تدمير مفاعل دير الزور: احتفال إسرائيلي متأخّر

22-03-2018

تدمير مفاعل دير الزور: احتفال إسرائيلي متأخّر

 

سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية، لوسائل الإعلام العبرية، اليوم، بالكشف عن كواليس القضاء على مفاعل دير الزوري السوري عام 2007. ومع التبني الإسرائيلي للمسؤولية عن «العملية الناجحة التي قضت على واحد من المشاريع الهادفة للقضاء على إسرائيل»، يكشف الإعلام العبري تفاصيل تنشر، للمرة الأولى، حول العملية التي شاركت فيها مختلف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بقيادة 25 ضابطاً أمنياً، من بينهم ثلاثة «لولاهم لما حصل ذلك كله».

وبحسب تحقيق مطوّل لصحيفة «هآرتس»، فإنه على مدار سنوات طويلة من الإخفاق الاستخباري الإسرائيلي، تمكّن السوريون من بناء المفاعل. وقالت إن الإخفاق الاستخباري يُعتبر «الأخطر على الإطلاق منذ حرب يوم الغفران»، طبقاً لشهادات عدد من كبار الضباط الأمنيين والعسكريين؛ إذ فوّتت إسرائيل، لسنوات، الفرصة لاكتشاف مشروع دولة مجاورة استثمرت إسرائيل موارد هائلة في مراقبة أنشطتها.

الحملة العسكرية كانت بمثابة الإنجاز الأضخم على الإطلاق لرئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود أولمرت، والذي كان قبل سنة من ضربة المفاعل، قد جرّ إسرائيل لحرب خاسرة مع لبنان عام 2006، ليضطرّ بعد سنتين من ذلك إلى الاستقالة من منصبه، بعد إدانته بالفساد، وسجنه.

تحقيق «هآرتس» يعتمد على مقابلات مع 25 مشاركاً في الحملة، وفيه سرَدَ هؤلاء الأحداث المتداخلة والمترابطة للعملية التي دارت بين إسرائيل والولايات المتحدة. «كثيرون ممَّن شاركوا، لهم الفضل في تدمير المفاعل»، الكلام لأحد المسؤولين الذين لعبوا دوراً رئيساً في التحضير للضربة العسكرية. يقول: «في النهاية، لم يكن ممكناً تدمير المفاعل لولا ثلاثة أشخاص، هم: أولمرت، ورئيس الموساد مئير داغان، وقائد سلاح الجو الميجر جنرال إليعازير شيكدي».

«حجر الزهر»

ليس بعيداً عن مدينة دير الزرو، يقع مبنى كبير مربّع الشكل، كان لا يزال قيد الإنشاء في قلب الصحراء السورية، عندما بدأت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية توليه اهتماماً خاصاً في نهاية 2006؛ لتطلق عليه في ما بعد اسم «المكعب المجري» (حجر النرد أو الزهر). مع مرور الأشهر، ازدادت الشكوك الإسرائيلية في أنه تحت السقف العريض للمبنى، يكمن المشروع السرّي للرئيس بشار الأسد: «مفاعل نووي كوري شمالي من أجل امتلاك الأسد الابن قوة توازن استراتيجية، يمكن أن تلغي التفوّق العسكري والتكنولوجي لإسرائيل».

بدأ الاهتمام الإسرائيلي والغربي بالمؤشرات الأولية التي دلّت على سعي سوريا للحصول على منشآت نووية، في نهاية التسعينيات؛ أي مع انتهاء ولاية الرئيس الأسد الأب. ولكن المرة الأولى التي بدأت فيها إسرائيل التعامل بجديّة مع هذا الاحتمال، كانت بعد الكشف عن فجوة استخبارية خطيرة ترتبط بدولة أخرى، هي ليبيا. يشرح الرئيس الأسبق لمديرية جهاز «الموساد»، أمنون صوفرين، أنه «في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2003 ، شَغّلتُ المذياع، فسمعت أنباءً عن أن الأميركيين والبريطانيين أقنعوا ليبيا بالانسحاب من برنامجها النووي».

ويقول: «في صباح اليوم التالي، عقدتُ اجتماعاً للقسم، وقلت أمام الحاضرين إننا إزاء فشل استخباري ذريع؛ أولاً لم يكن لدينا أدنى فكرة عن وجود برنامج نووي ليبي، وثانياً لم يكن لدينا أدنى فكرة عن المفاوضات الجارية منذ ثمانية أشهر لإقناع ليبيا بتفكيك مفاعلها». يضيف: «بدأنا العمل ودراسة البرنامج الليبي، وعدنا إلى الوراء في محاولة لمعرفة أي من دول المنطقة يمكن أن يكون لديها مشاريع مماثلة».

