«الغالبـون»: «معتقـل أنصـار» يبعـث مـن جديـد.. بسجانيـه ودباباتـه وأسـراه

01-01-2011

«الغالبـون»: «معتقـل أنصـار» يبعـث مـن جديـد.. بسجانيـه ودباباتـه وأسـراه

من يمر قرب إحدى أراضي بلدة أنصار الجنوبية، يخيل اليه أن معتقل «أنصار» الذي كانت يأسر فيه جنود الاحتلال رجال المقاومة في لبنان قد بُعث مجدداً. وبعثت معه «ملحقاته» اللوجستية كافة: خيم منصوبة، أبراج عالية ترتفع عليها أعلام إسرائيلية، أسلحة موزعة في أيدي الجنود، دبابات تفرض هيبتها طبعت عليها نجمة داوود، وأرض مجروفة بعناية لتسهيل مرور الآليات الضخمة. أوتدة وسياج حديدي تفصل منطقة الخيم عن محيطها، وأكياس رمل يتمّ تكديسها داخل خيم الاعتقال. أثناء تصوير ملالة إسرائيلية منقلبة على جانبها ومحاولة إسعاف عدد من الإصابات
فضّل المخرج السوري باسل الخطيب استحداث معتقل مماثل، بعدما تغيرت وجهة المنطقة التي كان يتواجد فيها المعتقل الأساسي عمرانياً، مستعيناً بميزانية إنتاج ضخمة. وهي المحطة التي انتقل اليها فريق عمل مسلسل «الغالبون» الذي يستعيد سيرة المقاومة في لبنان. وزارها إعلاميون لمواكبة التصوير يوم أمس الأول، بدعوة من قسم العلاقات العامة للعمل.
كل شيء حي هنا ويستعير من الواقعية رموزها وأدواتها. على أن استعادة المكان بتفاصيله النابضة، ليست كل شيء، بل الأهم هو إلباسها المضمون الذي يؤرشف لمرحلة عاشها «حزب الله» منذ العام 1982 وحتى العام 1985.
الكل في حالة استنفار: الممثلون والكومبارس والفنيون وفريق الإنتاج.. وحتى عناصر من الجيش اللبناني الذين تمت الاستعانة بهم لقيادة آلياتهم بأنفسهم.
دقائق قليلة، ويعطي المخرج باسل الخطيب الإشارة ببدء التصوير.. فتنتشر سحب الدخان (الإصطناعي) في المكان، وتخرقها وجوه عدد من الجنود ببدلاتهم العسكرية الإسرائيلية، وهم يجرجرون الأسرى المقاومين، في زيهم البني التقليدي بين الزنازين، وآثار التعذيب بادية على هيئاتهم. بعدها يسيطر هدير الدبابات الإسرائيلية التي تمرّ في المكان، معيداً أجواء استعراضات القوة الإسرائيلية وبطش الجيش المحتل في حينه.
هذا المشهد تكرر تصويره أكثر من مرة، لالتقاط زوايا عدة منه خلال العرض. يليه تصوير مشهد آخر، يتعرض خلاله أسرى لأبشع أنواع التعذيب.
عينه على نص السيناريو الذي يحمله بيده، وأخرى على الكاميرا. يغوص باسل الخطيب في التفاصيل الفنية، يرسم المشهد كمن يستعين بريشة. وتتحول كوادره الى ما يشبه لوحات تشكيلية. كما يلعب جيداً على وتر الأحداث ومساراتها، فيغدو المضمون والحوارات بمثابة عمل توثيقي، يتخطى اعتبارات السوق الفني وحساباته.
غير أن المكان الذي يضجّ بالجموع، سرعان ما يتحول بين وقت وآخر الى «هرج ومرج»، فيحسن الخطيب ضبط إيقاع كل فريق حسب اختصاصه، ويدير اللعبة بإتقان وهدوء من يخشى على عمله من انفعال غير محسوب.
الخطيب: «من أضخم الديكورات»
والخطيب الذي تطرق في عدد من أعماله للقضية الفلسطينية والمقاومة، ينفذ «الغالبون» لمصلحة «مركز بيروت الدولي للإنتاج والتوزيع الفني». ويقول خلال استراحة، «إن إنشاء المعتقل هو من أضخم الديكورات التي شهدها جزء كبير من أعمالي. والأحداث مرتبطة بالذكريات الأليمة التي شهدها المعتقلون من لبنان وفلسطين. حاولنا تقديم صورة قريبة جداً من المعتقل، وهو عمل مرهق جداً، وتطلب مشاركة حشود كبيرة من الناس، وآليات وعشر دبابات وناقلات جنود. علماً أن هذا العدد سيتضاعف في المرحلة المقبلة».
ورداً على سؤال يوضح الخطيب أن حوالى 200 ممثل لبناني يشاركون في العمل. وهم الأقدر على تجسيد الأدوار باعتبارهم أبناء البلد الذى عانى قهر الاحتلال». ويشير الى أن بلدة الدوير ستكون المحطة المقبلة مطلع السنة الجديدة لاستكمال تصوير أحداث المسلسل.
يقف المخرج أمام الفنان فؤاد شرف الدين، الذي يلعب دور الكولونيل الإسرائيلي آمر المعتقل، يعطيه توجيهاته قبيل التصوير. وهو أحد الفنانين اللبنانيين، الذين يشاركون في العمل. ومنهم أحمد الزين، وباتريك مبارك، وبيار داغر، ودارين حمزة، وطوني عيسى وآخرون.
ويقول شرف الدين الذي يستعين بأستاذ لتعليمه اللغة العبرية، بداعي مشاركته في العمل، «يفترض ألا يكون أي لبناني، لأي طائفة انتمى، غير متحمّس للعمل، في مسلسل يعكس الممارسات الإسرائيلية في زمن الاحتلال».
ويشير الى «أنني أتحدّى نفسي في أن ارتدي البدلة الإسرائيلية، وأتكلم العبرية، وهي بدلة الكيان العدو ولغته».
أما أحمد الزين الذي بدأ العمل مع المخرجين السوريين منذ العام 1975 عبر «قمر نيسان الحزين»، فيشدد على أهمية المشاركة اليوم في «الغالبون» بدور أبو حسين، الأب لثلاثة شبان وشابة، (وبما يتطابق مع الواقع). وهي الشخصية الطيبة التي تعشق الأرض، وتحلم بانضمام أحد أبنائها الى المقاومة. فإذا بالأب يكتشف أن أولاده الأربعة قد انخرطوا في إطارها.
ويقول: «عندما قرأت النص شعرت بأنني مدين للهنود الحمر، الذين كان يصورهم الإعلام الغربي كمجرمين. ففي ظل الاحتلال الإسرائيلي أحسسنا بوجع الهنود الحمر المغتصبة أرضهم».
ويؤكد أن ما شهده «معتقل أنصار» يفوق ما شهده «غوانتانامو» وحشية. ويعتبر أن منع معظم الفضائيات العربية لمثل هذه الأعمال هو بمثابة «غصة». أملاً الا يعرض «الغالبون» في «بازار» رمضان المقبل.
والزين الذي يشارك للمرة الرابعة في عمل من توقيع باسل الخطيب، يعتبر أن ما يميز الأخير هو «عينه الساحرة، وداخله الملتزم بالقضية».
و«الغالبون» الذي كتبه فتح الله عمر، ويتسلم إدارة إنتاجه حسن عبيد، من المتوقع عرضه عبر تلفزيون «المنار» بعد أشهر عدة.

فاتن قبيسي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...