الفقر وكورونا يخيّمان على استعدادات رمضان في دمشق

25-04-2020

الفقر وكورونا يخيّمان على استعدادات رمضان في دمشق

تنشغل هدى شيخ البساتنة بتحضير قائمة مستلزمات شهر رمضان، والتي تتسوقها عادة من أسواق باب سريجة والحميدية وسط دمشق قبيل بدء الصيام بعدة أيام.


استعدادات هدى وعائلتها ستكون مختلفة للغاية هذه السنة، فتراجع الأحوال الاقتصادية بعد تسع سنوات من الحرب والاحتياطات التي يتخذها الجميع ضد فيروس كورونا المستجد لم تترك مجالاً كبيراً للاحتفال.


“تقتصر تحضيراتنا على بعض الأغراض الضرورية التي سنشتريها على الأغلب من السوق المجاور للمنزل”، تقول السيدة الأربعينية التي تعيش مع زوجها وأولادها الثلاثة في حي ركن الدين شرق المدينة، وتعمل مدرّسة في حين يملك زوجها سيارة صغيرة لنقل البضائع الغذائية.


ومع الإجراءات التي تفرضها الحكومة السورية منذ منتصف آذار/مارس الفائت لمنع تفشي فيروس كورونا في البلاد، والتي تضمنت إغلاقاً جزئياً للأنشطة التجارية وإيقاف حركة وسائل النقل العامة، غدا التنقل أكثر صعوبة، وارتفعت الأسعار بشكل غير منضبط في معظم الأسواق.


بذلك، قررت هدى كما تشير في حديثها للناس نيوز أن تتسوق “بالتقسيط” من المحال القريبة كي تتجنب استخدام سيارات الأجرة مرتفعة التكلفة. تراقب حركة الأسعار وتنتظر أن تحصل على العرض الأفضل من أي صنف تحتاجه قبل أن تقرر شراءه. “تختلف الأسعار بين يوم وآخر وأحياناً بين ساعة وأخرى. نشعر وكأن الحرب والوباء اجتمعا علينا ليجرّدا احتفالنا من أي طعم للفرح”، تقول بحزن.


لا بهجة هذا العاميبدو حال هدى مشابهاً لما يعيشه معظم سكان العاصمة السورية. بعد سنوات من الحرب، تقدر الأمم المتحدة بأن حوالي ثمانين بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. وإلى جانب ذلك، تندر فرص العمل، ويضطر الآلاف، بمن فيهم عائلة هدى، لدفع إيجارات مرتفعة لمنازل انتقلوا إليها بعد فقدان ممتلكاتهم في مناطق دمرتها آلة الحرب.


وكانت الأشهر الأربعة الأخيرة التي شهدت تراجعاً غير مسبوق في قيمة الليرة السورية وارتفاعات كبيرة في أسعار معظم السلع، هي الأسوأ وقعاً على الجميع. وفي الأسابيع التي تلت إعلان كورونا وباء عالمياً مما استلزم إجراءات طالت الفعاليات الاقتصادية بالدرجة الأولى، تأثرت أحوال آلاف الأسر التي تعتمد على أعمال يومية وغير منظمة لتأمن دخلها اليومي، وهي اليوم لا تملك حتى ترف التفكير بالاحتفال بحلول شهر رمضان.


“الحرب استنزفت كل قدراتنا المادية، وجاء كورونا كضربة قصمت ظهورنا”، تتحدث ماجدة التي تعيش في مدينة جرمانا شرق دمشق وتعيل أسرتها المكونة من ثلاثة أولاد بعد وفاة زوجها، من خلال عملها في تنظيف المنازل.


