الإرهابي في المرآة: هل يشبه أوباما ؟

03-05-2013

الإرهابي في المرآة: هل يشبه أوباما ؟

الجمل- وليام بوردمان- ترجمة:د. مالك سلمان:

من هم الإرهابيون, وهل بمقدورك أن تميزَ الإرهابي عندما تراه؟
بماذا يختلف الرئيس أوباما عن الإرهابي, مثله مثل سلفه بوش والرؤساء الأمريكيين من قبله؟
ما ذا يعني أن يكون المرء إرهابياً؟
أليس من يرتكب عملاً إرهابياً, أو يشارك في عمل إرهابي, شخصاً إرهابياً ببساطة؟
ما هو العمل الإرهابي؟ أليس العمل الإرهابي عملاً عنيفاً يهدف إلى قتل المدنيين, وتشويههم, وإرهابهم؟
هل هناك فارق بين العمل الإرهابي والعمل الحربي؟ ليس بالضرورة. فقد كان قصف لندن في سنة 1941 وهيروشيما في سنة 1945 عملين حربيين, وكان كل منهما عملاً إرهابياً. فشلَ الأول, ونجحَ الثاني, وتستمر آثار الإرهاب النووي في الانتشار بعد ما يقارب 70 عاماً.
الطائرات الأمريكية الآلية ("درونز"), وبشكل خاص من نوع "ريبر" و "بريديتور" ("الحصاد" و "المفترس") هي أسلحة إرهابية. ففي بعض الأحيان تستهدف أهدافاً محددة, وتصيب تلك الأهداف أحياناً, وفي أحيان أخرى تقتل الناس بشكل عشوائي. يمكن للناس على الأرض أن يسمعوا أو يشاهدوا تلك الطائرات, لكنهم لا يعرفون ما ستفعله, وهذا ما يمنح هذه الطائرات القدرة على الإرهاب.
وحتى طائرات المراقبة الآلية غير المسلحة ترهب المدنيين على الأرض الذين لا يعرفون إن كانت الطائرات غير المسلحة مسلحة أم لا.

