أزمة اللايقين في السياسة الإسرائيلية

25-03-2010

أزمة اللايقين في السياسة الإسرائيلية

الجمل:  تساءل الخبراء كثيرا عن الخيار الإسرائيلي الشرق أوسطي القادم, وفي هذا الخصوص سعت التحليلات السياسية إلى محاولة العثور على الإجابة الأكثر احتمالا, ولم تفلح في العثور على ما يمكن أن يشفي غليل المتسائلين: فلماذا أصبح مستقبل الصراع الشرق أوسطي هذه المرة عصيا على التكهن؟
السياسة الإسرائيلية: أين تكمن بؤرة أزمة اللايقين؟
تابعت التقارير والتحليلات السياسية جدول أعمال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى إسرائيل, واستعرضت سرديات تقول بأن نتنياهو ذهب إلى واشنطن آملا في حل الأزمة, والحصول على الكثير من التنازلات الأميركية سواء عن طريق "التفاهم مع رموز هذه الإدارة" أو عن طريق "ردع هذه الرموز" بقدرته على استخدام منظمات وجماعات اللوبي الإسرائيلي في الضغط عليها واستهدافها في انتخابات الكونغرس القادمة.
على خلفية التطورات الجارية, نلاحظ أن بؤرة الأزمة قد تشكلت في داخل إسرائيل, وتقول المعلومات والتحليلات, بأن عملية صنع القرار السياسي-الإستراتيجي الإسرائيلي, أصبحت تتعرض لعملية شد أطراف وتجاذبات منهكة, وذلك بما جعل الحكومة الإسرائيلية الحالية غير قادرة على المفاضلة بين خيار المضي قدما في طريق السلام وخيار المضي قدما في اتجاه الحرب.
وبكلمات أخرى, تواجه الحكومة الإسرائيلية الحالية الآتي:
• خيار محادثات السلام مع سوريا ومع الفلسطينيين, وهو خيار وإن كان يجلب للحكومة الإسرائيلية دعم واشنطن وبلدان الاتحاد الأوروبي, فإنه سيولد لها صدمات داخلية معاكسة, بواسطة القوى السياسية اليهودية الدينية المتعصبة داخل الحكومة الإسرائيلية وداخل الكنيست الإسرائيلي, بما يفسح المجال أمام انهيار الائتلاف الحاكم الحالي.
• خيار الحرب ضد سوريا هو خيار سوف يجلب لإسرائيل معارضة الأميركيين والأوروبيين, وعداء الرأي العام الدولي وما هو أخطر من ذلك يتمثل في أن نتائج هذا الخيار لم تعد تمتع بالمصداقية, فقد أكدت كل الدراسات والأبحاث العسكرية-الاستراتيجية, بأن إسرائيل وإن كانت تستطيع إشعال الحرب, فإنها لن تستطيع السيطرة على هذه الحرب على غرار نماذج الحروب العربية-الإسرائيلية السابقة.
السيناريو الشرق أوسطي المحتمل: إشكالية المفاضلة؟
استعراض معطيات المشهد الإسرائيلي الحالي يشير إلى أن شكل السيناريو الشرق أوسطي المحتمل سلما أو حربا, سوف يعتمد بشكل أساسي, على نقطتين أساسيتين, ترتبطان بمفاعيل عملية صنع واتخاذ القرار السياسي-الاستراتيجي الإسرائيلي, وهما:
• إذا اختارت إسرائيل عدم الانصياع لضغوط الإدارة الأميركية, ومضت قدما في تصعيد التوترات مع الديموقراطيين فإن سيناريو خيار الحرب يكون هو الأكثر احتمالا لجهة الحدوث.
• إذا اختارت إسرائيل الانصياع لضغوط الإدارة الأميركية ومضت قدما في مسار المفاوضات مع الفلسطينيين, فإن احتمالات استئناف مسار المفاوضات مع سوريا تكون واردة, وبالتالي, فإن سيناريو خيار الحرب سوف يكون خفيف الاحتمال.
يقول المحللان جيرولد كيسيل, وبيير كلوسيندلر, في تحليلهما السياسي الذي نشرته بالأمس وكالة إنتربرس الأميركية, بأن إسرائيل أصبحت مترددة تتأرجح بين خيار الحرب وخيار السلام, ولتوضيح ذلك, أشار التحليل إلى النقاط الآتية:
