جرائم الشرف...عنصر المفاجأة ..أسـاس العـذر المخفـــف

12-07-2009

جرائم الشرف...عنصر المفاجأة ..أسـاس العـذر المخفـــف

ربما كانت حادثة (زهرة) تلك الفتاة الطيبة، التي لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها، تلك الفتاة البريئة التي تم اغتصابها من قبل صديق والدها ومن ثم جرى قتلها بعد مضي عشرة أشهر على الحادثة وبعد أربعين يوماً من زفافها.

ربما كانت تلك الحادثة التي سمعتها من مديرة معهد تأهيل الفتيات في دمشق، رئيسة منتدى السوريات الإسلامي السيدة أسماء كفتارو هي السبب في التفكير بالكتابة عن جرائم الشرف والاطلاع على آراء عدد من المختصين والمعنيين.‏

السيدة كفتارو التي قامت بتدريس زهرة لمدة تجاوزت تسعة أشهر تروي الحادثة بحزن شديد فتقول:‏

(زهرة) من إحدى المحافظات الشرقية تم قتلها منذ عامين ونصف في منطقة السيدة زينب بدمشق بعد زفافها على ابن خالتها بأربعين يوماً.‏

هذه الفتاة اغتصبت من صديق والدها، ففرت إلى أحد مخافر دمشق، وتم تحويلها إلى معهد تأهيل الفتيات، وبقيت فيه عشرة أشهر.‏

- زهرة كانت في سن 16 سنة، وهي فتاة جميلة ومهذبة ولطيفة جداً وبعد تسعة أشهر حضر والدها وكتب تعهداً بعدم إيذائها.‏

- تم عقد قرانها في معهد تأهيل الفتيات، وخرجت منه عروساً، حتى إن أعضاء جمعية تطوير دور المرأة حضروا زفافها وباركوه.‏

- بعد أربعين يوماً على زفافها حضر شقيقها (ف) إلى منزلها في السيدة زينب.. واعتذر منها، وطلب أن يأكل من طبخها.. ثم نام عندها سواد الليل، وفي الصباح قام بطعنها بسكين ثماني طعنات تم نقلها إلى مشفى المجتهد ووصلت إليه بحالة حرجة، حيث لم يستطع الأطباء وقف نزيفها، وبعد ثماني ساعات فارقت الحياة.‏

- لم نذكر حادثة زهرة للسادة ميساء حليوة، الناشطة في مجال حقوق المرأة، وعضو مجلس الشعب المحامي غالب عنيز، والنائب الدكتور محمد حبش والدكتور أحمد برقاوي الذين تحاورت معهم واطلعت على آرائهم فيما يتعلق بموضوع (جريمة الشرف) وذلك حرصاً منها على رأي دون مؤثرات، فحصلت على مجموعتين متناقضتين من الآراء حول الموضوع ذاته، الرأي الأول يمثله النائب المحامي غالب عنيز، والرأي الآخر يمثله الباقون.. وهكذا كانت البداية.‏

رد المحامي والنائب غالب عنيز على سؤالنا حول أهم المشكلات التي تعانيها المرأة بالقول:‏

يجب علينا الانتباه والحذر عند الإجابة عن أي سؤال حول مشكلات المرأة وما تعانيه في مجتمعاتنا، الانتباه لماهية من يسأل هذا السؤال وخلفيته الفكرية.‏

وأضاف: إن المرأة الشرقية، والعربية خصوصاً تُهاجم من المتأثرين بالفكر الغربي الذين يدعون الدفاع عنها وعن حقوقها وهناك غايات تقف وراء ذلك الهدف، منها الدعوة إلى التفلت تحت مسميات الحرية، أو عدم التمييز ضد المرأة ومقاومة العنف الموجه إليها.‏

وأكد إيمانه المطلق بحقوق المرأة واحترامها وعدم الانتقاص من قدرها في إطار قيمي تربوي أخلاقي، وأنه لا ينكر أن هناك عدداً من المشكلات التي تعاني منها المرأة، لكنها ليست على مستوى الظواهر والسمات لمجتمعنا، بل هي هنات تحمل في طياتها الجهل والظلم، وتعود في مجملها إلى بعض الأعراف والعادات، طارحاً مثالاً على ذلك رغبة البعض، وخاصة في الريف بعدم تعليم المرأة أو السماح لها بالعمل، لكن ذلك كله -حسب رأيه- لا يبرر الأصوات التي تبرز بين حين وآخر وتصور المرأة على أنها مهضومة الحقوق في مجتمعنا، منتقصة الاحترام، تعامل على أنها تابع للرجل، لاحيلة ولا قوة لها.‏