أي إرهابي لا يحب أن يمتلك أسطولاً من الطائرات الآلية؟
الطائرة الآلية ("درون") هي السلاح الإرهابي الذي اختارته الحكومة الأمريكية في السنوات الأخيرة. وقد عير المسؤولون الحكوميون عن إعجابهم بها لقدرتها على استهداف أشخاص معينين يشكلون تهديداً فعلياً أو مُتخَيَلاً ضد الولايات المتحدة. ولا يقولون, مع أن ذلك يبدو صحيحاً, إنهم يحبون الطائرات الآلية القاتلة أيضاً لأنها حتى عندما تخطىء هدفَها وتقتل بشكل عشوائي, فهي "تحمي" الأمريكيين أيضاً.
يستخدم إرهابيو الحكومة الأمريكية الطائرات الآلية القاتلة التي تقتل الناس خارج الولايات المتحدة منذ أكثر من عقد من الزمن. ولا تزال الحكومة تتكتم على معظم برنامج الطائرات الآلية, وبشكل خاص النتائج الفعلية لهجمات هذه الطائرات. يبدو أن المذابح الفعلية, للنساء والأطفال الذين يموتون من جراء هذه الهجمات, يمكن أن يزعزعَ الدعمَ الشعبي الكبير لعمليات القتل بالطائرات الآلية التي يعتقدون أنها انتقائية ودقيقة في تصفية أعدائنا الشرعيين, وأعدائنا الشرعيين فقط.
وهذا هو شعور معظم أعضاء الكونغرس حتى الآن. فحتى وقت متأخر, لم تقم أية لجنة في الكونغرس جلسة استماع علنية لمعرفة طبيعة برنامج الاغتيال الرئاسي بواسطة الطائرات الآلية, ناهيك عن صوابية وقانونية اغتيال الناس من قبل الفرع التنفيذي, بناءً على "دليل" سري, دون أية إجراءات قانونية أو قضائية.
وأخيراً, في 23 نيسان 2013, قامت اللجنة الفرعية ﻠ "لجنة الكونغرس القضائية" المختصة بالدستور والحقوق المدنية وحقوق الإنسان – التي يرأسها عضو الكونغرس الديمقراطي عن ولاية إيلينوي ديك ديربن – بتنظيم جلسة استماع بعنوان "حروب الطائرات الآلية: المضامين المتعلقة بالدستور ومكافحة الإرهاب لقتل الأشخاص المستهدَفين". وقد بدأت الجلسة في الرابعة مساءً.
الفرع التنفيذي يقرر عدم الحديث عن أعماله الإرهابية
على الرغم من أن هذه كانت جلسة الاستماع العلنية الأولى حول "حرب الطائرات الآلية", رفضت إدارة أوباما المشاركة فيها. وقد قرر الكونغرس عدم إصدار أية مذكرات تجبر الفرع التنفيذي على الإدلاء بالشهادة.
أجلَ الكونغرس جلسة الاستماع مرة واحدة لإعطاء الإدارة الوقت الكافي لتحضير الشاهد. وفي النهاية, كان كل ما ساهم به البيت الأبيض رسالة إلكترونية من متحدث باسم "مجلس الأمن القومي" مما جاء فيها أن البيت الأبيض سيبذل جهدَه "ليضمنَ أن عمليات استهداف واحتجاز وتجريم الإرهابيين منسجمة مع قوانيننا المرعية, ويحافظ على شفافية الجهود التي نقوم بها أمام مواطنينا والعالم."
كان من بين الشهود الستة في جلسة الاستماع هذه ثلاثة ضباط عسكريين متقاعدين, ومحاميان, ومدير أحدى "المدرعات البحثية",بالإضافة إلى صحفي يمني قدمَ شهادة حول التغيير الرائع الذي طرأ على حياته بفضل برنامج تبادل تابع لوزارة الخارجية الأمريكية طار به من قرية جبلية نائية ليمضي سنته الثانوية الأخيرة في مدرسة في جنوب كاليفورنيا.

كيف يشعر اليمني عندما تُقصَف قريتُه؟
الصحفي هو فريح المسلمي الذي يعيش ويعمل الآن في صنعاء, العاصمة اليمنية, التي تبعد حوالي 9 ساعات بالسيارة إلى الشمال من قريته "وساب". وقد قال في شهادته:

لم يكن بمقدوري أن أتخيل أن اليد التي غيرت حياتي من حياة بائسة إلى حياة واعدة هي نفس اليد التي ستقصف قريتي بواسطة الطائرات الآلية. فهمت أن رجلاً يُدعى حامد الردمي كان هدف الهجوم. أهالي قرية وساب يعرفون الردمي, وكان بمقدور الحكومة اليمنية أن تجده وتعتقله بسهولة. إذ كان الردمي معروفاً بشكل جيد من قبل المسؤولين الحكوميين, وحتى من قبل السلطات المحلية, وكان بمقدور السلطات المحلية القبض عليه لو أن الولايات المتحدة طلبت منها ذلك.

في الماضي, كانت معرفة أهالي وساب حول الولايات المتحدة مبنية على قصصي عن تجاربي الرائعة هنا. فقد ساعدت الصداقات والتجارب التي خبرتها ووصفتها للقرويين في فهمهم لأمريكا التي أعرفها وأحبها. أما الآن, عندما يفكرون في أمريكا, فإنهم يفكرون في الرعب الذي تولده فيهم الطائرات الآلية التي تحلق فوق رؤوسهم, والجاهزة لإطلاق الصواريخ في أي وقت. فما فشل المتطرفون العنيفون في تحقيقه سابقاً, حققته ضربة واحدة من الطائرات الآلية في لحظة واحدة. هناك الآن غضب عارم ضد أمريكا في وساب.