• سوف يواجه نتنياهو موقفا حرجا, بحيث إذا سعى للاستجابة لمطالب الإدارة الأميركية فإن عليه أن يعيد ترتيب تحالفاته السياسية داخل إسرائيل, وإذا سعى لمخالفة الإدارة الأميركية فإنه لن يستطيع أن ينفذ شيئا.
• عقد نتنياهو اجتماعا مع الرئيس الأميركي باراك أوباما, وتم اللقاء ضمن جلستين انتهت الأولى عندما طلب نتنياهو من أوباما إعطاءه الفرصة لمقابلة مستشاريه المرافقين له, وبعد ذلك انعقدت الجلسة الثانية, ولاحظ المراقبون أنه, وبخلاف العادة, عندما دخل نتنياهو لمقابلة أوباما, لم تقم واشنطن بدعوة الصحفيين بالتواجد داخل القاعة والتقاط صور لأوباما وهو يصافح نتنياهو, وإضافة لذلك لم يصدر البيت الأبيض الأميركي أي تعليق يفيد لجهة حدوث اتفاق أو اختلاف في لقاء أوباما-نتنياهو, ومن ثم فإن عدم السماح بالتقاط الصور هو إجراء رمزي يفيد لجهة التقليل من مكانة نتنياهو, وعدم صدور التعليق يفيد لجهة التقليل من أهمية رأي نتنياهو داخل الاجتماع, بما معناه أن نتنياهو لم يحمل أي جديد معه, وبالتالي فإن عليه أن يعود وينفذ ما هو مطلوب منه أميركيا.
• مساعي نتنياهو لجهة استخدام اللوبي الإسرائيلي في ردع إدارة أوباما هي مساع فاشلة, وذلك لأن نجاح أوباما في تمرير مشروع الضمان الصحي, قد جلبت له شعبية إضافية كبيرة داخل الولايات المتحدة, ومن ثم, فمن سوء حظ نتنياهو أن وصوله لواشنطن كان متزامنا مع إجازة الكونغرس الأميركي لمشروع الضمان الصحي.
استنتج التحليل, بأن مصير نتنياهو نفسه لم يعد معلقا في يد أميركا, وإنما أصبح مصيرا تكتيكيا معلقا في يد الفلسطينيين, وتحديدا السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس, بحيث إذا وافق محمود عباس على غض النظر عن موضوع المستوطنات, وأقر الدخول في المفاوضات مع الإٍسرائيليين, فإن مشكلة نتنياهو مع واشنطن سوف تنتهي, وعلى ما يبدو, فإن نتنياهو سوف يسعى إلى البحث عن طريقة تجعل محمود عباس يوافق على غض النظر عن موضوع المستوطنات, ويدخل في المفاوضات, وهو الأمر الذي سوف يتيح لنتنياهو الظهور بمظهر المنتصر في خلافه مع واشنطن, وإضافة لذلك تجدر الإشارة إلى أن نفس هذا السيناريو قد حدث من قبل, عندما اختلفت واشنطن مع تل أبيب حول ملف المستوطنات, وسعى الرئيس المصري حسني مبارك إلى إخطار واشنطن بضرورة عدم التقيد بوقف الاستيطان كشرط لبدء المفاوضات, وبرغم أن حسني مبارك قد حصل حينها على دعم اللوبي الإسرائيلي لملف رئاسة جمال حسني مبارك, فإن الأمر سوف يكون مختلفا هذه المرة, وربما يتطلب تنفيذ السيناريو المزيد من التعديلات, كأن يقوم بالدور هذه المرة طرف آخر, قد يكون أردنيا, وقد يكون سعوديا.
التوقعات باحتمالات حدوث مثل هذا السيناريو المحرج للإدارة الأميركية هذه المرة, يمكن أن تكون قليلة, ولكن لما كانت هناك مصالح سياسية تجمع بين نتنياهو ومحمود عباس, وهي مصالح تتمثل في رغبة كل طرف البقاء لفترة أطول, فمحمود عباس يرغب في استمرار وجوده في رام الله, ونتنياهو يرغب في استمرار وجوده في تل أبيب, ومن ثم, كلما كانت المهددات لمحمود عباس بفقدان السلطة كبيرة, كلما كان محمود عباس أكثر قابلية للتراجع, وتقديم التنازلات, فهل يا ترى سوف يسعى نتنياهو لاستخدام "الأيادي الخفية" لجهة التهديد بإسقاط سلطة محمود عباس, بحيث يضطر محمود عباس للاستجابة واعتماد موقف السيناريو المحرج, وتنفرج أزمة محور واشنطن-تل أبيب.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...