بوش وبلير "محور الضعف"

28-05-2006

بوش وبلير "محور الضعف"

كان المشهد في غاية الاثارة: الرئيسان جورج بوش وطوني بلير، او كما وصفتهما مجلة "الايكونوميست" "محور الضعف"، يحاولان ان يوظفا تأليف الحكومة الجديدة في العراق كأنها خشبة الخلاص لرصيدهما المتدني باستمرار، وكون رئيس الوزراء نوري المالكي تمكن من ايجاد "ائتلاف وطني" وان يكن النقص لا يزال قائماً في وزارتي الدفاع والداخلية يشرعن لغزو فاقد الشرعية، وان الحكومة الجديدة من شأنها ان تلغي مفاعيل الدوافع الكاذبة التي دفعت بالمحور الاميركي البريطاني الى تجاوز مجلس الامن، اي وجود اسلحة الدمار الشامل واشتراك نظام صدام حسين مع تنظيم "القاعدة" في عملية الارهاب في 11 ايلول على نيويورك والبنتاغون.

لم يكن مشهد المؤتمر الصحافي مثيرا فحسب، بل هو يشير الى شعور محور بوش بلير بضرورة وقف تنامي المساءلة في كلا الدولتين، ومن ثم وقف النزف الحاصل لشعبية كل منهما، لا لأن نظام صدام قد ازيل بل لان كلاً منهما اراد طمس الكذب، وما آلت اليه الحرب من ضحايا وتشويه لقيم الديموقراطية في انظمة بلديهما، ورفضهما الاعتراف بحقيقة الاسباب التي دفعتهما الى الغزو دون موافقة الشرعية الدولية.

ثم ان المشهد يوم الخميس الماضي بلور عزلتهما عن مكونات ما سمياه "التحالف" نتيجة سقوط رئيسي وزراء اسبانيا وايطاليا وغيرهما ممن يعملون على سحب وجودهم الفعلي والشكلي في قوات التحالف، لكون المشاركة كانت تعتبر بالنسبة الى الرئيس بوش قياسا وحيدا للصداقة والتحالف مع الولايات المتحدة ومدخلا لرضى الدولة الكبرى الوحيدة.

كما حاول كل من الرئيسين بوش وبلير ان يدمجا شرعية الحرب في افغانستان لكون المجتمع الدولي اعتبر العملية العسكرية على "طالبان" و"القاعدة" "دفاعاً عن النفس" كما ورد في المادة 51 من ميثاق الامم المتحدة، وقد اجمع اعضاء مجلس الامن على الاجراءات في ما يتعلق بافغانستان. الا ان محاولة الدمج كانت بمثابة تسريب لا شرعية غزو العراق مع قانونية الاجراءات التي اتخذها مجلس الامن في افغانستان. لذا تبين ان هذا الخلط، وان نجح في الفترة الاولى، لم يعد ينطلي على شعوب العالم وخصوصا شعبي الولايات المتحدة وبريطانيا.

كان المشهد مثيراً للدهشة لأن المؤتمر الثنائي جاء بعد زيارة طوني بلير للعراق متعمدا الطمأنة والتبرير والسعي في محاولة اخيرة الى اعادة الاعتبار الى وضعه بعدما لم يستطع الرئيس بوش في ظروفه الراهنة محضه اي دعم مثلما فعل هو مع بوش في السنوات الاولى من الغزو. لذلك حاول رئيس حكومة بريطانيا ان يوظف زيارته للعراق  ومحادثاته مع الرئيس الجديد للحكومة العراقية باعتبارها من انتاج التحالف، وبالتالي من شأنه ذلك ان يؤدي الى اعادة النظر في اصرار الرأي العام في كلا البلدين على المساءلة والمحاسبة المكلفة سياسيا لكلا الرئيسين. فالوضع الامني في العراق لا يزال عاجزا عن الطمأنة، اضافة الى المصاعب التي تعوق تعيين وزيري الدفاع والداخلية، كما ان انكشاف المزيد من الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال، اضافة الى عدم توفير الكهرباء وسلامة المواطنين، كلها جعلت من قيام حكومة المالكي وان تكن نسبيا خطوة ايجابية عاملاً غير كاف للايحاء ان انجازاً مهماً قد حصل.

