اقتياد مديرة أخبار«نيو تي في» مع وليدتها في سيارة اسعاف الى التحقيق

13-06-2007

اقتياد مديرة أخبار«نيو تي في» مع وليدتها في سيارة اسعاف الى التحقيق

كيف تتلاشى فروقات الشكل والمعنى بين صفارة الإسعاف و«قرينتها» الملونة على سطح سيارة الشرطة؟ هكذا: بالأمس «اقتيدت» مديرة الأخبار في «نيو تي في» الزميلة مريم البسام، في سيارة إسعاف إلى قصر العدل. بكل تعقيدات حالتها الصحية إثر وضع مولودتها قبل... أسبوع. مع رضيعة، لم يسعفها الوقت بعد لاعتياد زجاجة الأطفال لتستغني عن حليب أمها، ذهبت الزميلة. فالنائب العام الاستئنافي في بيروت، جوزيف معماري، لم يجد في حالتها، على الأقل لحظة استدعائها، ما يقتضي التمهل. والتحقيق بشأن تقرير تلفزيوني بثته القناة قبل أيام، تناول وزير العدل شارل رزق، وتحديداً مسألة إبرام شركته «إنفوبلاس» (لبرامج الأرشفة والمعلوماتية) عقوداً مع إدارات عامة كوزارات المالية والتنمية الإدارية وأوجيرو ووزارة الإعلام. التحقيق يجب أن يأخذ مجراه السريع والمُلحّ(؟)... ولو كان جرح العملية القيصرية التي خضعت لها البسام ما زال طازجاً.. ولو كان كبدها يجهد للقيام بمهماته إثر فقدانها كميات كبيرة من الدم! هكذا تكاد مسألة عالقة بين القدح والذم (وجهة نظر رزق) وبين المهنية الإعلامية (وجهة نظر «نيو تي في») ترتفع إلى مصاف «طبيعة جرمية» من النوع الذي يشكل خطورة على المجتمع. أي إلى رتبة الجنايات التي، كما يقول مصدر قانوني  آثر عدم ذكر اسمه، تستوجب هذا النوع من الاستدعاء إلى التحقيق من دون التوقف كثيراً عند «معذرة صحية» مقدّمة من المدعى عليها إلى القاضي الذي له أن يقبلها أو أن يرفضها فيأمر بـ«الإحضار».
بحسب البسام، تلقت يوم الأحد 3 حزيران الجاري، استدعاء للتحقيق في اليوم التالي بشأن التقرير المذكور. كان ردها بأنها دخلت «شهرها» وأنها ستلد في أي لحظة، فكان الجواب بأنها إذا لم تأت، فسيحضر عناصر الدرك لجلبها. في اليوم التالي، أدخلت البسام إلى المستشفى. وطبعاً لم تذهب الى قصر العدل، فأُرسل طبيب شرعي إلى المستشفى للتأكد من صحة أسباب تغيبها. تقول البسام: «دخل الطبيب إلى غرفة العناية التي وضعوني فيها وإلى جانبي ماكينة قياس الطّلق، وعلى خلفية أصوات النساء وبكاء المواليد، بدأ يطرح علي أسئلة غريبة من نوع لماذا أنا هنا برأيك؟ شو في بينك وبين القضاء؟ شو في بينك وبين شارل رزق؟... الخ. فقلت له إنه لا يحق له بهذه الأسئلة وإنه هنا فقط ليتأكد من حالتي الصحية التي تمنعني من تلبية الاستدعاء. وعلى اثر احتجاج محاميتي وطبيبي الذي رفض أن يقوم الطبيب الشرعي بالكشف عليّ، أخذ إفادتي ورحل».