 

كتب فريح المسلمي للمرة الأولى عن الهجوم على وساب, الذي أدى إلى مقتل خمسة أشخاص, في الموقع الإلكتروني الإعلامي الجديد "المونيتور" الذي يركز على أخبار الشرق الأوسط. وقد تعرض شريط الفيديو (خمس دقائق ونصف) الذي يبين شهادة المسلمي أمام الكونغرس لهجوم فيروسي على "يوتيوب".

المشكلة ليست في تقطيع الناس إلى أشلاء, بل في تقطيعهم بشكل مناسب
قامت أستاذة القانون في جامعة "جورجتاون" روزا بروكس, التي عملت منسقة خاصة للبنتاغون حول القانون والسياسة الإنسانية خلال فترة أوباما الرئاسية الأولى, بتقديم شهادتها في جلسة الاستماع بحذر شديد:

... الآن, لدينا الفرع التنفيذي الذي يدعي أن لديه الحق في قتل أي شخص كان, في أي مكان على وجه الأرض, وفي أي وقت, لأسباب سرية, مبنية على دلائل سرية, في عملية سرية يشرف عليها مسؤولون سريون. إن ذلك يخيفني.

لا أشك في نواياهم الحسنة, ولكن ليس هذا هو القانون كما نعرفه.

لم يتم الكشف عن السبب الذي يدفع مسؤولة سابقة في إدارة أوباما للتحدث عن خوفها. لكن شيئاً آخرَ قاله المسلمي ساهم في وضع مخاوف أستاذة القانون في منظور أكبر:

تشكل هجمات الطائرات الآلية وجهَ أمريكا بالنسبة إلى الكثير من اليمنيين. لقد تحدثت إلى العديد من ضحايا هجمات الطائرات الآلية الأمريكية, مثل أم في جأر كان عليها أن تتعرف إلى أشلاء إبنها البريء البالغ من العمر 18 عاماً عبر شريط فيديو على هاتف نقال لشخص غريب, أو مثل أب في شقرا حملَ طفليه الصغيرين (4 سنوات و 6 سنوات) بين ذراعيه وهما يلفظان أنفاسهما الأخيرة.

تحدثت مؤخراً, في عدن, مع أحد الزعماء القبليين الذي كان حاضراً في سنة 2009 في المكان الذي استهدفت فيه صواريخ "كروز" الأمريكية قرية "المجالا" في "لاودار", في "أبيان". قتل أكثر من 40 مدنياً, بينهم 4 نساء حوامل.

حاول الزعيم القبلي وآخرون إنقاذ الضحايا, لكن الجثث كانت متفحمة إلى درجة كان من الصعب معها التمييز بين أجساد الأطفال والنساء وحيواناتهم. وقد تم دفن بعض هؤلاء الأشخاص الأبرياء في نفس القبر مع حيواناتهم.

