التلوث النفطي يهدد بحيرة الباسل في الحسكة

29-03-2007

التلوث النفطي يهدد بحيرة الباسل في الحسكة

ثمة إجماع من كافة الجهات المعنية في محافظة الحسكة على وجود ثلاثة محاور أساسية لمشكلات التلوث بالمحافظة الأول يتمثل بالتلوث النفطي والثاني سببته شبكة الصرف الصحي السيئة أما الثالث فهو بسبب استخدام الأسمدة والمبيدات الزراعية.

ولعل اللجنة التي شكلها السيد رئيس مجلس الوزراء مؤخرا برئاسة وزير الدولة لشؤون المشاريع الحيوية وجاءت إلى الحسكة للكشف على واقع التلوث الحاصل في كل من بحيرة سد الباسل ونبع طابان ونهر الخابور ونهر جغجغ قد أكدت ذلك من خلال الاجتماع الذي عقدته وجرت خلاله مناقشات كشفت عن الخطر الحقيقي الذي يهدد بوجود كارثة بيئية محتملة ولذلك كان من بين الأولويات التأكد من سلامة مياه الشرب وقد طلبت اللجنة من مؤسسة المياه توثيق هذا التأكيد بكتاب رسمي من المؤسسة حول سلامة المياه لما لذلك من أهمية بالغة, فما حكاية التلوث النفطي الذي اتسعت دائرة الحديث حوله وأخذ الكثير من الوقت والمراسلات الى أن تم تشكيل لجنة من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء مؤلفة من ممثلين عن خمس وزارات إضافة الى مدير عام الهيئة العامة لشؤون البيئة.‏

القرار الذي صدر بتشكيل اللجنة حدد مهامها بالكشف على واقع التلوث الحاصل في مناطق (بحيرة سد الشهيد باسل الأسد- نبع طابان- نهر جغجغ- نهر الخابور) في محافظة الحسكة وأخذ العينات اللازمة من المياه والتربة من قبل المخابر المرجعية المعتمدة من قبل المجلس الأعلى لحماية البيئة وإلزام الجهات التي تسببت بالتلوث بالتخلص من آثاره وإعادة تأهيل المناطق التي تم تلويثها وإعداد تقرير مفصل عن واقع التلوث في المناطق المذكورة معززا بنتائج التحاليل وتحديد المسؤوليات والإجراءات التنفيذية المترتبة على كل جهة حسب اختصاصها.‏

أما لماذا وكيف تم تشكيل اللجنة فذلك يعود لكتاب رسمي وجهه السيد وزير الإدارة المحلية إلى السيد رئيس مجلس الوزراء يشير فيه إلى وجود معلومات لدى وزارة النفط بخصوص التلوث النفطي الناجم عن شركة دبلن ووصول نواتج الصرف الصحي إلى بحيرة سد الباسل. ومعلومات أخرى لدى مديرية شؤون البيئة في محافظة دير الزور حول قيام عناصر المديرية بجولة على حقل التيم التابع لشركة الفرات للنفط وملاحظة وجود تسرب في أنبوب يقوم بجر المياه المستخرجة مع النفط من منطقة إلى أخرى مشيرا إلى أن هذه المواد تحتوي على مواد مشعة كونها محتوية على النفط بالإضافة إلى ملوحتها المرتفعة جدا, ومحذرا من خطورة هذا التلوث على الصحة العامة والمحاصيل الزراعية والمياه الجوفية والمواشي ولاسيما أن هذا التلوث النفطي يمتد على مساحات واسعة.‏

والسؤال الآن.. ما حقيقة وجود التلوث النفطي... وما حجم المشكلة.. ولاسيما ان الرؤية غير موحدة ووجهات النظر متباينة بين الجهات المختلفة ولاسيما بين أصحاب الشأن في النفط وبين المعنيين بشؤون البيئة والدفاع عنها وحمايتها وإن كان ذلك لايعني طبعا عدم اهتمام العاملين بالنفط بالبيئة وإنما المسألة هنا تتعلق بجانب محدد وهو تحديد المسؤوليات والمسببات.‏

ولذلك رأينا بداية أن نستعرض المعطيات المتوافرة لدى وزارة النفط وكيف تعاملت مع ما أثير حول التلوث النفطي؟.‏

