القبقاب السوري التقليدي يحتضر أمام عولمة الأحذية

19-02-2009

القبقاب السوري التقليدي يحتضر أمام عولمة الأحذية

سنوات قليلة ونموت نحن وتنقرض مهنة صناعة القبقاب الدمشقي".. هكذا يرى محمد عربشة أقدم مصنع سوري لهذه المهنة والرجل الطاعن في السن الذي يجلس يوميا ما لا يقل عن سبع ساعات خلف السندان والمطرقة بيالقبقاب الدمشقي هو حذاء للقدم مصنوع من الخشب يغلفه قشاط جلد.ده ترتفع وتنزل مخلفة وراءها عشرات القباقيب من مختلف القياسات الرجالية والنسائية.

والقبقاب الدمشقي هو حذاء للقدم مصنوع من الخشب يغلفه قشاط جلد وكان الحذاء الأكثر استخداما في العقود الماضية بين الدمشقيين وبعض من مواطني سوريا الطبيعية.

ويقول عبد الله سيالة وهو أحد أقدم مصنعي هذا الحذاء التقليدي " كل الناس كانت تستخدمه إلى سنوات قليلة لكن استخدامه يتراجع في السنوات الأخيرة وعدد مصنعيه يتناقص، عندما يموت الآباء لا يتعلم أبناؤهم هذه المهنة لعدة أسباب أهمها أنها لم تعد مربحة وثانيا أنها لم تعد مغرية للجيل الجديد الذي يتجه إلى دراسته ومهن أخرى فيها وجاهة اجتماعية وتكسبه لقمة عيشه".

المحل الذي يجلس فيه الحاج سيالة وسط سوق الصاغة في دمشق القديمة لا تتجاوز مساحته المترين وهو المحل الوحيد بين عشرات المحال المليئة واجهات عرضها بالذهب الأصفر والأبيض والفضة ويعود تاريخه إلى عام 1939. ومحل القباقيب الصغير الذي تصل فيه يدا الحاج سيالة إلى كل أكوام القباقيب المتراكمة خلفه هو جزء من محل واسع وكبير اقتسمه الحاج سيالة وباعه إلى جاره الصائغ بأسعار عالية بغية تأمين حياة أفضل لعائلته ودراسة أبنائه وهنا يقول " فضلت أن لا يكون هناك خلاف بين أبنائي وبالتالي الإغراءات في الأسعار لا يمكن تجاهلها فهي حسنت مستوى حياة أبنائي ".

ويروي محمد العلبي حكاية القبقاب الدمشقي وطرق صناعته ويقول " في سوريا كثير من أسماء العائلات التقليدية هي نسبة للمهن التي كانوا يعملون بها وعائلة القباقيبي هي أشهر عائلة كانت تملك عدة مشاغل صغيرة لصناعة القباقيب حيث كانوا أيام زمان يحضرون الخشب من غوطة..

دمشق خشب جوز وخشب حور وشوح و رومي وكان يتم تقطيع الخشب على منشرة يدوية وسكين حادة ومع تطور الآلات يمكن استخدام المناشير الحديثة التي تنجز بسرعة آلاف قطع الخشب التي نصنع منها القبقاب ". ويضيف العلبي " نحن عائلة تعمل في صناعة علب الحلويات الشرقية وعلب اللبن وصحون الطعام الخشبية وغيرها ومن هنا جاء اسم عائلتي العلبي لكننا عملنا بشكل ثانوي في صناعة القباقيب عندما كانت تشتد الحاجة أو يزداد الطلب ثم افتتحنا محلنا هنا لبيع الشرقيات بجانب الجامع الأموي ومنها أيضا القباقيب بأنواعها وعادة ما يتراوح سعرها بين دولارين وستة دولارات وهي ليست باهظة الثمن إنما هي حذاء من التراث ".

أما أبو بشير يحى الذي يجلس أمام حانوته الصغير وسط سوق الحرير حيث تبتاع السيدات مختلف أنواع القماش والماكياج والبرفانات فإنه يؤكد في حديثه لوكالة الأنباء الألمانية"د ب أ" " هذا سوق الحرير قبل حوالي عشرين عاما كان فيه أكثر من ثلاثين محل بيع قباقيب وصناع لهذا الكار "الحرفة" لكن الآن لا يوجد فيه إلا اثنين حيث معظم /القباقبيه / الكبار في السن توفوا ومعظم أبنائهم لم يرث مهنتهم وبالتالي فإن جميعهم إما غير مهنته أو باع محل أبيه فالأسعار في حارات دمشق القديمة كما تعرف مرتفعة جدا".