وفق الصحيفة، فإنّ «ليبيا القذافي» حاولت تطوير مفاعل لتخصيب اليورانيوم، بمساعدة الأب الروحي للبرنامج النووي الباكستاني، عبد القادر خان. كانت المرافق ذات العلاقة بالمشروع الليبي «مخبأة في أقنان الدجاج والمدارس». وبحسب صوفرين، فإن «الاستخبارات الإسرائيلية عادت إلى الوراء لمعرفة تاريخ وأماكن أسفار خان في الشرق الأوسط، ليتبيّن أنه زار سوريا في التسعينيات». بعد مرور شهر ونصف الشهر على ذلك «استنتج فريق من محقّقي الموساد أنّ سوريا تعمل على برنامج نووي خاص بها».

في شباط/ فبراير 2004 ، قدَّم أحد فروع الموساد وثيقة لرئيس الجهاز في حينه، مئير داغان، تتضمّن فرضية بأن سوريا تسعى لامتلاك سلاح نووي. لكن داغان «شك في صحة الفرضية»؛ إذ إن سوريا «لم تكن في حينه في قمة أولويات الموساد، كما أنّ الوثيقة لم تقدّم أدلة حسيّة على الموضوع».

في الوقت الذي انشغل فيه «الموساد» بالتدقيق بالفرضية، كان قسم الأبحاث التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» يعمل في الاتجاه نفسه. عشية عدوان تموز 2006، قدّم الجهاز تقديراً استخبارياً لرئيس هيئة الأركان في حينه، دان حالوتس، يفيد بأن «سوريا ضالعة في المجال النووي». قبل عام من ذلك، تولّى العميد إيلي بن مئير منصب رئيس المجال التقني في قسم الأبحاث في الشعبة، وضمّن شهادته للتقرير معتبراً أنه «على الرغم من أن إيران كانت محور اهتمامنا، قمنا بتعيين فريق من الباحثين لدراسة إمكانية وجود برنامج نووي في سوريا».

بن مئير يضيف أنه «لم يكن لدي خبرة سابقة في الساحة السورية، ولذلك قال لي جميع رجالات الاستخبارات الذين عرفوا بشار، إن الرئيس الأسد غير مهتم بذلك، وهذا المشروع ليس ضمن اعتباراته... مع ذلك وضعنا فريقاً من المحقّقين من أجل نفي أو تأكيد الموضوع». ضمن هذا الإطار، يصف العميد، يوسي بيديتس، الذي كان في حينه رئيساً لقسم الأبحاث، النتائج الأولية التي خلص إليها البحث بأنها بمثابة «أعمدة دخان من سوريا». أمّا رئيس «أمان» في حينه، اللواء عاموس يدلين، فيقول إنه «في غياب بنية تحتية بحثية حقيقة حول سوريا، سعت الاستخبارات للحصول على دليل حول تعاون نظام الأسد مع الدول الأجنبية. وكانت الخيارات المطروحة هي كوريا الشمالية وإيران».

في إطار التحقيق، أثار مبنى في موقع بعيد ومعزول يسمى «الكُبر»، ويبعد أقل من كيلومتر واحد من نهر الفرات، اهتماماً خاصاً للأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية. كان هذا هو «حجر الزهر البالغة مساحته 1600 متر وعلوه 20 متراً»، بحسب يدلين. ويضيف أن «الكوريين والسوريين قاموا ببناء منشأة تمويه فوق المفاعل، والتي تبدو من الخارج مثل مصنع، بحيث لا يمكن معرفة ما يحدث في الداخل».


«الخرق الأول»

في تشرين الأول 2006، قدّم الرائد (ي) الباحث في المجال التكنولوجي التابع للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وثيقة مطوّلة بعنوان: «قضيّة للفحص». كان (ي) يعتقد أن عمليات البحث الجارية في سياق معرفة تفاصيل وماهية المفاعل السوري «تسري في قناة خاطئة». وبرغم من أن الوثيقة البحثية وصلت إلى أيدي كبار الضباط في «الموساد»، بقي الأخير يشكّك في صحة الموضوع، ومع وصول مدير الاستخبارات القومية الأميركي في إدارة بوش الابن، جون نيغروبونتي، إلى إسرائيل في كانون الأول من العام ذاته، جرى تقييم إسرائيلي-أميركي للشكوك، خلص إلى احتمال وجود المفاعل.

في كانون الثاني 2007، كُشفت صور من الأقمار الاصطناعية للمفاعل القريب من نهر الفرات. الباحثون الإسرائيليون شرحوا أن «هذا دليل على تطوير جهاز التبريد، الذي يعتبر أساسياً في المفاعل». بدأت الاستخبارات العسكرية و«الموساد» في العمل على تأكيد أو نفي فرضية الرائد (ي).