وزير النفط شرح الوقائع الفعلية في كتاب رسمي وجهه لوزير الإدارة المحلية موضحا فيه أنه تم تكليف مديرية عقود الخدمة بمتابعة ومعالجة موضوع تلوث بحيرة الشهيد باسل الأسد ومن خلال الاجتماعات والجولات الحقلية لوحظت آثار التلوث النفطي على شواطئ الخليج بين عين طابان والبحيرة بشكل واضح كما لو حظت آثار نفطية على كهوف الانحلال الممتدة من حقل غرب تشرين وصولا إلى نبع طابان ومن ثم إلى البحيرة وأن جور معظم آبار حقل نفط تشرين تحوي نفطا ومياها طبقية كما لو حظ وجود تلوث بالمياه الطبقية وآثار النفط في المنطقة المحيطة ببئر حقن المياه في غرب تشرين حيث تظهر هذه الآثار على السطح في الوديان القريبة وتمتد لمئات الأمتار.‏

نعم لقد قالت وزارة النفط إنه بعد أخذ عينات مائية من المواقع المذكورة فقد أشارت نتائج تحليل العينات وبشكل واضح إلى وجود اختلاف كبير بين العينة المأخوذة من المياه الطبقية لحقل تشرين وباقي العينات وهذا ما يؤكد عدم وجود أي علاقة بين مياه نبع طابان وحقل تشرين وبالتالي ليس هناك أي تسرب جوفي للمياه الطبقية من حقل تشرين باتجاه نبع طابان.‏

لكن الوزارة تابعت الموضوع مع شركة دبلن بحيث تقوم هذه الشركة بمعالجة جميع الجور النفطية بالطريقة القديمة والحديثة عن طريق سحب السوائل منها واستصلاح تربة هذه الجور بالطريقة البسيطة المستخدمة في شركتي دير الزور للنفط والكوكب للنفط والاستعاضة عن تلك الجور بخزانات مناسبة بحيث ينعدم التسرب منها إلى التربة ومنها إلى التكهفات التي ستوصلها فيما بعد إلى نبع طابان والبحيرة. وتم الطلب من الشركة صيانة وإعادة تأهيل المصيدة الحالية الموجودة على مخرج المياه من نبع طابان والعمل على إنشاء مصيدة جديدة مناسبة لاصطياد ما تبقى من نفط موجود حاليا في الكهوف الانحلالية على امتداد المنطقة الواصلة من غرب حقل تشرين وصولا إلى نبع طابان.‏

وإذا كان موضوع التلوث النفطي يعود هذه الأيام من جديد إلى دائرة الاهتمام فإن المشكلة قديمة وبالعودة إلى بعض وقائعها بين أيدينا نسخة من محضر اللجنة التي شكلت في نهاية عام 2005 لدراسة تلوث بحيرة سد الباسل من المخلفات النفطية. ومنذ ذلك الوقت رأت اللجنة أن أهم مصادر التلوث الصرف الصحي لكافة مجالس المدن والبلدان والبلديات الواقعة في الحوض الساكب بما فيها النفايات الطبية والمناطق الصناعية والصرف الزراعي ومخلفات المحركات الزراعية والمخلفات النفطية والمياه المرافقة للنفط. وتوقفت اللجنة نفسها عند المخلفات النفطية لتشير إلى احتمالات محددة منها تسرب من مياه سطحية قديمة ( من محطات التجميع- جور الابار- كسر الخطوط النفطية). أو تسرب تحت سطحي عبر الشقوق المتصلة مع حفر الآبار النفطية المنتشرة في المنطقة نتيجة طبيعة الصخور المغطية أو تسرب من الطبقات الخازنة عبر الفوالق والتشققات الأرضية والمتصلة مع التشققات تحت السطحية التي تشكل مجرى مياه نبع طابان.‏

إزاء ذلك ماذا فعلت المؤسسات النفطية وماهي الإجراءات التي قامت بها للحد من التلوث النفطي بشكل عام؟.‏