وقال عنيز: إن الإسلام ينظر للمرأة على أنها جوهرة ثمينة يجب أن توضع في المكان الذي تستحقه من الصيانة والرصانة لأنها أسُّ المجتمع وأساسه ولا تكتمل الحياة من دونها، فهي شريكة الرجل ومعه على أساس من التكامل يناسب ظروفها الجسدية والأخلاقية ويرفع من مكانتها ولايجعلها سلعة رخيصة يتم تسويق السلع من خلالها. ورأى أن المشكلات التي تعانيها المرأة في مجتمعنا تحتاج إلى علاج، مبيناً أن المرأة محترمة ومحصنة في مجتمعاتنا أكثر من الغرب ولا يمكن الانتقاص من قدرها، طارحاً المثال على ذلك بتبوئها أعلى المناصب في جميع مجالات الحياة.‏

وعن جريمة الشرف أوضح عنيز أن العذر المحل يستفيد منه فقط من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنى المشهود مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو أحدهما بغير عمد، ولذلك ضوابط وقيود واضحة هي: عنصر المفاجأة، فلا يستفيد من قتل أو أذى في غير وجود المفاجأة، أي بعلم أو ترتيب مسبق إذ ينقلب الحال إلى تشديد العقوبة.‏

وإضافة إلى ذلك يجب أن يكون الزنى مشهوداً واضحاً لا لبس فيه وكذلك يمنح العذر المخفف في حالة الريبة، وهذا أمر طبيعي لأنه يراعي أحاسيس ومشاعر الإنسان، مستشهداً بحالات مماثلة يتم فيها منح العذر المخفف في حالات الغضب والانفعال وتناول المسكرات أو المخدرات والدفاع المشروع عن المال أو ضد السرقة والنهب واستعمال العنف، وكل ذلك يقع ضمن إطار الدفاع عن الأسرة.‏

وأضاف: إن هذه الجرائم قليلة جداً في مجتمعنا ووجود بعض منها يدل على جهل في بعض الأحيان أو قسوة أو حياة معقدة أو تشدّد وإفراط في أحيان أخرى وإن عددها في دمشق لا يتجاوز حالة واحدة سنوياً، وهي تزيد في الأرياف، وغالباً لا يكون دافعها الشرف وإنما أمور مادية أو ما يتعلق بالإرث أو الثأر وغير ذلك من العادات العقيمة التي نحاربها جميعاً.‏

- وبين أن المستفيدين من العذر المحل ضمن الضوابط والشروط أو حتى العذر المخفف قلة قليلة لا تشكل ظاهرة إطلاقاً، أما الحالات المدعاة تحت غطاء جرائم الشرف فهي تخرج عن هذا الإطار.‏

- وتابع قائلاً: إن تعدد الزوجات لايسمح بإعطاء المرأة العذر المحل أو المخفف لاختلاف الحالة النفسية أولاً ولإمكانية استخدامه في التخلص من (الضرّة) (الزوجة الثانية).‏

النائب الدكتور محمد حبش تحدث عن بعض المشكلات التي تعانيها المرأة ومن ضمنها جريمة الشرف، مرجعاً ذلك إلى العادات والتقاليد، ومبيناً أن الأديان عموماً نصت على تكريم المرأة وإنصافها وحمايتها ورأى أن منح العذر المحل في جريمة الشرف يوقع الكثير من الحالات المأساوية التي تصيب المرأة، إضافة إلى كونه يثبت الحد من دون بينة، وكما هو معلوم فإن الحد لا يثبت إلا بالبينة، والبينة أربعة شهود عدول يشهدون برؤية الفاحشة، وهو يجعل الأفراد يصادرون صلاحيات الدولة بتطبيق الأحكام وهذا يؤدي إلى الفوضى.‏

وروى د. حبش حادثة وقعت في حياة النبي (ص) ولكنه لم يأذن أبداً بأن يقوم الأفراد بتطبيق القانون.‏