ضمن هذا الإطار، يشرح الضابط في «الموساد»، رامي بن براك، أن «داغان ألقى على عاتقنا مهمة التأكّد من وجود المفاعل من عدمه». ويشير إلى أن «هناك بعض الأخطاء التي يرتكبها البعض، تكون بمثابة فرص بالنسبة إلى الآخرين... وهكذا وصلنا إلى المفاعل».

الشرارة من النمسا

«الانفراج التالي»، بالنسبة إلى «الموساد»، كان في الواقع نقطة التحوّل في القضية بأكملها. وقد حدث في بداية آذار 2007 في العاصمة النمساوية، فيينّا. ولا بد من الإشارة هُنا إلى أن إسرائيل لم تتبنّ رسمياً، حتى الآن، ما حدث في فيينا، ولكن بناءً على تقرير لمجلة «نيويوركر» (2012)، فإن «عملاء الموساد دخلوا إلى جناح رئيس هيئة الطاقة الذرية السوري، إبراهيم عثمان، الذي كان قد نزل في فندق للمشاركة في مؤتمر هناك عقدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية».

«إهمال عثمان، بترك جهاز حاسوبه الخاص في الجناح، بينما كان يشارك في المؤتمر المنعقد، مكّن رجال الموساد من سرقته، ومعه كل الملفات السريّة، التي تضمنت صوراً للمفاعل السوري في دير الزور». وبحسب «هآرتس»، فإنه «لولا إهمال عثمان لما كان بالإمكان تدمير المفاعل»؛ إذ احتوى حاسوبه على 35 صورة التقطت من داخل المبنى «الغامض» في الصحراء السورية، وقد أظهرت الصور اسطوانات وقضباناً للانصهار، وبعض العمّال الكوريين الذين عملوا هناك. لم تترك النتائج أيّ مجال للشك: «كان المفاعل الذي تحدث عنه (ي) يقع في قلب الصحراء وفي المراحل المتقدمة من البناء ويتّجه نحو الاكتمال».

ضمن هذا السياق، يشرح صوفرين أنه في مساء يوم أربعاء «فُكت الشيفرة»، وفي اليوم التالي (الساعة الثامنة صباحاً)، كان من المزمع أن يلتقي داغان بأولمرت في تل أبيب، بعدما أخبره في اتصال هاتفي أن «كل شكوكنا باتت حقيقية»، ولما عُقد الاجتماع أطلع داغان أولمرت على الصور، وقال «هذا هو المفاعل النووي السوري».

وفقاً لشهادات مسؤولين في «الموساد»، فإن داغان قال لأولمرت: «علامات الاستفهام انتهت والآن بدأت علامات التعجب»، ثم سأل «والآن ما العمل؟»، فردّ رئيس الورزاء «سندمّره».

في 18 نيسان 2007، أخبرت إسرائيل أميركا بالمعلومات التي في حوزتها حول المفاعل السوري، ولكن في 17 حزيران من العام ذاته، أعلن بوش أن بلاده لن تنفّذ غارات جوية ضد سوريا. وفي الأول من أيلول من ذاك العام، أخبرت تل ابيب واشنطن بأنها ستنفذ الضربة الجويّة ضد المفاعل السوري، وهو ما حصل في السادس من الشهر ذاته.


بهجة الإنجاز أنسَت إسرائيل المحاسبة؟


في أعقاب نجاح عملية تدمير المفاعل السوري في دير الزور، أزيحت الأضواء عن تساؤلات محرجة تتعلّق بالإخفاق الاستخباري الإسرائيلي. من هذه التساؤلات، كيف حدث أن المشروع اختفى عن أنظار الاستخبارات الإسرائيلية التي كانت تفخر على مدار سنوات طويلة بمعرفتها بكل حركة في الأراضي السورية؟ لم تواجه حكومة أولمرت، آنذاك، ولا أجهزة الاستخبارات هذا التساؤل، ولم يقدم أيّ منهم الإجابة الجديّة عنه.
«المخيف»، بحسب المسؤولين الإسرائيليين، الذين تحدثوا لـ «هآرتس»، هو أن «كل الكشف بدأ بمصادفة، بينما كان العمل في المفاعل سينتهي بعد سنة، لو لم تحصل الضربة». هؤلاء أضافوا أنه «بالنسبة إلى الجمهور الإسرائيلي، فإن هذا مريح (تدمير المفاعل). ولكن بالنسبة إلى إسرائيل وأجهزتها الأمنية، فهذه فضيحة... مفاعل يُشيد ويبنى على مدى سنوات وكل شيء يجري تحت أنوفنا ومن دون علمنا».

المصدر: الأخبار



 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...