تأثر عمل ماجدة بما يعيشه الجميع من خوف إزاء انتشار الفيروس الجديد، فالتنقل بات أكثر صعوبة وتكلفة خاصة بعد حظر التنقل بين المدن وأريافها، وفي بعض الأحيان لم يعد من المجدي أن تعمل لقاء مبلغ ستدفع معظمه لسيارات الأجرة من وإلى منزلها.
ولا تعتقد السيدة الخمسينية، كما تشير في لقاء مع الناس نيوز، بأن هذا العام سيحمل أي مظاهر احتفالية، “فلا نحن قادرون على تسوق أبسط احتياجاتنا والأسعار تتضاعف يوماً بعد آخر، ولا العائلة قادرة على أن تجتمع ونحن مطالبون بأن نلتزم بيوتنا بسبب حظر التجول المسائي. فأين هي بهجة رمضان؟”.


أسواق شبه فارغةفي واحد من الأسواق المتفرعة عن سوق الحميدية الشعبي وسط دمشق، يعلّق أحد الباعة مجموعة من التزيينات الخاصة بشهر رمضان، كالفوانيس الصغيرة المتراصة إلى جانب بعضها البعض، والقطع الخشبية المشغولة على شكل هلالٍ كتبت عليه عبارات تهنئة ومعايدة.


يبدو السوق شبه فارغ، ولا يزدحم كعادته في هذا الوقت من السنة بآلاف المتسوقين، وقد سُمح مؤخراً لعدد محدود من المحال بأن تفتح أبوابها لساعات قليلة مع استمرار تطبيق إجراءات منع التجمعات والأنشطة التجارية واستمرار الخوف من تفشي الوباء الجديد.


داخل محل الزينة والهدايا، تتجول امرأة أربعينية مع طفلتها الصغيرة. تختاران بعض القطع التي تعتقدان بأنها ستكون ملائمة لشرفة منزلهما الصغير في حي الميدان، ويبدو الجميع على عجلة من أمرهم قبل أن يحين موعد إغلاق السوق.


“هذا هو اليوم الأول الذي نغادر فيه المنزل منذ حوالي ثلاثة أسابيع، وقد قررت شراء بعض الأغراض التي لا يكتمل شهر رمضان من غيرها”، تقول السيدة وتدعى مرام.


ورغم شعور الجميع بأن رمضان هذه السنة يختلف دون شك عن كل السنوات الماضية، تصر مرام على إدخال بعض البهجة لقلب عائلتها، “فنحن من نصنع الفرح” وفق رأيها. يعني ذلك أن تشتري بعض أغراض الزينة، والقليل من الأطعمة رغم الارتفاع الكبير في الأسعار.


وفي سوق البزورية المجاور يجلس أبو علاء على كرسي صغير أمام دكانه، منتظراً مرور بعض الزبائن المحتملين. “عمري اليوم ستون عاماً ولم أعش شهراً مثل هذا”، يقول ضاحكاً لدى سؤاله عن حركة السوق والبيع.


تمر ساعات دون دخول أي شخص لدكان الرجل الذي يبيع أنواعاً مختلفة من التوابل والأعشاب، وحتى أولئك الذين يمرون إلى جانبه ويسألون عن أسعار بعض البضائع، ينصرفون دون شراء أي شيء.


“لم أشهد في حياتي ركوداً مشابهاً”، يشير في حديثه للناس نيوز، ويضيف: “حتى في أسوأ أيام الحرب، لم نتوقف يوماً عن البيع حتى لو بكميات قليلة، لكن قدوم هذا الوباء كان مدمراً لأعمالنا، فالناس يعيشون أحوالاً اقتصادية غاية في السوء ويحجمون عن تسوق حتى أكثر الأمور إلحاحاً، ومعظمهم لم يعد يقصد الأسواق المركزية بسبب توقف وسائل النقل العامة”.


مع ذلك، لا يتوقف أبو علاء عن عادة فتح محله في الصباح الباكر، والجلوس داخله أو على بابه حتى آخر الساعات التي يسمح فيها بالعمل. “يأمل جميع التجار بأن تنتعش الأسواق ولو قليلاً خلال شهر رمضان، لعلّنا نعاود الإحساس ببعض من أجواء البهجة”.

 


الناس نيوز - زينة شهلا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...