أنابوليس: كرنفال إعلامي يوقع المزيد من الضحايا الفلسطينيين

28-11-2007

أنابوليس: كرنفال إعلامي يوقع المزيد من الضحايا الفلسطينيين

قد لا يكون مؤتمر أنابوليس، برغم كل ما قيل ويقال فيه، أي شيء أكثرقوى الأمن الفلسطينية التابعة للسلطة تعتدي على متظاهر ضدّ «أنابوليس» في الخليل أمس من كرنفال إعلامي. ومع ذلك فإن الكرنفال الذي يوصف بأنه مؤتمر «المتكلمين الذاهبين في طريقهم»، يوقع المزيد من القتلى والجرحى في الجانب الفلسطيني. وهنا لا تكفي القذائف الإسرائيلية، بل يضاف إليها العنفوان السلطوي الداخلي الذي لا يعبر عن نفسه بشدة إلا في مواجهة أبناء هذا الشعب.
في أنابوليس كانت أجهزة الأمن الأميركية قد رتبت كل شيء تقريبا لتمنع الصحافيين من الاقتراب من الوفود الرسمية في ملعب كرة السلة في الأكاديمية البحرية. أما في فلسطين، فقد رتبت أجهزة الأمن الفلسطينية نفسها لمنع من أراد من المواطنين التعبير عن رأيه في أنابوليس، تأييداً أو اعتراضاً.
وبرغم «تمسك» حكومة رام الله ووزرائها، الذين حرموا من لذة المشاركة في الكرنفال، بـ(الحقوق الدستورية» للمواطنين، فإنها أمرت بمنع التظاهرات. وفهمت حركة حماس أن المنع الموجه، شكلياً في نظرها، ضد جماعات من حركة فتح، يرمي في الأصل لمنعها هي من تنظيم تظاهرات ضد أنابوليس. ومن الجائز أنه يتعذر على أي عاقل نكران هذا المبرر، ولكن هل كان سلوك حكومة غزة مغايراً؟
فالتباكي على حقوق الناس المهدورة في التعبير عن نفسها ورأيها، سواء بالتظاهر أو بالاجتماع، ليس كفيلاً بإثبات حق. فمنتهك حقوق الآخرين يوفر المبررات لانتهاك حقه نفسه في موضع آخر. ومع ذلك فإن المسألة هنا ليست حرمان طرف للطرف الآخر حقه في الإعراب عن رأيه، وإنما حرمان الطرفين للشعب الفلسطيني من إبداء رأيه.
فمشهد رجال الأمن الفلسطينيين في رام الله وهم يهاجمون المتظاهرين ويجرونهم ويضربونهم وينتزعون اليافطات منهم، لا يمكن النظر إليه على أنه استعادة لأمن مفقود أو لنظام عام مستلب. ويمكن لمن يريد الذهاب بعيداً القول إنها تظاهرة من جانب سلطة رام الله لإثبات قدرة تفتقدها في الواقع. فهذه السلطة التي ذهب رئيس حكومتها ضمن الوفد إلى أنابوليس، تريد حتى من خلال حمل السلاح في وجه المتظاهرين واستخدامه برهان قدرتها على بسط الأمن.
ومن الطبيعي أن هذه القدرة تترافق مع تعبيرات سابقة، بينها ما جرى في مخيم عين الماء والخطة الأمنية في مدينة نابلس ذاتها. ويبدو أن عيار استعراض القوة هذا كان أكبر من اللازم في الخليل، فسالت دماء في مواجهة تظاهرة حزب التحرير الإسلامي. وكأن السلطة التي تحاول احتكار حمل السلاح في الضفة لإثبات تنفيذها للمرحلة الأولى من خريطة الطريق، تقول للأميركيين والإسرائيليين: هاكم ما سترون من الآن فصاعدا.
والمضحك المبكي أن فتح أعلنت أنها ألغت تظاهرة كانت تنوي تنظيمها في رام الله تأييداً للمؤتمر، مشيرة الى أن الإلغاء يأتي التزاما بقرار الحكومة الفلسطينية في رام الله منع التظاهر. ولكن فتح هذه التي تضامن أغلب الفلسطينيين معها عندما جرى التنكيل بأنصارها في غزة على يد أجهزة سلطة حماس، عمدت إلى تبرير ممارسات سلطة رام الله.
فقد أعلن المتحدث باسم فتح فهمي الزعارير أن حركته لا تبرر استخدام القوة لمنع حرية الرأي، معتبراً أن ما حصل في الضفة هو «احتكاك بعض المتظاهرين بعناصر الشرطة» وليس اعتداء من جانب الشرطة على المتظاهرين. وما رآه الناس جميعاً على شاشات التلفزيون لم يره هذا المتحدث، الذي أشاد بما تقوم الأجهزة الأمنية الفلسطينية «من إجراءات أمنية كفيلة لحماية حرية الرأي والتعبير». ولم يدر هذا المتحدث أنه، بسماحه لنفسه اعتبار المسيرة التي خرجت باسم حزب التحرير «تحدياً لقرار الحكومة الفلسطينية»، يعطي تبريراً مسبقاً للحكومة في غزة بقمع أي «تحد» من جانب منظمته لقراراتها.
ووجدت القوى المعارضة لسلطة حماس في غزة، في الإجراءات التي نفذتها قواتها في جامعة القدس المفتوحة فرصة للقول بأن حماس قمعت أنصار أنابوليس هناك. والحق أن تظاهرة حماس والجهاد الإسلامي ضد أنابوليس في غزة، برغم حجمها، كانت أقل أثراً من التظاهرات الأصغر التي جرت في الضفة.
ففي الضفة كانت التظاهرات أشد تنوعاً وأعمق تعبيراً في موقفها من أنابوليس، لأنها في الغالب لم تكن محسوبة لمصلحة طرف ضد آخر وإنما لمصلحة موقف. وما كانت صورة اللون الواحد في تظاهرة في غزة، مهما كبرت، أن تفصل الموقف عن حامله. فالانقسام الحادث في الحلبة الفلسطينية على أساس شهوة السلطة، هو من جعل حتى أشد المواقف تسامياً رهينة فصائلية ضيقة. ولم يعرف التاريخ أبداً أن أهدافاً كبرى تحققت برؤى ضيقة.
كان من حق الشعب الفلسطيني أن يختلف وهو ينظر إلى ما يجري في أنابوليس، من دون أن يشكل اختلافه موقفاً فصائلياً ضيقاً. فمن المنطقي أن نرى في فتح وحماس وكل الفصائل من ينظر بتفاؤل أو تشاؤم إلى أنابوليس ومن يناقش شرعيته وأهدافه. ولكن من غير المنطقي أن نرى من يبرر القمع لمؤيدي أو معارضي أنابوليس، إذا كان هذا المؤتمر حقاً من أجل فلسطين. فالدماء التي سالت هي التي تبقى شاهداً على المنطقي واللا منطقي في رؤية أنابوليس.

حلمي موسى

المصدر: السفير
  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...