الا ان المشهد كاد ان يكون تاريخيا عندما اختزل صحافي بريطاني الحرص العام على المساءلة بسؤال لكليهما، هل هما نادمان على عمل ما او قول ما اثناء هذه الحرب؟ وكانت اجابة بوش انه آسف لبعض المفردات التي استعملها مثل "نريده (بن لادن) ميتاً او حياً". الانطباع الذي يبدو ثابتا ان لورا بوش لفتت زوجها الى المردود العكسي لمثل هذه الاقوال. لكن هذا الاقرار او الاعتراف لم يشمل ندمه على قول على بارجة حربية في سان دييغو ان "المهمة انجزت" في اول ايار 2004، كما انه استغل العطف النسبي الذي ناله بفعل ندامته المحصورة ليستمر في حالة الانكار وتبرير الحرب، وان بمجرد الانتخابات التي حصلت في العراق ادت الى وضع افضل "مما كان العراق اثناء حكم صدام". كما ان بلير كان مصرا على موقفه من الحرب، وبقي يستشهد بأحاديثه مع القادة العسكريين واعضاء الحكومة الجديدة في بغداد، بدا الارهاق عليه واضحا، وهو المعروف بسهولة خطابه، وكان تلعثما من شريكه المشهور بالارتباك في صياغة الجمل وعندما وجد بوش ان بلير متعثر في الاقناع، قال للصحافيين انه يرغب حتى ان "يبقى طوني معه حتى نهاية عهد ادارته". وسأله: "هل استطيع ان اشتري لك عشاء؟ وهكذا برهن "محور الضعف" ان وصف الايكونوميست" كان بمنتهى الدقة.

-استطيع ان اجازف واقول ان المشهد قد يكون آخر محاولة ظهور لهما معا، في ما يتعلق بتطورات العراق. هذا يعني ان على العرب من خلال جامعتهم ان يبلوروا موقفاً عربياً موحدا يسهم في تعجيل انسحاب قوى الاحتلال ويمكن الحكومة الجديدة من ان تبلور وحدة وطنية متجاوزة تعريف اركانها بانتماءاتهم العرقية والطائقية، وان تعمل الدول العربية المقتدرة لتكون ارجح القوى لاعادة الاعمار والتنمية، فتبادر في شكل جماعي على الاسهام في استتباب الامن والبرامج الدراسية والمشاركة في تفعيل دورها في العلاقات العربية الدولية، وان تبلور استقلالية ارادتها كما ظهر في موقف وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، عن حق ايران في امتلاك الطاقة الذرية لاغراض سلمية، وان يسترجع العراق دوره في جبه العدوان الاسرائيلي. فالعرب امام فرصة قد لا تتكرر لاسترجاع العراق الى اطار الامة العربية، بل لتصحيح الخلل المتفاقم في العمل العربي المشترك في الغياب الفعلي عما يدور في احداث جسام في فلسطين، والآن في السودان (درافور) والصومال، ناهيك بمحطات عديدة في الاقطار العربية تحول دون ممارسة الحكم الرشيد وتوفير حقوق الانسان وحاجاته وضرورات التنمية الانسانية في المجتمعات العربية.

علينا ان نستشرف ما هو حاصل وما قد يحصل في العراق، خصوصا انه حان الوقت لتأكيد العروبة بالمواطنة، وبالتالي تصبح التعددية ضمن الوحدة في العراق الاولوية لدور العمل العربي المشترك والذي يعيد تنشيط الامن القومي العربي، حتى لا يبقى ميثاق الجامعة العربية حبرا على ورق.

 

كلوفيس مقصود

المصدر: النهار


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...