«وفي الحديث أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله أحدنا يجد مع امرأته رجلاً فإن سكت سكت على غيظ، وإن قتل قتلتموه وإذا ذهب يلتمس الشهود فإن الجاني سيفر. فقال النبي: انظروا إلى صاحبكم، إنه غيور، وإن الله أغير منه، البيّنة أو حدّ في ظهرك (ستعاقب).‏

وتابع د. حبش: أنا أعتقد أن تشديد عقوبة الزنى هو المنطق العقلاني لحماية البلاد من الفحشاء وليس منحهم السواطير ليضرب بعضهم بعضاً، مبيناً أن معظم ما يسمى جرائم شرف هي ليست كذلك. ويذهب ضحيتها فتيات بريئات يتم اغتصابهن أو التغرير بهن.‏

وتتحدث المحامية الناشطة في مجال حقوق المرأة ميساء حليوة عن أهم مشكلات المرأة في مجتمعنا وتبدأ بالحديث عن الطلاق التعسفي والتعويض الذي لا يتجاوز مبلغ نفقة ثلاث سنوات فوق نفقة العدة جملة أو شهرياً، وتساءلت لماذا يكون الطلاق بيد الرجل الذي يملك هذا (الحق) متى شاء دون العودة إلى القضاء وفي ذلك ظلم يقع على المرأة كما تقول:‏

ورأت أن لهاث المرأة وراء النفقة بعد الطلاق يكلفها في كثير من الحالات إضافة إلى الإهانة والذل أضعاف ما ستحصله، حيث ستدفع الكثير للمحامين للوصول إلى حقها، مبينة في الوقت ذاته أن حكم النفقة جوازي وليس وجوبياً، وأن الأقسى على المرأة من ذلك، المرأة الفقيرة تحديداً أن النفقة تقل كلما كانت المرأة فقيرة وتتصاعد كلما كانت المرأة ثرية بغض النظر عن حجم الضرر وحجم الإساءة مستغربة أن يكون التعويض حسب الطبقة الاجتماعية وليس حسب الضرر الواقع على المرأة، وهي ترى أن المرأة الفقيرة تعاقب بذلك مرتين.‏

وحول جريمة الشرف أوضحت حليوة أن الناس منذ بدء الخليقة ينزعون إلى تشكيل جماعات للحفاظ على غريزة البقاء، وأن أهم وظائف الدولة الحديثة بموجب العقد الرضائي الذي أبرمته مع الأفراد هو ولاؤهم لها وحمايتها لهم، ولاسيما حقهم في الحياة دون التفريق بين الرجل والمرأة وبغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق.‏

وأضافت: إن جريمة الشرف تعود بالمرأة إلى رحم القبيلة وتأتي في الدرجة الثانية بعد جريمة الوأد الجاهلية، مبينة أنها أعطت الحق لنصف المجتمع بقتل نصفه الآخر وجعلت من نصفه قرباناً للنصف الآخر وقسمت المجتمع إلى شريحتين مجرم وضحية.‏

وأوضحت أن حق إنزال العقاب على الجاني يتعلق بالنظام العام وبهيبة الدولة أمام مواطنيها لا أن يقوم الشخص بأخذ حقه بيده ويغسل عاره بنفسه، فهذا إرث يرسخ شريعة الغاب لأن المنطق هنا هو منطق القوى غير المتكافئة وغير المتوازنة داخل الأسرة والتي تعود بأصولها ونشأتها إلى نشأة العبودية الأولى.‏

ورأت أنه آن لنا أن نخرج من شريعة حق القوة لندخل في شريعة قوة الحق.‏

وتابعت حليوة: نحن لم نسمع يوماً أن امرأة قتلت زوجها بداعي الشرف، وهي الموكل لها تمثّل هذه القيم ونقلها لبنات جنسها تحت طائلة القتل، فإذا ما قتلت امرأة زوجها ليس في حالة شكها به، كما يفعل هو في كثير من الحالات، بل في حالة وجوده بمنزل الزوجية وممارسة الزنى على فراش الزوجية ستكون عقوبتها عقوبة القتل العمد أو القصد، بينما لا تتجاوز عقوبته هو أكثر من شهر إلى سنة.‏

