست هناك من صفة يمكن إطلاقها على تصرفات وإجراءات حكومة غزة سوى الاعتباطية، لا لشيء إلا لأنها ترسخ انقسام الشعب الفلسطيني، وتعزز التفكير بأن الهدف من انقلاب حزيران هو شهوة الحكم لا الإصلاح.. فأي حال صلح بتعميق شقة الخلاف بين الضفة وغزة وبين فتح وحماس؟

حلمي موسى

المصدر: السفير
  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...