ويقول الحاج سيالة الذي يتوقف عن طرق القباقيب لبرهة لمواصلة حديثه لوكالة الأنباء الألمانية " في السنوات الأخيرة بدأنا نضع أسفل القبقاب قطعة بلاستيك لأن الحياة المدنية تفرض نفسها فبعض زبائننا لا يريد إزعاج جيرانه فعندما يصعد الدرج على سبيل المثال فإن القبقاب يصدر أصواتا مزعجة لكنني استطيع أن أؤكد انه مريح أكثر من مماشاة المنزل البلاستيك فالقبقاب يوصف للذين لديهم حساسية في القدمين أو لمرضى السكري الذين يتوقون لوضع أقدامهم على أرض باردة فالقبقاب بارد صيفا ودافئ شتاء وربما وظيفة القبقاب لا تغني عن وظيفة /الشحاطة/ أو بالعامية /الممشاة/ ".

ويعتبر الحاج سيالة أن عمله في هذه المهنة يعود لعدة عقود إلى الوراء ثم يؤكد أن للقبقاب الدمشقي قصة معروفة هي أنه "من أيام الفاطميين والمماليك كان القبقاب مشهورا فبه قتلت شجرة الدر حيث قام عدد من الخدم برمي القباقيب عليها وضربها بها حتى فارقت الحياة ".

وعند ذكر القبقاب يتذكر السوريون وربما نسبة كبيرة من العالم العربي مسلسلات "صح النوم" و"ملح وسكر" و"حمام الهنا" للفنان السوري الشهير دريد لحام في دور "غوار الطوشة" ورفقاء دربه الراحل نهاد قلعي"حسني البورظان" ورفيق سبيعي "أبو صياح" وياسين بقوش "ياسينو" حيث كرس من خلال كثرة استخدامهم للقبقاب هذا النوع الذي لا يزال مستخدما في حمامات الأسواق في حارات دمشق القديمة حتى الآن لكن استخدامه في المقاهي الشعبية لم يعد كالسابق وهو في تراجع كبير أو يكاد يتلاشى.

ويقول المثل الدمشقي الدارج "الجار يلي بيقروش بالقبقاب بيخانق جاره" ومثل آخر يضرب حين يلتئم شمل المتخاصمين" لف السير على القبقاب صاروا الأعداء حباب " والسير هنا هو القشط الذي يغلف الجسم الخشبي للقبقاب، ويبتسم الحاج سيالة وهو يروي هذه الأمثال ويضيف "الميت حامل طيب " أي عندما يستخدم الإنسان القبقاب فهو يمشي به وأثناء المشي يزقزق ويصدر أصوات فيقال أيضا " عندما يمشي الطيب يزقزق الميت."

وتظهر صور القبقاب هذه الأيام بين الفترة والأخرى في المسلسلات الدمشقية مثل "باب الحارة" و" أهل الراية" وغيرها من المسلسلات التي تظهر البيئة الدمشقية أو الشامية بمعناها الواسع.

وتتوزع المحال التي تبيع هذا الحذاء التقليدي بالقرب من الجامع الأموي وفي سوق المهن اليدوية فضلا عن عدد محدود في أسواق دمشق القديمة ويؤكد معظم بائعي وصانعي هذه المهنة أنها آيلة للانقراض إذا لم تتصدى لحمايتها الشركات الكبرى وتطورها فضلا عن مساندة هامة يجب أن تقوم بها مراكز الحفاظ على المهن اليدوية التراثية أو تدخل وزارة السياحة.

وتحوي المحال أشكال متعددة من القباقيب وألوان مختلفة ومن كل القياسات ويتم عادة تزيين القبقاب الخاص بالأطفال بالورود والألوان بينما يكون قبقاب الرجال ذو ألوان رصينة تتراوح بين البني والأسود ومشتقات الكحلي وتدخل كل الألوان والزينة إلى قباقيب العرائس حيث لا يزال البعض يعتبره من احتياجات الزفاف التقليدية ويعتبر النوع العرايسي الأغلى ثمنا إذ يصل ثمن بعضه إلى حوالي 15 أو 20 دولارا إذا كان مرصعا بالفضة . أما إذا جاء حسب الطلب بنوعية خشب جيدة جدا فإن سعره يتراوح بين 10 إلى 15 دولارا.

ويؤكد معظم بائعيه ومصنعيه أن السياح الأجانب لا يستخدمونه كثيرا لكنهم يشترونه للذكرى أو هناك أنواع منه يتم تصنيعها لتعلق على الجدران وهذه تكون منقوشة ويتم حفر خشبها ووضع رسوم عليها وأحيانا ألوان معينة.

وتنتشر في سوريا الكثير من السيارات التي تعلق قبقاب صغير في مؤخرة السيارة على اعتبار أنه يجلب الحظ ويبعد سوء الطالع عن صاحب السيارة وراكبيه.
ويختم الحاج عبد الله سيالة كلامه لـ "د ب ا" بقوله بالعامية الدمشقية "يلي بعتاد على الأبئاب ما بيشلحوعمي". والمعنى أن من يعتاد استخدام القبقاب لا يستطيع التخلي عنه.

جوني عبو

المصدر: العرب أون لاين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...