وتتابع البسام، التي ولدت يوم الثلاثاء في 5 حزيران الجاري، أنها علمت عبر محاميتها أن استدعاءها إلى التحقيق ما زال قائماً، لكن من بعد انقضاء إجازة الأمومة. «واليوم (أمس) فوجئت بمن يقول لي إن الوزير شارل رزق اتصل بأحد القضاة مستغرباً عدم الانتهاء من الموضوع حتى الآن، ثم جاءني الاستدعاء المستعجل عبر احد المخافر عبر المحامية. رفضت في البداية، لكنهم أبلغوا محاميتي أنه علي الحضور بأي طريقة وأمهلوني عشر دقائق لأستعد. هناك، وعندما رأى القاضي معماري هيئتي المتعبة، قال لي متفاجئاً إنه لم يكن يعي أن وضعي الصحي على هذا الشكل، فأجبته بأنني حاولت أكثر من مرة التوضيح بلا جدوى، فعرض علي الذهاب والعودة عندما أتحسّن، فقلت أنا الآن هنا ، فلننته من الأمر وأنا لا أتهرب من مسؤولياتي».
فما الذي حصل في غضون الأسبوع المنصرم؟ تبقى بعض التفاصيل «مبهمة»، لا سيما قصة اتصال رزق بأحد القضاة، على ذمة الراوي. لكن المؤكد أن الوزير رزق كان الخميس في 7 حزيران، ضيف برنامج «كلام الناس» على شاشة «أل بي سي»، وعندما سأله الزميل مارسيل غانم عن مضمون تقرير «نيو تي في»، أصر رزق على أن العقود المذكورة يعود تاريخها إلى العام ,2001 أي قبل أن يتولى منصباً وزارياً، مضيفاً إنه سيرد على «نيو تي في» وإن الرد «سيكون موجعا». وهذا ما دفع «نيو تي في»، أمس الأول، إلى الرد على كلام رزق، فأعاد بث عدد من الوثائق التي استند إليها التقرير السابق (للزميلة غادة عيد). وتبيّن هذه الوثائق، كما ظهر على الشاشة، أن تاريخ العقود يعود إلى العامين 2005 و2006 (تسلم الوزير رزق حقيبة العدل في 19 تموز ,2005 وكان قبل ذلك وزيراً للإعلام في حكومة ميقاتي).
تقول البسام لـ إنها سألت القاضي معماري إذا ما كانت هناك شكوى مرفوعة من قبل الوزير رزق ضد التلفزيون، فأجاب بالنفي. وقال معماري للبسام إنها هنا لأن التقرير «تناول سمعة القضاء»، فيما تركزت الأسئلة، بحسب البسام، «على ما يتعلق بالوزير رزق، يعني من قبيل كيف تقولون إنه يحرق أسماء رئاسية؟ وإنه يعرض التشكيلات القضائية على السياسيين؟ وما القصد من القول إنه يستخدم القضاة؟... فأجبته بأن هذه أمور لم نخترعها وأن الوسائل الإعلامية تناولتها. أما عقود شركة «إنفوبلاس» فالوثائق التي بحوزة التلفزيون تدلل على صحة ما جاء في التقرير الإخباري حولها».
انتهى التحقيق بعد أربعين دقيقة، وتُركت البسام بسند إقامة، «وراعاني القاضي فلم يطلب مني انتظار «النشرة»، أي الآلية التي يتأكد من خلالها أني لست مطلوبة في قضية أخرى، فتركني مباشرة».
ماذا يبقى للقول؟ لقد حكى يوم أمس عن نفسه، وكانت كفايته فيه. لكن «فلفشة» سريعة في كتب القانون تسبغ إضافة استدلالية لافتة: قانون أصول المحاكمات الجزائية الرقم 328 تاريخ 2/8/2001 ـ المادة 409: «إذا كانت المحكوم عليها حبلى، فيؤجل تنفيذ عقوبتها حتى انقضاء مدة عشرة أسابيع على الوضع».
هذا بشأن «محكوم عليها» ومدانة بجرم، فكيف إذا كانت إعلامية والمطلوب لا يتجاوز التحقيق معها كمرجعية تقرير تلفزيوني؟ تبدو الإجابة سهلة.

رشا الأطرش
المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...