ترجمة لتاريخ دمشق لم تسلم من الأخطاء

24-11-2007

ترجمة لتاريخ دمشق لم تسلم من الأخطاء

خلال مشاركتي في أعمال الندوة الدولية «دمشق في التاريخ»، التي عقدت في جامعة دمشق خلال تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، لفت نظري غياب المؤرخ الفرنسي جيرار دي جورج عن مثل هذه الندوة وهو الذي كان أصدر في عام 1994 مؤلفاً شاملاً عن دمشق في التاريخ منذ أقدم العصور وحتى سنوات الرئيس الراحل حافظ الأسد.

وعلى رغم من أهمية هذا الكتاب الذي يتناول تاريخ المنطقة وليس دمشق فقط باعتبارها مركزاً للأحداث التي تعاقبت على المنطقة، ويتسم بنقد غير مسبوق للسياسة الأوروبية تجاه المنطقة (من الحروب الصليبية والبعثات التبشيرية إلى سياسة الانتداب)، إلا أنه لم يترجم ويصدر حيث كان يفترض ذلك بسبب الفصل الأخير على ما يبدو الذي يتناول عهد الرئيس حافظ الأسد. وعوضاً عن ذلك فقد ترجم وصدر أخيراً في القاهرة عن «المشروع القومي للترجمة»، بترجمة محمد رفعت عواد ومراجعة وتقديم محمود ماهر طه.

ومع تقديرنا لما قام به «المشروع القومي للترجمة» بإصداره هذا الكتاب، وهو الذي أغنى المكتبة العربية بمئات الكتب، إلا أن هذا الكتاب بالذات كان يستحق الاهتمام أكثر، سواء في الترجمة أو في المراجعة. فالمترجم محمد عواد ليس متخصصاً بالتاريخ بل باللغة والأدب الفرنسي، كما أن المُراجِع الذي يفترض أن يعوض ذلك (د. محمود طه) متخصص في الآثار المصرية ويدرس التاريخ الفرعوني والديانة المصرية القديمة.

ومع أن المراجع يشيد في مقدمته بعمل المترجم في الكتاب ويشير إلى أن ما ساعده على ذلك عمله في دمشق خلال فترة الوحدة 1958-1960، إلا أن العمل الوظيفي في دمشق شيء وتاريخ المنطقة كما يتعرض له الكتاب شيء آخر. ولذلك فقد حفل الكتاب بأخطاء كثيرة تتعلق بأسماء الأعلام وأسماء الأمكنة والمصطلحات التي تعبر عن المنشآت والمؤسسات. وكان من الممكن تفادي ذلك لو كان ُمراجع الكتاب من المؤرخين المصريين العارفين ببلاد الشام، وهم كثر، أو من المؤرخين الشاميين.

وهكذا إذا تصفحنا الجزء الثاني فقط، لكونه أقرب إلى الواقع والوعي التاريخي، نجد من أسماء الأعلام «الأمير طوراباء» عوضاً عن طراباي و «خرام باشا» عوضاً عن خرَّم و«تنكيز» عوضاً عن تنكز «وفرهد باشا» عوضاً عن فرهاد إلخ. ومن أسماء الأمكنة نجد «مزايديت» عوضاً عن مزيريب و «جبل الهرمون» عوضاً عن جبل الحرمون و «جزيرة رواد» عوضاً عن جزيرة أرواد و «نهر العواج» عوضاً عن نهر الأعوج و«دمير» عوضاً عن الضمير و «سوق الكوجة» عوضا سوق الخجا في دمشق و «المدرسة الجكماكية» عوضاً عن الجقمقية المعروفة في دمشق إلخ.

ومع ذلك يمكن القول إن المآخذ الأساسية على الترجمة تتعلق بالمصطلحات التي تثير إشكالية الفهم عند القارئ. وهكذا يلاحظ أن مصطلح الوقف المعروف في تاريخنا وتراثنا يترجم بأكثر من شكل إلى اللغات الأوروبية وعندما يترجم ثانية إلى اللغة العربية يصبح في حاجة إلى تفسير. وهكذا حين يرد الحديث عن والي الشام المعروف سنان باشا يقال إنه: «أنشأ أكثر من أربعين جامعاً وحوالى مئة مؤسسة خيرية»، والمقصود هنا أنه أنشأ حوالى مئة وقف. ويتكرر الأمر حين يرد في الترجمة العربية أن «مؤسسة سنان باشا الخيرية من أهم المباني في إقليم دمشق»، إذ أن المقصود هنا هو وقف سنان باشا الذي كان يتضمن مساجد وخانات (انظر كتابنا عن وقف سنان باشا: معطيات عن دمشق وبلاد الشام الجنوبية في نهاية القرن السادس عشر، دمشق، 1993). ويلاحظ هنا أيضاً استخدام المترجم لـ «إقليم دمشق» عوضاً عن ولاية دمشق التي كانت لها حدودها المعروفة خلال الحكم العثماني.

وفي ما يتعلق بالمصطلحات الشائعة خلال الحكم العثماني لدمشق، التي تعتبر مهمة لفهم تطور الأحداث هنا، لدينا الصراع التقليدي بين قوات الانكشارية الواردة حديثاً إلى دمشق (القابيقول أو عبيد الباب/ السلطان) التي كانت تعبر أكثر عن مصالح السلطة المركزية، وبين الانكشارية المحلية (اليرلية) التي اندمجت مع السكان وأصبحت تعبر أكثر عن مصالحهم. ولكن في الترجمة العربية نجد أن القوات الأولى ترد في أكثر من صيغة («الانكشارية الإمبراطورية» و «الكابيكولو»، و «الكابيكولوز»)، بينما ترد القوات الأخرى تحت اسم «يرليا».

ومن المآخذ الأخرى على الترجمة في هذا المجال عدم تفهم المترجم لمصطلح «قهوة خانه» الذي شاع في دمشق في بداية الحكم العثماني (انظر مقالتنا: معطيات جديدة عن بداية المقاهي في بلاد الشام، الحياة 18/2/2006). وهكذا يبدو أن مصطلح «خانه» الذي يعني مكان شرب القهوة قد اختلط مع «حانه» مما جعل المقطع الذي يتحدث عن بداية انتشار القهوة والمقاهي في دمشق مشكلاً على القارئ. ففي الترجمة العربية يرد أنه «في القرن السادس عشر ظهر نوع جديد من المنشآت في دمشق ويقصد بها الخمارة وهي حانة صغيرة تقدم المشروبات الكحولية مع تعاطي القهوة. أدخل هذا النوع إلى دمشق للمرة الأولى عام 534، وشق المشروب الجديد طريقه بنجاح كبير...». ومن المعروف هنا أن الخمارة أو الحانة كانت معروفة في دمشق خلال الحكم المملوكي، بينما كان الجديد في دمشق «بيت القهوة» أو «قهوة خانه».

في الواقع، ما لدينا هنا مجرد نماذج من الجزء الثاني، حيث إن استعراض الجزءين يطول كثيراً. ولذلك من المأمول بعد تحول «المشروع القومي للترجمة» إلى «المركز القومي للترجمة» باستراتيجيته الجديدة أن يكون هناك اهتمام أكبر لمراجعة الترجمات، وبخاصة في ما يتعلق بالمؤلفات ذات الطابع المحلي أو التخصصي، حيث يتحمل المراجع في هذه الحالة دقة الترجمة، وأن يعيد إصدار هذا المؤلف المهم عن بلاد الشام بعد مراجعة جديدة له.

محمد م. الأوناؤوط

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...