مديرية حقوق جبسة قامت بإنشاء مصائد على شكل متاهة وتوجيه مياه النبع عبر بوابات مجهزة بحواجز لالتقاط البقع النفطية والتخلص منها والتوسع في إنشاء خزانات تجميع للمياه الطبقية والمخلفات النفطية وحقنها في الآبار المحفورة لهذه الغاية إضافة إلى فحص تغليف الآبار المنتجة وتدعيم جور الآبار القديمة وإغلاق وحفظ الابار المتوقفة عن الانتاج بجسور اسمنتية, لكن رغم ذلك كله استمرت ظاهر التلوث في مياه البحيرة من النفط الخام ومن بقايا المياه المرافقة للنفط.؟!‏

ولدى متابعة موضوع التلوث تبين لإحدى اللجان التي كلفت بتشخيص الواقع وبيان أسباب التلوث أن نبع طابان الذي يقع في الجانب الشرقي من نهر الخابور جنوب الحسكة والذي يصب في نهاية المطاف في البحيرة هو أحد أبرز أسباب تلوث البحيرة.‏

ورأت اللجنة ان النبع يعاني من التدهور المستمر في نوعية مياهه نتيجة التلوث الناجم عن أعمال استخراج النفط الجارية على مقربة منه حيث يوجد 315 بئرا نفطية في المنطقة المحيطة بالمسطح المائي لسد الباسل والدليل على ذلك وجود مواد نفطية طافية على وجه حوض النبع ورجحت اللجنة أن يكون تلوث النبع ناجما عن وحدة التنقيب واستخراج النفط المتواجدة في أعلى مجرى نبع طابان إما جراء التخلص السيىء من ملوثات النفط وأما من خلال تسرب جوفي لملوثات النفط إلى النبع.‏

الوقائع التي مرت على حكاية التلوث النفطي كثيرة وهي كما قلنا ليست جديدة إلى أن وصلت قبل أيام إلى تشكيل لجنة من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء ونشير هنا إلى ماقاله السيد محافظ الحسكة خلال الاجتماع الذي عقدته اللجنة: إن بيئة الحسكة مهددة بأكثر من مصدر للتلوث وليس النفط وحده مشيرا إلى مكبات القمامة مرورا بالصرف الصحي وأثره السيىء جدا ووصولا إلى مصادر تلوث الهواء.‏

وأوضح السيد المحافظ أن مشكلة التلوث النفطي قابلة للسيطرة والمعالجة من خلال التعاون والتنسيق بين الوزارات المعينة ولاسيما أن هذه القضية تلقى كل الاهتمام والمتابعة من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء وتأكيد ضرورة ايجاد الحلول السريعة لها.‏

يبقى أن نشير أخيرا إلى أهم القضايا الملحة التي أثيرت خلال اجتماع اللجنة وفي مقدمتها عدم وجود أي شكل من أشكال محطات لمعالجة الصرف الصحي في محافظة الحسكة حتى الآن رغم وجود ست مدن وعشر بلدايات فيها ولاتزال شبكات الصرف الصحي تصب في بحيرة سد الباسل. إضافة إلى ما طرحه رئيس مجلس مدينة الحسكة حول التعثر الذي يعاني منه مشروع الصرف الصحي الجديد بالمدينة فمنذ عشر سنوات بدأ العمل بهذا المشروع ولايزال يتعثر رغم اهتراء الشبكة القديمة والحاجة الملحة للإسراع بإنجاز مشروع الشبكة الجديدة مشيرا إلى وجود دراسات جاهزة لمحطة معالجة في مدينة الحسكة إلا أنها بحاجة إلى الدعم المادي. من جانبه طالب رئيس اتحاد فلاحي الحسكة بضرورة إلزام المشافي العامة والخاصة بإتلاف مخلفات الأدوية المستخدمة من قبلها بشكل لايؤثر على البيئة وضرورة إلزام شركات النفط بحل مشكلة التسرب من الابار.‏

مما تقدم يتبين أن ثمة إقرارا واضحا ومعطيات مؤكدة على وجود تلوث نفطي. وأن بحيرة سد الباسل مهددة بخطر أكبر إذا استمرت الأمور على حالها. وأن مدينة الحسكة لم تعد قادرة على انتظار شبكة الصرف الصحي. لكن قبل ذلك هل ستنتهي حكاية التلوث النفطي ويتم تحديد المسؤوليات ومعرفة الجهات التي تسببت بتلوث بحيرة سد الباسل أم سيستمر مسلسل اللجان حتى نصل لاسمح الله إلى الموعد النهائي لكارثة محتملة وربما تكون مؤكدة.‏

يونس خلف

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...