«الزوادة»... عادة صحية تواجه «الانقراض»

29-01-2009

«الزوادة»... عادة صحية تواجه «الانقراض»

لم يكن الآباء قبل عقود يغادرون منازلهم إلى العمل، من دون «زوادة الطعام» المصنوعة من الخيش أو بعض بقايا الأقمشة، والتي يحملون فيها «الخبز والتمر والسمك المملح اليابس والكليجة»، وحتى الأبناء إلى ما قبل سنوات قليلة لم يكونوا يتوجّهون إلى المدارس من غير طعام، كانت تخصهم بإعداده الأمهات.

إلا أن هذه العادة شهدت تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة، وانحصرت في شكل ضيق في فئات عمرية محددة، وهي أطفال الرياض والصفوف الدنيا، وإن كانت عادة «الزوادة» لا تزال تحتفظ بحضور جيد في بعض الدول العربية، وبخاصة دول الشام، إذ تعـد واحدة من أبرز العادات البدوية. كما أنها ترتبط لدى أبناء الريف في شكل أكبر بموسم الحصاد وقطاف الزيتون. وتضم لذلك نتاجهم من زيت الزيتون، وبعض الخضار والفواكه، إضافة إلى الخبز.

وتؤكد فاطمة حرصها على تزويد ابنتها التي تدرس في الصف الثالث الابتدائي، بـ «سندويش أعده في البيت، أو أشتري لها فطيرة من أحد المخابز، إضافة إلى تزويدها بعلبة عصير»، مؤكدة أنها لا تعطيها نقوداً «حتى لا تشتري مواد غير صحية». وتنتقد عدم اهتمام بعض مقاصف المدارس بتوفير الطعام الصحي أو الطازج. وتقول: «يرفض ابني الذي يدرس في المرحلة المتوسطة، أن أزوده بما أزود به أخته، بدافع الخجل ومسايرة زملائه».

أما وداد فإنها تعطي ابنتها التي تدرس في الصف الثاني الابتدائي، مصروفاً يومياً لا يقل عن خمسة ريالات، لتشتري «فسحة». وتقول: «غالباً ما تعود ببالونات وقطع الشوكولاتة». وتعطي فاطمة أبناءها ما يطلبون من أنواع الغذاء، مشيرة إلى أنهم «حينما يحملون معهم بعض الفواكه، فإن الأطفال الآخرين يضحكون عليهم».

والموظفة حنان تخجل من أن تحمل معها الطعام من البيت إلى العمل «لذا لا أتردد في الاتصال بأحد المطاعم وأطلب منه وجبة مثل زميلاتي». وفيما يقوم عبدالوهاب، بمشاركة زملاء العمل بـ «القطية» لشراء وجبة الغداء، فإن سوزان، لا تزال تحمل إلى محل عملها السندويش الذي تجهزه في المنزل إضافة إلى التفاح والخيار.

وتقول ياسمين مدرّسة رياض الأطفال إن «كثيراً من الأمهات يسلّمون أطفالهم إلى الروضة من دون محاولة تفقّد محتويات الوجبة المقدمة لهم من قبل الروضة، إذ ثمة روضات تقدم وجبة صحية للطفل، ولا تسمح له بأن يحضر للروضة «الشيبس»، والمشروبات الغازية وغيرها من الأغذية التي لا تحوي عناصر غذائية متكاملة. فيما هناك روضات تجارية، تحاول استقطاب الأطفال بذلك»، لافتة إلى أن كثيراً من الأطفال «يعانون بسبب ذلك من تسوس الأسنان وسوء التغذية».

بدورها، تبدي اختصاصية التغذية سهير حمدان أسفها لوصف عادة «الزوادة» بـ «الموضة القديمة»، مشيرة إلى أهميتها الكبيرة في «حماية أفراد الأسرة من كثير من أمراض العصر، بخاصة السمنة التي باتت تعاني منها النساء بنسبة 85 في المئة. كما يعاني منها الرجال بنسبة 75 في المئة، والأطفال بنسبة 68 في المئة، وذلك بحسب دراسة صدرت عن جامعة الملك فيصل للباحثة ياسمين التويجري».

وتتابع حمدان أن «ربة الأسرة تحرص في العادة لدى إعداد زوادة الطعام لنفسها أو أبنائها أو زوجها، على تقدير الحصة الملائمة لهم من الغذاء، والتي تزودهم بالطاقة الحرارية الضرورية التي يحتاجون إليها»، مؤكدة أنها تهتم شخصياً بتزويد أفراد أسرتها لدى خروجهم من المنزل بوجبات صحية، تحميهم من مخاطر وجبات المطاعم السريعة. وتضيف: «الزوادة لا تزال تشهد اهتماماً في دول الشام، مشيرة إلى ان من أسباب ذلك، هو الجانب الاقتصادي، وطيب مذاق الطعام الشامي». وتصف وعي معظم النساء الغذائي، محلياً، بأنه يقترب من «الصفر»، وتتهمهن بـ «عدم الوعي الغذائي، بدليل تناول معظمهن للطعام بحسب الرغبة»، مشددة على الأم «برفع وعيها الغذائي، من طريق القراءة والاطلاع، وتكريس عادة «الزوادة» لدى أفراد الأسرة، وكذلك تطويرها في شكل يجمع بين العصرنة والتوازن الغذائي الصحي».

 

شمس علي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...