من يهتم بماذا يحرقك, بعد أن تحترق؟
ولكن انتظروا, يمكن للبعض أن يقول, فصواريخ "كروز" مختلفة عن صواريخ الطائرات الآلية, وهذا صحيح من الناحية التقنية. وهو عديم المعنى من الناحية الأخلاقية أيضاً. إذ يبقى قتل المدنيين عن بُعد عملاً إرهابياً, وجريمة حرب, ولا يهم أبداً إن كانت صواريخ الطائرات الآلية تتمتع بقدرة تفجيرية أقل وتقتل الأبرياء بمعدل أبطأ.
في هذه الأيام, في أمريكا, لا تشكل حروب الطائرات الآلية جزأ من النقاش الأخلاقي. فقد أثار النقاش حول القتل المجهول من الجو جدلاً حول القضايا التقنية, قضايا تقنية هامة أحياناً تتعلق بالمعدات الحربية, والتكتيكات, والقانون, والمسائل الدستورية.
فلو كان النقاش حول المسألة الأخلاقية, لكنا اعترفنا أن بلادنا ترتكب أعمالاً إرهابية بحصانة نسبية, وعندها سنفكر فيما إذا كان هذا هو البلد الذي نريده لأنفسنا.
هناك اعتقاد عام بأن الإرهاب هو سلاح الضعفاء, ولكن ليس هناك أي سبب جوهري يمنعه من أن يكونَ سلاحاً أمضى في يد الأقوياء, في المدى القصير على الأقل. وخاصة عندما يمتلك الأقوياءُ القدرة الإعلامية على إعادة تعريف أعمالهم الإرهابية بصفتها "استهدافات", أو "توقيعات".
الجيد في "الحرب على الإرهاب" (بالنسبة إلى أمريكا) هو أنها حرب لا يمكن أن نخسرَها. إذ لا يمكن لأولئك الإرهابيين الأجانب, كيفما نظمتهم, أن يشكلوا تهديداً وجودياً للولايات المتحدة. فليس لديهم الأعداد ولا الموارد الكافية لذلك.
لماذا, إذاً, تقوم الولايات المتحدة بملاحقة أعداء عاجزين بكل هذه الشراسة الفظيعة؟ وخاصة, لماذا تلاحق الولايات المتحدة الإرهابيين بطريقة تخلق عدداً أكبرَ من الإرهابيين الذين نقتلهم؟
أم, هل هذا هو فعلاً الهدف الحقيقي؟

ماذا لو كان هدف "الحرب على الإرهاب" هو استمرارية "الحرب على الإرهاب"؟
منذ 11 أيلول, أخذتنا حكومتنا, بموافقة معظم محكوميها, في طريق الحرب الدائمة ضد مفهوم مجرد – الإرهاب – متجذر في مقولة عرقية مفادها أن معظم الإرهابيين هم من العرب أو المسلمين, أو من الفقراء ذوي البشرة السمراء.
فهم يحسدوننا على حريتنا, كما يحب البعض القول, بسخرية لا تبدو أنها مقصودة, بما أن عملية الحرب الدائمة في الخارج قد ترافقت مع حالة دائمة من الأمن في الداخل تبدو أكثر فأكثر وكأنها التجسيد الحديث للدولة البوليسية.
ذلك الحضور السلطوي المضخم في حياتنا يفاقم القلق حول الدستور والقانون – حتى عندما يتجاهل أولئك القلقون حالة غياب القانون في أماكنَ مثل اليمن. وإذا أخذنا هذا الوضع بمجمله, يبدو الدستور شيئاً فشيئاً وكأنه نوع من الأذى المتبادَل.
على السطح, يبدو الإرهاب الأمريكي المكافح للإرهاب غبياً جداً في دائريته العاجزة. أم هل هو ذكي بشكل شيطاني, سواء كان مدبراً أم عشوائياً, في استمراره الذاتي اللامتناهي؟
عندما تقوم حكومتنا ورئيسنا بارتكاب الأعمال الإرهابية, فإنهم يفعلون ذلك باسمنا. وعندما يسعى أعضاء الكونغرس لتبرير أعمال الحكومة الإرهابية, أو تغطيتها بغشاء شفاف من الشرعية, فهم يفعلون ذلك باسمنا أيضاً. وعندما يقوم قضاتنا بتمرير الأعمال الإرهابية للحكومة الأمريكية وعدم تعريض مرتكبيها للمساءلة القانونية, فهم يفعلون ذلك باسمنا.
هذه هي العناصر الرئيسة الثلاثة لحكومتنا المكونة من ثلاثة فروع والتي تتآمر لارتكاب أعمال إرهابية حول العالم, مما يجعل منا جميعاً إرهابيين, باستثناء من يقاوم هذه الأعمال.

العنوان الأصلي:الإرهاب في المرآة

تُرجم عن ("سميركينغ تشيمب", 28 نيسان/إبريل 2013)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...