حرب العراق في صفقة بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي

26-05-2007

حرب العراق في صفقة بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي

الجمل:     بعد الخلاف والاحتقان السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين، توصل الكونغرس الأمريكي إلى صيغة توافقية لقرار تمويل الحرب الأمريكية الدائرة حالياً في العراق وأفغانستان، وقد شنت وسائل الإعلام الأمريكية الصادرة صباح اليوم، وتفاوتت وجهات النظر الأمريكية ما بين متفائل بنجاح أمريكا في تحقيق النصر المحتمل في (الحرب ضد الإرهاب)، ومتشائم من تزايد تورط أمريكا في حروب خاسرة لا داعي لها.
• خلفيات الصراع:
تزايد رفض الرأي العام الأمريكي لحروب بوش في العراق وبدرجة أقل في أفغانستان، واستطاع الديمقراطيون توظيف هذا الموقف على النحو الذي مكنهم من هزيمة الجمهوريين ووضع يدهم بالكامل على الكونغرس الأمريكي، وعلى الجانب الآخر تمترس صقور الجمهوريين وجماعة المحافظين الجدد بالإدارة الأمريكية والبيت الأبيض، وقام بوش في أول مواجهة له مع الديمقراطيين باستخدام حق الفيتو الرئاسي ضد قرار الكونغرس الذي يجمع بين الموافقة على التمويل وجدولة الانسحاب الأمريكي من العراق.
• إدارة الصراع:
إعادة النظر في قرار الكونغرس الأمريكي تصاحبت مع الكثير من التحركات والمساومات السياسية بين الديمقراطيين والجمهوريين، الأمر الذي أدى إلى انقسام الجمهوريين، وأيضاً انقسام الديمقراطيين.
انقسم الجمهوريون إلى فريق متطرف يطالب بعدم تقديم أي تنازلات، وفريق براغماتي يقول بإمكانية المساومة والوصول إلى صفقة مع الديمقراطيين تفادياً للمواجهة التي يمكن أن تؤدي بالحزب الجمهوري إلى مواجهة المزيد من الخسائر، أما الديمقراطيين فقد انقسموا إلى فريق متشدد يطالب بعدم تقديم أي تنازلات، وفريق براغماتي يقول بإمكانية المساومة والوصول إلى صفقة دون أن يضر ذلك بموقف الحزب الجمهوري الرافض للحرب.
• الصفقة:
طالب الجمهوريون بالتمويل كاملاً، ووافق الديمقراطيون على التمويل كاملاً بشرط جدولة الانسحاب الأمريكي، وإزاء رفض البيت الأبيض للقرار، حدثت المساومات، ولما كان عدد البراغماتيين الديمقراطيين والبراغماتيين الجمهوريين كبيراً على النحو الذي شكل (كتلة برلمانية) كبيرة داخل مجلسي النواب والشيوخ، فقد أصبحت إمكانية التوصل إلى الصفقة أمراً لا يمكن تفاديه، ومن ثم فقد كانت الصفقة على النحو الآتي:
- أن تتم الموافقة على مبلغ 120 مليار دولار.
- أن لا تستخدم إدارة بوش كل هذا المبلغ في تمويل حرب العراق، بل أن يتم تخصيص جزء منه في تمويل الزراعة، الرعاية الطبية، تغطية نفقات القواعد العسكرية، دعم الطاقة، أنفلونزا الطيور، برامج الأمن الداخلي، وأشياء أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن الجمهوريين وإدارة بوش كانوا يرفضون تخصيص المبالغ المتعلقة ببعض البرامج، أو في أحسن الأحوال كانوا يرغبون بتمويلها ضمن ميزانيات منفصلة، ولكن بموجب هذه الصفقة فقد أصبح بإمكان إدارة بوش إما استخدام المبلغ كما ورد في قرار الكونغرس، وبالتالي سوف يغطي الجزء المخصص من المبلغ تكاليف الحرب حتى نهاية شهر أيلول القادم، أو أن تلجأ إلى خيار صرف النظر عن البنود الأخرى واستخدام كامل المبلغ في تمويل الحرب، وهو أمر ينطوي على مخاطرتين، هما:
- قيام الإدارة الأمريكية بخرق قرار الكونغرس، وهو أمر سوف تترتب عليه إمكانية تعرض البيت الأبيض للمحاسبة أمام الكونغرس في شهر أيلول القادم إذا تقدم الرئيس بوش إلى الكونغرس طالباً المزيد من المخصصات المالية للحرب.
- استخدام كامل المبلغ في تمويل الحرب، سوف يؤدي إلى عدم قيام الإدارة الأمريكية بتمويل بعض البرامج الأخرى، وهو أمر سوف يلفت انتباه الرأي العام الأمريكي الرافض للحرب بالأساس.
• قرار الكونغرس الجديد.. مصيدة أم مؤامرة:
إن تنازل الديمقراطيين عن موقفهم المتشدد السابق يلقي الكثير من التساؤلات على مصداقية الحزب الديمقراطي الأمريكي، أمام الناخب الأمريكي، الذي تخلت أغلبيته عن الحزب الجمهوري وأعطت ثقتها للحزب الديمقراطي أملاً في سحب القوات الأمريكية وإنهاء الحرب.
وقد بدأت تداعيات قرار الكونغرس الجديد تلقي بظلالها على البيئة السياسية الداخلية الأمريكية، وفي هذا الصدد قرر أبرز الديمقراطيين المتنافسين على الرئاسة الأمريكية، أوباما، وهيلاري كلينتون، التزامهم بإنهاء الحرب فوراً وسحب القوات الأمريكية في حالة فوزهم بالرئاسة.. أما الجمهوريون فقد لاحت أمامهم الفرصة الجديدة، والتي إن أحسنوا استغلالها فسوف يستطيعون القضاء على شعبية الحزب الديمقراطي والنيل منه، وذلك عن طريق إنفاق المال المخصص كما هو منصوص عليه في قرار الكونغرس، والقيام بتصعيد العمليات العسكرية في العراق وإيران على النحو الذي يدفع الرأي العام إلى تحميل الديمقراطيين مسؤولية المشاركة في هذا الأمر، خاصة وأن الناخبين الأمريكيين قد منحوا أصواتهم للحزب الديمقراطي بسبب التزام نوابه وقيادته بإنهاء الحرب.
لقد حاول الديمقراطيون وضع بوش والجمهوريين في الفخ، عن طريق إعطائه الميزانية كاملة مع إنقاص المخصصات بإضافة بعض البنود الأخرى أملاً في أن تقوم إدارة بوش بالتصرف بكامل المبلغ، ومن ثم تقع في فخ المواجهة والمحاسبة في أيلول القادم، ولكنهم –أي الديمقراطيون- من الجهة الأخرى أدخلوا أنفسهم جنباً إلى جنب مع إدارة بوش، وأصبح جزء كبير من مصيرهم معلقاً بيد بوش وجماعة المحافظين الجدد وفقاً للمبدأ الاستراتيجي المتعلق بسياسة حافة الهاوية، (Brinkmanship) أي أن أجر خصمي وأقف معه جنباً إلى جنب على حافة الهاوية بحيث إما أن نقع جميعاً في الهاوية وتكون الخسارة شاملة، أو أن نبتعد معاً عن الهاوية ونكسب جميعاً.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...