وبينت أن الناس متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات وفي الوقت نفسه تراعى حالة الرجل النفسية ولا تراعى حالة المرأة النفسية، وليس في هذا دعوة لأن تقوم المرأة بما يقوم به الرجل، ولكن لإظهار المفارقة فقط.‏

وقالت: السؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كان الأساس الذي قامت عليه جرائم الشرف هو تطاول المرأة على قيم العفة والفضيلة، ألا يشكل ارتكاب الرجل لهذا الجرم تطاولاً على قيم العفة والفضيلة؟ أم إن الرجل هو الذي وضع القانون وهو الذي أعفى نفسه من هذه العقوبة وحصرها بالمرأة؟.‏

وتحدث الدكتور أحمد برقاوي عن جريمة الشرف، بالقول: إن تخصيص الرجل بالعذر المحل يدل على عدم المساواة بين الرجل والمرأة، ويوقع عليها ظلماً كبيراً، بل يجعل حياتها في كثير من الأحيان بيد الرجل وتبعاً لرحمته وتحضره ووعيه، مشيراً إلى الكثير من الجرائم التي ذهبت ضحيتها فتيات لم يقمن بفعل الزنى، بل تم الاعتداء عليهن واغتصابهن، ومن ثم قتلهن (غسلاً للعار) ونحن بذلك نقتل المرأة مرتين، رغم أنها أمنا وأختنا وابنتنا وزوجتنا، ونصف المجتمع الذي لا يستمر إلا بوجودها.‏

وعن الطلاق قال برقاوي: هو بالتعريف الفلسفي اثنان ما عادا يطيقان العيش معاً فقررا الانفصال، ولكن عندما يقرر الشخص أنه لا يستطيع العيش مع شريكه عليه أن يلتزم بحماية حقوق الشريك.‏

وانتقد برقاوي استخدام سلاح الطلاق ضد المرأة وحصره بيد الرجل الذي يجعلها في كثير من الأحيان تقبل بما لا ترغب به متسائلاً: كيف يكون الزواج نتيجة قبول الطرفين وقرار يتخذانه معاً ويوقعانه معاً، فيما يكون الطلاق في يد أحدهما (الرجل) ونتيجة قراره وحده، حتى لو كان الطرف الآخر لا يريده؟‏

***‏

أصدر الرئيس بشار الأسد  المرسوم التشريعي رقم 37 للعام 2009القاضي بالغاء المادة 548 من قانون العقوبات والاستعاضة عنها بنص آخر وفيما يلي نص المرسوم التشريعي: الجمهورية العربية السورية المرسوم التشريعي رقم 37 رئيس الجمهورية بناء على أحكام الدستور يرسم ما يلي: المادة 1 - تلغى المادة 548 من قانون العقوبات ويستعاض عنها بالنص التالي.. يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنى المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو ايذائهما أو على قتل أو ايذاء أحدهما بغير عمد على ألا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل.‏

وحول المرسوم التشريعي رقم 37 صرح القاضي أحمد حمود يونس وزير العدل انه كثرت في الآونة الاخيرة جرائم القتل او الايذاء بحق الزوجات وغيرهن من القريبات بداعي مفاجأتهن بجرم الزنى المشهود او في صلات جنسية فحشاء او في حالات مريبة مع آخر وكان نص المادة 548 عقوبات الملغاة يعفي مرتكب جريمة القتل او الايذاء سندا لهذه المادة في هذه الحالات من كل عقوبة ويحلله من اي مسؤولية او عقاب على فعله.‏

واوضح الوزير يونس أن هذا الاعفاء يجانب القواعد العامة في التشريع السوري التي اناطت الحق بالعقاب وتقرير المسؤولية بالسلطة القضائية المختصة مبينا ان النص السابق للمادة 548 المذكورة الملغاة كان مثارا للجدل والانتقاد منذ صدور قانون العقوبات في عام 1949.‏

واوضح وزير العدل انه وبإصدار السيد رئيس الجمهورية للمرسوم التشريعي رقم 37 تاريخ 1/7/2009يكون قد تم تصويب ومعالجة الحالات التي تنطبق على هذه المادة المعالجة الصحيحة التي تتوافق مع احكام القانون وقواعد العدالة وهذه خطوة مهمة تضاف إلى الانجازات التشريعية العديدة والمستمرة في تعزيز نهج الإصلاح والبناء والتقدم.‏

هلال عون- تغريد جباوي

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...