حذار من نشوة الإنتصار

04-06-2007

حذار من نشوة الإنتصار

خصصت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية الشهيرة في عددها قبل الأخير، (26 أيار - 1 حزيران)، موضوعها الرئيسي لذكرى حرب 6 حزيران 1967 بين العرب وإسرائيل، وعلى الغلاف صورة جنود إسرائيليين منتشين بالنصر الكاسح، تحت عنوان: "النصر الضائع لإسرائيل: حرب الايام الستة بعد 40 سنة". ويلفت في التحقيق ما آلت إليه أوضاع الدولة العبرية المتردية اليوم بعد تلك النشوة بالإنتصار الكامل على جيوش الدول العربية المحيطة بها، واحتلالها الضفة الغربية لنهر الأردن وغزة ومرتفعات الجولان، والجائزة الكبرى: سيطرتها التامة على القدس، وكيف ان تلك النشوة فتحت شهية الإسرائيليين على محاولة تحقيق إسرائيل الكبرى من الفرات الى النيل! وأكد كاتب التحقيق ان تلك المرارة التي ولّدها ذلك الإنتصار الكامل في نفوس المواطنين العرب في مختلف البلدان العربية، أوصلت العالم الى ما يشهده اليوم من أعمال إرهابية مرعبة.
إذاً، النصر الكامل لدى أي فريق يولد مرارة كبرى لدى أي فريق خاسر، والنتيجة ما نشهده في كل الساحات السياسية والأمنية والإجتماعية والفكرية وغيرها، وهو ما يعرفه حتى الأولاد الصغار الذين "يحمضّون" بعضهم لبعض، كما يقال بالعامية، عندما يخسرون في مبارزة أو منافسة أو مباراة يغيب عنها العدل ويستعدون لأخذ الثأر.
ثمة قول لكاتب لاتيني مغمور يدعى راوول فوليرو وضعه في كتاب عام 1920 يحمل إسم "كتاب الحب"، جاء فيه: "العلامة الأولى للحب هي العدل، وثمر العدل السلام". وهذا يختصر كل شيء في الحياة، لأن لا سلام بلا عدل، كما هو معروف، لكن السؤال: لماذا يستمر هذا المعروف جيداً، بعيداً من متناول الشعوب والأوطان والحكام المتجبّرين الذين ينظرون الى انعكاس "نَشَواتهم" في المرايا ولا يرون المرارات التي يخلّفها تجبّرهم وتسلطهم وكل أنواع المكابرة والعجرفة؟
ثمة الآن، في مكان ما، ونفس ما، اعتمالات "تحميض" كالغازات في مختبر تتجمع وتتفاعل، لأن ثمة الآن، في مكان ما، ونفس ما، انتصاراً كاسحاً ونشوة كاملة في سحق خصم.
حقاً ان الفردوس لن يكون يوماً على الأرض، لأن فوليرو نفسه يقول إن الفردوس هو عندما ينام المرء وكل مَن حوله سعداء، لأنه لا يحق لأحد أن يكون سعيداً لوحده. لكن كثيرين لا يأبهون لكل الأقوال المماثلة، ولا لتلك التي وردت في الأنجيل أو القرآن أو الكتب الدينية المختلفة، على رغم ان هؤلاء يختارون آيات منها يجتهدون في تفسيرها لتلائم توجهاتهم في سحق الآخرين، أو "التحميض" حتى الإنتقام الإجرامي الكامل.
اننا نعجز عن وصف الحال التي تعتمل في صدور اللبنانيين اليوم، والتي تتأرجح بين انتصارات وانسحاقات، وما بينهما من "تحميضات" انتقامية في مكان ما ولحظة ما. ليت العدل يسود، من دون سيف وحجاب على العينين. ليته يكسر المرايا ولا يكسر النفوس. نحيا، ويحيا العدل، آمين.

مي ضاهر يعقوب

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...